أطفال لبنان بين نيران الحرب وصدمات المستقبل
أطفال لبنان بين نيران الحرب وصدمات المستقبل
في جنوب لبنان، حيث التصعيد العسكري بين حزب الله وإسرائيل بلغ ذروته، يعيش الأطفال واقعًا مأساويًا يجعلهم عرضة للقتل المباشر أو الموت البطيء جراء الصدمات النفسية التي تخلفها الحرب.
القصف المتواصل على القرى الحدودية والمدن القريبة لم يترك مجالًا للأطفال للهروب من دائرة الخطر، حيث باتوا شهودًا على دمار منازلهم وفقدان أحبائهم، في مشهد يهدد بتكوين جيل كامل مثقل بالألم والمعاناة.
الأطفال الأكثر تأثرًا بالحرب
الحرب لم تفرق بين المدنيين والمقاتلين، والأطفال هم الأكثر تأثرًا، فهم يعانون من فقدان الشعور بالأمان، ومعايشة الفقد والخوف يوميًا.
في بلدة مثل عيتا الشعب أو بنت جبيل، أصبحت أصوات الطائرات الحربية الإسرائيلية وصافرات الإنذار جزءًا من حياة الأطفال اليومية؛ مما جعلهم عرضة لأزمات نفسية متفاقمة مثل اضطراب ما بعد الصدمة PTSD ، والقلق الدائم، واضطرابات النوم.
المدارس أيضًا باتت في مرمى النيران؛ مما حرم آلاف الأطفال من حقهم في التعليم، وجعلهم رهائن لحالة من الجهل التي قد تمتد إلى أجيال قادمة.
بعض المدارس تحولت إلى ملاجئ للنازحين، بينما دمرت أخرى بالكامل. المعلمون الذين نجحوا في الوصول إلى الطلاب أشاروا إلى أن الأطفال باتوا غير قادرين على التركيز أو التفاعل، بسبب ما مروا به من أهوال الحرب.
أحد أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات اللبنانية بعد الحرب هو كيفية التعامل مع الأضرار النفسية والاجتماعية التي لحقت بالأطفال.
المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية تعمل جاهدة لتقديم الدعم النفسي، إلا أن الإمكانيات المتوفرة تبدو غير كافية مقارنة بحجم الكارثة.
وقد استهجن المتحدث باسم اليونيسف، جيمس إلدر، من أنه رغم مقتل أكثر من 200 طفل في لبنان في أقل من شهرين، فإن اتجاهًا مقلقًا يبرز ويظهر أنه يجري التعامل دون مبالاة مع هذه الوفيات من جانب هؤلاء القادرين على وقف هذا العنف.
مستقبل مظلم
بحسب المنظمة الدولية فإن مئات الآلاف من الأطفال أصبحوا بلا مأوى في لبنان، كما أن علامات الاضطراب النفسي أصبحت مقلقة وواضحة بشكل متزايد.
والحرب لا تهدد فقط حاضر الأطفال بل أيضًا مستقبلهم. غياب التعليم والاستقرار النفسي سيؤثران بشكل مباشر على قدرتهم على الاندماج في المجتمع مستقبلاً.
التحديات الاقتصادية الناتجة عن الحرب تزيد الأمر سوءًا، حيث يضطر بعض الأطفال إلى العمل لمساعدة أسرهم بدلًا من استكمال دراستهم.
هناك أيضًا خطر كبير يتمثل في انزلاق هؤلاء الأطفال نحو التطرف أو الانخراط في النزاعات المستقبلية، نتيجة الشعور بالظلم والرغبة في الانتقام.
في ظل هذا المشهد المأساوي، تبرز أهمية التحرك الدولي لدعم لبنان في توفير الحماية للأطفال، من خلال الضغط لإنهاء التصعيد العسكري أولًا، وتقديم الدعم المادي لإعادة بناء المدارس والمستشفيات المدمرة، إضافة إلى توسيع برامج الدعم النفسي والاجتماعي.
إن ما يعيشه أطفال لبنان اليوم يعيد إلى الأذهان مشاهد مشابهة لأطفال عايشوا الحروب الأهلية اللبنانية في الماضي، حيث لم يتمكن الجيل السابق من التعافي الكامل من تداعيات الصراعات.
إذا لم يتم التعامل مع هذه الكارثة بشكل جاد وسريع، فإن الأجيال القادمة ستظل تدفع ثمنًا باهظًا لحروب لا يد لهم فيها، ما سيُبقي المجتمع اللبناني في دائرة مستمرة من الصراع والمعاناة.
الحرب قد تتوقف يومًا ما، لكن آثارها على الأطفال ستظل قائمة لسنوات طويلة، وقد تشكل عقبة كبيرة أمام أي محاولات لإعادة بناء لبنان كدولة مستقرة وقادرة على احتواء مواطنيها.
هذا الجيل من الأطفال بحاجة إلى أكثر من مجرد مساعدات آنية، يحتاج إلى رؤية طويلة الأمد تعيد لهم طفولتهم المسلوبة وتمنحهم الأمل في مستقبل أفضل.
ويقول الباحث السياسي اللبناني، طوني حبيب: إن أطفال لبنان اليوم يعانون من صدمات نفسية جماعية نتيجة التعرض اليومي للعنف والقصف، العديد منهم يظهرون أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، مثل الكوابيس المتكررة والخوف من الأصوات المرتفعة، وهو ما قد يترك آثارًا طويلة الأمد على صحتهم العقلية والنفسية.
والمستقبل يتطلب برامج دعم مكثفة لإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع.
وأضاف حبيب - في تصريحات خاصة للعرب مباشر-، أن الحرب لم تدمر المنازل فقط، بل دمرت أيضًا مستقبل الأطفال، العديد من الطلاب الذين كنت أدرّسهم لم يعودوا إلى المدرسة بسبب النزوح أو فقدانهم لأحد الوالدين. هذا الجيل بحاجة إلى دعم كبير إذا أردنا أن يكون جزءًا من بناء لبنان مستقبلًا.