بين دارفور وكردفان.. هدنة لا تجد طريقها إلى الخرطوم
بين دارفور وكردفان.. هدنة لا تجد طريقها إلى الخرطوم
رغم إعلان "قوات التأسيس" موافقتها على مقترح هدنة إنسانية مؤقتة، فإنّ السودان ما يزال يغلي على وقع القتال والانفجارات، وكأنّ الحرب التي دخلت عامها الثالث أغلقت كل أبواب التسوية، فبينما يحاول الوسطاء الدوليون، بقيادة الولايات المتحدة، إعادة فتح نافذة للأمل عبر هدنة مدتها ثلاثة أشهر، يلوذ الجيش بالصمت، في مؤشر على انعدام الثقة بين طرفي الصراع، ويبدو أن كلّ طرف يرى في الهدنة أداة لتثبيت مكاسبه لا طريقًا للسلام، فقوات التأسيس تحاول تهدئة الأوضاع بعد السيطرة على دارفور بينما يتهيأ الجيش لاستعادة مناطق استراتيجية في كردفان والخرطوم، ومع تزايد المعارك وسقوط الضحايا، يتبدد الأمل في أن تكون هذه المبادرة نقطة تحول، لتتحول الهدنة المقترحة إلى حلقة جديدة من الغموض في حربٍ أنهكت البلاد وقسّمتها جغرافيًا وإنسانيًا.
لغة السلاح الأعلى صوتًا
لم تغيّر موافقة "قوات التأسيس" على مقترح الهدنة كثيرًا من مشهد الحرب السودانية الذي يبدو عالقًا بين نارين، تصعيد ميداني متواصل، ومساعٍ دولية تتآكل بفعل غياب الثقة، فحتى الآن، لم تُصدر الحكومة المدعومة من الجيش أي رد رسمي على مقترح الوسطاء الذي صاغته "الرباعية الدولية" بقيادة الولايات المتحدة، بينما تتواصل الانفجارات في الخرطوم وعطبرة، لتذكّر الجميع بأن لغة السلاح ما زالت الأعلى صوتًا.
المقترح، الذي كشفت بعض تفاصيله "وكالة الصحافة الفرنسية"، ينصّ على هدنة إنسانية تمتد لثلاثة أشهر، تتيح دخول المساعدات وإجراء محادثات لوقف دائم لإطلاق النار، غير أن المراقبين يشككون في أن الهدنة المقترحة ستجد طريقها للتطبيق، في ظل استمرار المعارك وغياب أي ضمانات دولية حقيقية.
ففي الوقت الذي تعلن فيه "قوات التأسيس" استعدادها لوقف القتال، تتحدث تقارير ميدانية عن تعزيزات عسكرية أرسلتها الحركة نحو مدينة الأبيض، في خطوة يرى فيها الخبراء استعدادًا لهجوم جديد للسيطرة على المدينة التي تمثل عقدة استراتيجية بين الغرب والخرطوم.
في المقابل، يركز الجيش السوداني، وفق محللين، على استعادة السيطرة على كامل إقليم كردفان الذي يشكل محورًا جغرافيًا حيويًا بين الجنوب والخرطوم، وتشير مصادر عسكرية إلى أن الجيش يعدّ لمعركة كبرى لاستعادة مدينة الأبيض، بوصفها المدخل الاستراتيجي نحو الغرب، وأحد آخر أوراقه الحيوية في ميزان القوة.
نقطة تحوّل
وانسحاب الجيش من الفاشر، عاصمة شمال دارفور، قبل أسبوعين، كان نقطة تحول خطيرة في مسار الحرب، إذ يعني ذلك، بحسب المراقبين، أن "قوات التأسيس" أصبحت تسيطر الآن على عواصم ولايات دارفور الخمس، وعلى مناطق في الجنوب والوسط، بينما يحتفظ الجيش بمناطق الشمال والشرق والوسط على طول نهر النيل والبحر الأحمر.
ورغم أن السيطرة الميدانية تميل تدريجيًا لصالح قوات التأسيس، فإن المكاسب العسكرية لم تُترجم إلى نفوذ سياسي حقيقي، فالمجتمع الدولي لا يزال يتعامل بحذر مع الطرفان.
على الصعيد الميداني، لم تمنع الموافقة المعلنة على الهدنة من استمرار القصف والانفجارات، ففي الخرطوم، سُمع دويّ مضادات أرضية أعقبتها انفجارات في مناطق شمال أم درمان، قرب قاعدة وادي سيدنا العسكرية، ثم في محيط محطة المرخيات للطاقة، ما أدى إلى انقطاع واسع في التيار الكهربائي.
وفي عطبرة شمال البلاد، تحدث شهود عن ظهور طائرات مسيّرة يعتقد أنها تابعة لـ"قوات التأسيس" قبل أن تسقطها المضادات الأرضية.
لكن ما يزيد الوضع تعقيدًا هو الانهيار شبه الكامل للبنية التحتية المدنية، إذ تُصنف مناطق عدة في كردفان ودارفور ضمن مراحل متقدمة من انعدام الأمن الغذائي، ويشير "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي" إلى أن مدينتي الدلنج وكادوقلي باتتا على حافة المجاعة؛ ما يجعل أي هدنة، مهما كانت محدودة، بمثابة فرصة نادرة لإنقاذ أرواح المدنيين العالقين بين خطوط النار.

العرب مباشر
الكلمات