وسيط متميز.. كيف اتخذت المملكة العربية السعودية دوراً مؤثراً في الصراعات الإقليمية؟
اتخذت المملكة العربية السعودية دوراً مؤثراً في الصراعات الإقليمية
نجحت المملكة العربية السعودية في اتخاذ دور المؤثر "غير المنحاز" على المسرح العالمي، حيث تستضيف محادثات السلام حول أوكرانيا في نهاية هذا الأسبوع؛ فللمملكة تاريخ طويل في العمل كوسيط في النزاعات الإقليمية مثل الحرب الأهلية في لبنان، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ومؤخراً الأزمة في السودان.
وبحسب وكالة "رويترز" الإخبارية الدولية، فقد انطلق أمس السبت، اجتماع متعدد الجنسيات في مدينة جدة الساحلية بحضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي يبحث عن خطة سلام لإنهاء الحرب على بلاده.
وسيط متميز
وأكدت مجلة "ذا ناشونال" الدولية، أن الاجتماع الذي يستمر يومين يأتي في الوقت الذي تتجاوز فيه الحرب الأوكرانية الروسية عتبة الـ500 يوم، وتشن أوكرانيا هجومًا مضادًا في محاولة لتحرير المناطق التي تسيطر عليها روسيا.
وقالت سانام وكيل، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز أبحاث تشاتام هاوس، إن مؤتمر جدة "متميز" عن المحادثات الأخرى التي استضافتها المملكة، مضيفة: "تحاول المملكة وضع نفسها على أنها مؤثر غير منحاز في الوسط يمكنه أن يجمع أطرافًا متعددة في حرب أوكرانيا".
وأضافت: "تهدف هذه الجهود إلى إظهار قوة الرياض في التعبئة الدولية، لاسيما بين مجموعة العشرين، حيث أظهر هذا التواصل تحولًا في نهج الرياض الإقليمي بعيدًا عن الاستعانة بمصادر خارجية لإدارة مصالحها الأمنية الإقليمية بشكل مباشر".
استجابة سياسية
بينما أكدت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، أن المملكة العربية السعودية دعت 30 دولة للانضمام إلى المحادثات في نهاية هذا الأسبوع، ومن بينهم الولايات المتحدة والدول الأوروبية وتشيلي والمكسيك وإندونيسيا ومصر وزامبيا.
وتابعت: إن المحادثات تهدف إلى إقناع دول من جنوب الكرة الأرضية بدعم مقترحات كييف لإنهاء الحرب، وتتكون خطة أوكرانيا المقترحة من صيغة سلام من 10 نقاط، بما في ذلك استعادة وحدة أراضي أوكرانيا، وانسحاب القوات الروسية، وإطلاق سراح جميع السجناء، ومحكمة المسؤولين عن العدوان وضمانات أمنية لأوكرانيا.
قال كريستيان أولريتشسن، زميل الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس في هيوستن، إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يضع المملكة "كممثل لا غنى عنه" ليس فقط على المستوى الإقليمي ولكن أيضًا على المسرح الدولي.
وتابع: "تسعى السلطات السعودية إلى تقديم المملكة على أنها مركزية للاستجابات السياسية للقضايا الرئيسية في السياسة الدولية".
وأضاف: "التركيز على الدبلوماسية بدأ على المسرح الإقليمي في وقت انعقاد قمة مصالحة العلا لقادة دول مجلس التعاون الخليجي في يناير 2021".
وأشارت الصحيفة إلى أن المملكة وضعت نفسها على الساحة الدولية بعد الأزمة الروسية الأوكرانية في فبراير من العام الماضي الذي سلط الضوء على مدى مركز المملكة العربية السعودية في أسواق الطاقة العالمية.
الاعتماد على الذات
وأفادت مجلة "ذا ناشونال" الدولية، بأن المملكة العربية السعودية تهدف إلى اعتماد سياستها الخارجية على نفسها من خلال تنويع علاقاتها السياسية والاقتصادية، حسبما أفادت آنا جاكوبس، محللة شؤون الخليج في مجموعة الأزمات.
وقالت جاكوبس: "المملكة تحاول الابتعاد عن اعتمادها الطويل الأمد على الولايات المتحدة، بالنسبة للرياض، هذا أمر حتمي في نظام عالمي متعدد الأقطاب بشكل متزايد".
وأضافت: أن المملكة العربية السعودية تحتفظ بعلاقات قوية مع كل من الشرق والغرب، مضيفة أن لديها العديد من الأسباب للحفاظ على علاقات وثيقة مع كل من روسيا وأوكرانيا.
وقالت جاكوبس: "إحدى فوائد هذه الإستراتيجية هي أن المملكة العربية السعودية يمكن أن تحاول تقديم نفسها كحكم محايد يمكن أن يسهل الحوار بين الجانبين، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من مكانة الرياض العالمية".
وتابعت: "من الواضح أن المملكة العربية السعودية تقوم بدور أكثر أهمية في جهود الوساطة المختلفة، ولكن من السابق لأوانه الحكم على فعالية هذه الجهود".
جهود الوساطة السابقة
وأوضحت وكالة "رويترز"، أن أحد أهم جهود صنع السلام في المملكة العربية السعودية هو الاجتماع بين الأطراف اللبنانية الذي استضافته المملكة في مدينة الطائف عام 1989، وأدى اتفاق الطائف الناتج عن ذلك إلى نهاية الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عامًا في العام التالي، ومن المعروف أن المسؤولين في المملكة لعبوا دورًا هامًا في الوساطة في لبنان، حيث قال مراقب لبناني: "أصبحت الفصائل اللبنانية مدمنة على التدخل الخارجي".
في عام 2002، قدمت المملكة العربية السعودية مبادرة السلام العربية التي عرضت على إسرائيل تطبيع العلاقات مع الدول العربية مقابل إقامة دولة للفلسطينيين وانسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي التي احتلتها عام 1967، في عام 2018، استضافت المملكة توقيع اتفاقية بين الخصمين القديمين إثيوبيا وإريتريا لتطبيع العلاقات.
كما لعبت السعودية دور الوسيط في العراق، فعلى مر السنين، استضافت المملكة قادة متنافسين من مختلف الكتل السنية والشيعية في محاولة لتخفيف التوتر في البلاد.