رغم اقتراب فتح معبر رفح.. منظمات الإغاثة تصطدم بدمار شامل في شمال غزة
رغم اقتراب فتح معبر رفح.. منظمات الإغاثة تصطدم بدمار شامل في شمال غزة

رغم التوقعات بفتح معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة في وقت لاحق اليوم الخميس، تشير منظمات الإغاثة الدولية إلى أن إيصال المساعدات الإنسانية إلى مدينة غزة ومحيطها في الشمال، وهي المناطق الأكثر تضرراً بالجوع والدمار، ما زال يواجه عقبات ضخمة تجعل من الصعب الوصول إلى مئات آلاف المحتاجين، وفقًا لما نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية.
طرق مدمرة وشمال مغلق أمام الإغاثة
تقول تقارير ميدانية: إن الطرق الحيوية المؤدية إلى شمال القطاع باتت شبه غير صالحة للاستخدام بسبب حجم الدمار الهائل، فيما تسيطر القوات الإسرائيلية على أجزاء واسعة منها.
وحتى في حال تمكنت الشاحنات من الوصول، فإن أي عطل بسيط قد يؤدي إلى نهب حمولتها على الفور، نتيجة الانهيار الأمني الواسع في المنطقة.
المعبر الشمالي الرئيسي في منطقة زكيم، الذي يُعد نقطة الدخول الأساسية نحو شمال القطاع، مغلق منذ عدة أسابيع، بينما أكد مسؤولون إسرائيليون لمنظمات الإغاثة أنه لا توجد خطط فورية لإعادة فتحه.
آثار الحرب وواقع إنساني قاسٍ
مدينة غزة التي كانت هدفًا لهجوم إسرائيلي واسع في أغسطس الماضي، ما تزال تعاني من آثار الدمار رغم اتفاق وقف إطلاق النار الموقع قبل أسبوع فقط.
وقالت كايتي كروسبي، مديرة السياسات في منظمة ميرسي كوربس: إن فتح أي معبر يُعد خطوة إيجابية، لكنها شددت على أن الأهم هو ضمان الوصول الفعلي إلى المدنيين في أماكن تواجدهم، مضيفة أن غياب الوصول الكامل يعني بقاء الوضع الإنساني على حاله أو حتى تدهوره.
الدمار في شمال القطاع وصل إلى مستويات غير مسبوقة، إذ تحولت مدن مثل بيت لاهيا وبيت حانون إلى أنقاض، وتهدمت أحياء واسعة من مدينة غزة وضواحيها.
آلاف المدنيين بين الركام دون مأوى
شهود عيان أكدوا أن نحو 300 ألف شخص عادوا إلى شمال القطاع بعد أن كانوا قد نزحوا إلى الجنوب خلال الهجوم الإسرائيلي، لكن معظمهم يعيشون الآن بين أنقاض منازلهم المهدمة، من دون مأوى أو غذاء أو مياه كافية.
وقالت تيس إنغرام، المتحدثة باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف): إن حجم الدمار في شمال غزة "صادم للغاية"، مضيفة أن العطش واليأس يسيطران على السكان في ظل ندرة المياه وانعدام البنية التحتية، مؤكدة الحاجة الماسة إلى فتح جميع المعابر الإنسانية.
احتياجات ضخمة وأمل هشّ بالتحسن
من جهته، قال أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية في غزة: إن الأوضاع في المدينة التي كانت يومًا المركز التجاري والثقافي للقطاع "كارثية بكل المقاييس"، مضيفًا أن هناك تفاؤلاً محدودًا لدى السكان بحدوث تحسن قريب، لكنه أشار إلى أن المعابر لم تشهد حتى الآن أي تغييرات ملموسة.
وأوضح، أن كمية المساعدات التي تصل ما تزال محدودة للغاية، وأن حجم الدمار لا يمكن تصوره، حيث الشوارع مليئة بالأنقاض، ولا تكاد توجد منازل صالحة للسكن، بينما تنتشر القنابل غير المنفجرة في كل مكان.
دخول محدود للغاز والمواد الغذائية
في نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت وكالات الإغاثة أن كميات صغيرة من الغاز المنزلي دخلت القطاع للمرة الأولى منذ سبعة أشهر، إلى جانب شحنات من الدقيق والأرز والخضروات الطازجة؛ ما أدى إلى انخفاض مؤقت في الأسعار داخل الأسواق المحلية.
وبحسب الخطة ذات العشرين بندًا التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي يجري التفاوض حول مرحلتها الثانية بعد نجاح المرحلة الأولى، من المقرر أن تحصل غزة على "مساعدات كاملة" بمستويات مماثلة لتلك التي سُمح بها خلال الهدنة القصيرة في يناير، حين دخل نحو 600 شاحنة يوميًا.
الحياة تعود تدريجيًا إلى بعض المناطق
في مدينة دير البلح وسط القطاع، قالت نجلاء جندية (36 عاماً): إن الأوضاع شهدت بعض التحسن منذ وقف إطلاق النار، موضحة أن الأسواق أصبحت مليئة بالخضروات والفواكه، وإن كانت الأسعار ما تزال مرتفعة ولا تناسب غالبية الأسر.
وأكدت أن أكبر التحديات الآن تتمثل في الحاجة إلى خيام تقي النازحين من برد الشتاء وملابس دافئة، إذ تعاني الأسواق من نقص حاد في الألبسة، أو ارتفاع أسعارها بشكل مبالغ فيه.
كما استأنفت تسعة مخابز مدعومة من الأمم المتحدة عملها في وسط وجنوب القطاع، في وقت دخلت شاحنات جديدة عبر معبر كرم أبو سالم محملة بالمواد الغذائية والوقود وغاز الطهي، إضافة إلى معدات لإصلاح البنية التحتية الحيوية.
وقال مسؤول أمني إسرائيلي: إن إدخال المساعدات مستمر عبر كرم أبو سالم ومعابر أخرى بعد إجراء الفحص الأمني، بينما أشار تقرير للقناة الإسرائيلية الرسمية "كان" إلى أن المساعدات تشمل أغذية وأدوية ووقوداً ومعدات لإعادة الإعمار.
مخاوف من استغلال المساعدات وضعف القيمة الغذائية
رغم ذلك، حذّرت منظمات إغاثية من أن أعداد الشاحنات لا تعكس بالضرورة حجم المساعدات الفعلية، إذ إن بعضها ينقل سلعًا تجارية مثل الشوكولاتة والمشروبات الغازية، وهي مواد تفتقر إلى أي قيمة غذائية حقيقية، بينما تظل العلاجات الطبية للأطفال والمصابين بسوء التغذية نادرة للغاية.
ولا تعمل في غزة سوى سبع عيادات تغذية خارجية حاليًا، مقارنة بـ45 عيادة كانت تقدم خدماتها قبل أشهر قليلة فقط، بينما تمتلك وكالات الإغاثة مخزونات ضخمة من المساعدات العالقة على أطراف القطاع بانتظار السماح بإدخالها.
وأوضحت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) أنها جاهزة لتوزيع ما يكفي من المواد الغذائية لجميع سكان القطاع لمدة ثلاثة أشهر، لكنها تفتقر إلى الممرات الآمنة.
وأكد أحد عمال الإغاثة الذين عادوا مؤخرًا من غزة أن المنظمات تمتلك كل ما يلزم من أدوات وخبرات لتقديم الدعم، لكنها بحاجة فقط إلى ضمان الوصول الآمن.
وتنص خطة ترامب على أن تدخل المساعدات بشكل كامل إلى غزة عبر الأمم المتحدة والهلال الأحمر دون تدخل من أي طرف، سواء من جانب إسرائيل أو حركة حماس، في محاولة لتجنب تكرار الفوضى التي رافقت توزيع المساعدات في الأشهر الماضية.
ويبدو أن هذه الخطة تستبعد مؤسسة "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من إسرائيل، التي أثارت جدلاً واسعًا منذ بدء عملها في مايو الماضي بعد مقتل مئات المدنيين خلال فوضى توزيع المساعدات.
وأكدت مصادر في غزة، أن ثلاثة من مواقع المؤسسة توقفت عن العمل فعلياً، بينما يجري تفكيك موقعين آخرين.
لكن متحدثاً باسم المؤسسة نفى تلك التقارير، مشيرًا إلى أن موقعًا واحدًا فقط تم إغلاقه، وأن المنظمة ملتزمة بمهمتها لتقديم المساعدات بشكل مباشر ومستمر لأكبر عدد ممكن من العائلات في غزة مهما طال الوقت.