محلل سوداني: عودة النزوح من الخرطوم تعكس فشل الأطراف المتحاربة في إدارة الأزمة
محلل سوداني: عودة النزوح من الخرطوم تعكس فشل الأطراف المتحاربة في إدارة الأزمة

يشهد سكان العاصمة السودانية موجة نزوح جديدة بعد أشهر قليلة فقط من عودة الآلاف إلى المدينة، إذ أجبرت الظروف الأمنية والمعيشية المتردية الكثيرين على مغادرة الخرطوم مجددًا، في ظل تدهور مروع في الخدمات الأساسية واستمرار حوادث القتل والنهب، مع تصاعد الحرب الدائرة في البلاد منذ منتصف أبريل 2023.
ووفقًا لتقديرات منظمة الهجرة الدولية، فإن أكثر من 80 بالمئة من سكان العاصمة الثلاث — الخرطوم وأم درمان وبحري — البالغ عددهم نحو 7 ملايين نسمة، اضطروا للنزوح إلى مناطق داخلية أو عبور الحدود إلى دول مجاورة منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وكانت المنظمة قد قدرت في تقريرها الصادر في سبتمبر الماضي عدد العائدين إلى العاصمة خلال الفترة من نوفمبر 2024 وحتى أغسطس 2025 بنحو 815 ألف شخص، إلا أن منظمات محلية تعمل في مجال الإغاثة والخدمات أفادت بأن أكثر من نصف هؤلاء غادروا مجددًا خلال الأسابيع الأخيرة بسبب تفشي الأمراض وانعدام الأمن وغياب الخدمات الأساسية.
وأكد رئيس بعثة المنظمة في السودان محمد رفعت، أن "معظم العائدين يعودون إلى أماكن تفتقر إلى الخدمات وأساسيات ومقومات الحياة"، محذرًا من تفاقم الأزمة الإنسانية في العاصمة التي تعاني من انهيار شبه كامل للبنية التحتية، وانقطاع المياه والكهرباء، وتوقف المرافق الصحية عن العمل.
ويعيش مئات الآلاف ممن بقوا في الخرطوم أو عادوا إليها ظروفًا قاسية، إذ تتزايد معدلات الجريمة والنهب المسلح في الأحياء السكنية، فيما تواصل أسعار الغذاء والوقود الارتفاع وسط غياب شبه تام للسلطات المحلية، ما يجعل العودة إلى العاصمة مغامرة محفوفة بالمخاطر لكثير من الأسر السودانية التي تبحث عن الأمان والاستقرار.
قال المحلل السياسي السوداني الدكتور محمد عبد الله: إن موجة النزوح الجديدة من العاصمة الخرطوم، بعد عودة مئات الآلاف خلال الأشهر الماضية، تمثل دليلاً واضحًا على فشل الأطراف المتحاربة في إدارة الأزمة الإنسانية والأمنية، وعدم قدرتها على توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة للسكان.
وأوضح عبد الله -في تصريح لـ"للعرب مباشر"-، أن "الخرطوم اليوم أصبحت مدينة منكوبة بكل المقاييس، فلا خدمات ولا أمن، والمواطن يدفع وحده ثمن الصراع المستمر منذ أكثر من عام ونصف"، مشيرًا إلى أن عودة النزوح الجماعي تؤكد أن الأوضاع المعيشية بلغت مرحلة الانهيار الكامل.
وأضاف: أن تزايد وقائع النهب المسلح والقتل وانتشار الأمراض جعل من الصعب على العائدين الاستمرار في المدينة، خصوصًا بعد انعدام الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والرعاية الصحية، محذرًا من "كارثة إنسانية وشيكة" إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار.
وأكد المحلل السوداني، أن الحل الوحيد لوقف دوامة النزوح هو "تحقيق الأمن أولاً، ثم إطلاق عملية سياسية حقيقية تضع معاناة المواطنين في صدارة الأولويات"، داعيًا المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لدعم جهود الإغاثة وإعادة الاستقرار إلى العاصمة التي تحولت إلى مسرح مفتوح للفوضى والعنف.