بعد فتح ثلاث جبهات معًا.. تل أبيب تحت ضغط تراجع الدعم الأميركي ونقص الذخائر
بعد فتح ثلاث جبهات معًا.. تل أبيب تحت ضغط تراجع الدعم الأميركي ونقص الذخائر

منذ أن اشتعل فتيل الحرب المفتوحة بين إسرائيل وإيران، ومع استمرار النزاع في غزة، وتوتر الجبهة اللبنانية، دخل الجيش الإسرائيلي دوامة استنزاف غير مسبوقة لعتاده وذخائره، فالحديث في تل أبيب لم يعد يقتصر على الأهداف العسكرية أو الإنجازات الميدانية، بل بدأ يدور حول قدرة الجيش على الصمود لوجستيًا في حروب متعددة المسارات، وبينما يراقب العالم تبدل نبرات البيت الأبيض تجاه الحليف الأقرب في الشرق الأوسط، أطلقت دوائر أمنية أميركية تحذيرات صريحة: إسرائيل تعاني من نقص حاد في الذخيرة، والأميركيون قلقون من وتيرة الاستهلاك المرتفعة لمخزونهم أيضًا، ومع تزايد مؤشرات التوتر بين ترامب ونتنياهو على خلفية خروقات وقف إطلاق النار الأخير، يطفو على السطح سؤال استراتيجي كبير، هل ما زالت واشنطن قادرة – أو راغبة – في الاستمرار بدعم آلة الحرب الإسرائيلية بنفس السخاء القديم؟
أزمة صامتة
دخلت إسرائيل مرحلة حساسة من حربها الممتدة على ثلاث جبهات، مواجهة مستمرة مع إيران في ظل هدنة هشة، اشتباكات متكررة مع حزب الله على الحدود اللبنانية، وحرب مفتوحة منذ أكتوبر 2023 في قطاع غزة.
وفي الوقت الذي يتصدر فيه الحديث عن الانتصارات أو الردع، تتسلل أزمة صامتة لكنها بالغة الخطورة إلى قلب المؤسسة العسكرية الإسرائيلية: نقص الذخائر.
بحسب ما كشفه مسؤولون أميركيون نقلًا عن شبكة NBC، فإن إسرائيل، التي تعتمد بشكل شبه كامل على الدعم العسكري الأميركي، تعاني حاليًا من نقص في عدد من الأسلحة الرئيسية، وعلى رأسها الذخائر الموجهة والصواريخ الاعتراضية.
وتكمن الخطورة في أن هذا النقص لا يقتصر على الجبهة الإيرانية، بل يمتد ليشمل القتال في غزة والتوتر المستمر على الجبهة الشمالية.
ما يعزز من جدية هذه التحذيرات، هو ما أدلى به القائم بأعمال رئيس العمليات البحرية الأميركية، جيمس كيلبي، خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ، حيث أقر بأن البحرية الأميركية تمتلك ما يكفي من الصواريخ للدفاع عن إسرائيل "في الوقت الحالي"، لكنه حذر من أن وتيرة الاستهلاك الحالي "تنذر بالخطر".
هذه التصريحات تعكس قلقًا متزايدًا داخل البنتاغون بشأن استدامة دعم إسرائيل على المدى الطويل، خصوصًا في ظل التحديات التي تواجهها واشنطن في مناطق أخرى من العالم.
فتور أمريكي
ويأتي هذا التطور في لحظة سياسية حرجة تشهد تصدعًا متناميًا في العلاقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
فعقب الإعلان المفاجئ عن وقف إطلاق نار بين إسرائيل وإيران بوساطة قطرية، خرج ترامب ليعبر عن "استيائه الشديد" من الطرفين بسبب خرقهما الهدنة بعد أقل من 24 ساعة على سريانها، ما يشير إلى فتور غير معتاد في اللهجة الأميركية تجاه تل أبيب.
ولا تخفي بعض التقارير أن إدارة ترامب قد بدأت تراجع أولوياتها في الشرق الأوسط، وتسعى لتقليل الانخراط العسكري المباشر، وهو ما ينعكس على شكل ومستوى الدعم المقدم لإسرائيل، خصوصًا إذا استمرت تل أبيب في إدارة الحرب خارج الأطر التوافقية مع واشنطن.
في الخلفية، تبرز أزمات أخرى تعقّد الموقف الإسرائيلي: فمخزون القبة الحديدية يواجه ضغوطًا متزايدة بسبب الاستهلاك المرتفع لاعتراض صواريخ تُطلق من طهران واليمن، فيما بدأ الجيش الإسرائيلي يعتمد على ذخائر طوارئ كان من المفترض استخدامها فقط في حال اندلاع حرب شاملة.
الدعم مشروط
ويثير هذا الواقع تساؤلات حول مدى جاهزية الجيش الإسرائيلي لحرب استنزاف طويلة الأمد، لا سيما مع تزايد الاعتماد على الدعم الخارجي في ظل غياب منظومة إنتاج محلي قادرة على تلبية الاحتياجات السريعة.
وفي الوقت نفسه، يبرز ضغط متنامٍ داخل الكونغرس الأميركي بشأن حجم المساعدات العسكرية لإسرائيل، خاصة بعد تزايد الانتقادات لسلوك الجيش الإسرائيلي في غزة والضربات المتكررة في لبنان.
ومن جانب آخر، يقرأ مراقبون الأزمة الحالية باعتبارها رسالة غير مباشرة من واشنطن لتل أبيب، مفادها أن الدعم الأميركي ليس بلا شروط، وأن إدارة الأزمة الحالية تتطلب توافقًا سياسيًا واستراتيجيًا أوسع، يتجاوز منطق القوة العسكرية إلى مسارات تفاوضية ودبلوماسية.