غارة أمريكية في بونتلاند تهزّ شبكات داعش في الصومال

غارة أمريكية في بونتلاند تهزّ شبكات داعش في الصومال

غارة أمريكية في بونتلاند تهزّ شبكات داعش في الصومال
غارة أمريكية

يشهد المشهد الصومالي هذه الأيام سلسلة من التطورات الأمنية والسياسية التي تُعيد لواجهة النقاش تساؤلات حول مدى قدرة الدولة على مواجهة التحديات المتشابكة التي تحاصرها من الداخل والخارج. فالتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها "داعش" وحركة "الشباب"، لا تزال تفرض واقعًا قلقًا، رغم الجهود العسكرية المكثفة التي تُبذل لاحتوائها، وفي الإقليم الشمالي الشرقي "بونتلاند"، حملت الساعات الأخيرة مؤشرات جديدة على تصعيد واسع، عقب غارة أمريكية استهدفت معاقل "داعش" في منطقة نائية، وأسفرت عن مقتل عدد من عناصره، لكن ملف الإرهاب لم يكن التطور الوحيد، إذ أزاحت السلطات المحلية الستار عن فضيحة تتعلق بتهريب الشباب عبر شبكات متشعبة تمتد خارج البلاد، وعلى الجانب الآخر من المحيط، يواجه أبناء الجالية الصومالية في الولايات المتحدة قلقًا عميقًا بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطوات تهدد بإلغاء الحماية القانونية المؤقتة لعدد من الصوماليين، مما ينذر بأزمة اجتماعية وإنسانية جديدة. هذا الخليط المتداخل يعكس تعقيدات اللحظة الصومالية ويطرح أسئلة أكثر مما يقدم إجابات.

ضربات استباقية


في وقت تحاول فيه الصومال إعادة بناء مؤسساتها والحد من نفوذ الجماعات المسلحة، شكّلت الغارة الأمريكية الأخيرة في إقليم بونتلاند نقطة تحوّل مهمة في سياق المواجهة المستمرة مع تنظيم "داعش"، فقد أعلنت حكومة الإقليم أن خمسـة عناصر من التنظيم لقوا مصرعهم إثر استهداف موقع يُعتقد أنه مركز تخطيط وتحرك لعناصر "داعش" في منطقة بري الجبلية، حيث تعتمد الجماعة على التضاريس الوعرة للاختباء وإعادة التموضع، ووفق مصادر محلية، فإن بين القتلى صوماليين وأجانب، ما يشير إلى تعدد شبكات التجنيد التي يعتمد عليها التنظيم في المنطقة.


وتأتي الضربة في إطار تعاون ممتد بين واشنطن ومقديشو، تُستخدم فيه الطائرات المسيّرة كأداة رئيسية لتعقب قادة التنظيمات المسلحة، خصوصًا في المناطق التي يصعب على القوات البرية الوصول إليها بسبب مخاطر التضاريس أو وجود عبوات ناسفة، وتؤكد سلطات بونتلاند أن الدعم الجوي الأمريكي ساعد خلال السنوات الماضية في إحباط تحركات واسعة للتنظيم، ومنعه من التوسع داخل معاقل جديدة.


إلى جانب الخسائر البشرية المباشرة، تشير تقارير غير مؤكدة إلى احتمال ارتفاع عدد المصابين بين عناصر التنظيم، بالنظر إلى دقة الضربة ومداها، ويرى مراقبون أن هذه العملية تندرج ضمن استراتيجية "الضربات الاستباقية" التي تعتمدها القوات الأمريكية لمنع "داعش" من إعادة تنظيم صفوفه، خصوصًا بعد رصد محاولات متكررة لتوسيع نشاطه في الشمال الشرقي للبلاد.

أزمة الهجرة


وفي موازاة المواجهة مع الإرهاب، شهد الإقليم حدثًا آخر كشف جانبًا من التحديات الداخلية التي تواجهها الصومال، وهو اعتقال مسؤول كبير في هيئة الهجرة بمدينة غاروي، فقد وُجهت إليه تهم تتعلق بتسهيل عمليات تهريب الشباب الصوماليين نحو الخارج عبر إصدار جوازات سفر بطرق غير قانونية، وتعد هذه القضية واحدة من أكثر الملفات حساسية داخل المجتمع الصومالي، إذ يغامر آلاف الشباب سنويًا بالهجرة عبر طرق غير شرعية، أملًا في الوصول إلى أوروبا أو دول عربية، رغم ما تحمله هذه الرحلة من مخاطر الاستغلال والاختطاف والموت في الصحارى والبحار.


وتزامن الاعتقال مع حملة واسعة تقودها قوات الأمن، نجحت خلالها في توقيف عشرات الشباب كانوا يستعدون للعبور عبر الحدود نحو إثيوبيا، وفي الوقت نفسه، وصلت دفعة جديدة من المهاجرين المرحلين من ليبيا، بلغ عددهم 165 شابًا وصبية، أعيدوا بالتنسيق بين المنظمة الدولية للهجرة والاتحاد الأوروبي. ويؤكد مسؤولو بونتلاند أن كل من يثبت تورطه في شبكات الاتجار بالبشر سيُقدم للمحاكمة بموجب قوانين صارمة تهدف إلى ردع هذا النشاط المتصاعد.


أما على الصعيد القضائي الداخلي، فقد أصدرت المحكمة العسكرية الصومالية أحكاماً مشددة بحق أفراد اتُهموا بالضلوع في جرائم قتل وحرق بمنطقتي وانلاوين ويعقوبريوين. وشملت الأحكام إعدامًا رميًا بالرصاص بحق 12 مدانًا، إلى جانب أحكام سجن لمدد تصل إلى خمس سنوات، بينما تمت تبرئة متهمين آخرين بسبب غياب الأدلة. وترى المحكمة أن هذه الحوادث مرتبطة بخلافات عشائرية قديمة غذّت مستوى العنف في مناطق بشبيلي السفلى، وهو ما يعكس تحديًا إضافيًا أمام جهود الدولة لفرض الأمن.

صدمة الصوماليين في أمريكا


وبعيدًا عن الداخل، واجهت الجالية الصومالية في ولاية مينيسوتا الأمريكية صدمة كبيرة إثر تصريحات الرئيس دونالد ترامب التي تحدث فيها عن إنهاء برنامج الحماية المؤقتة لبعض الصوماليين. ويعتمد آلاف الصوماليين في الولايات المتحدة على هذا البرنامج الذي أنشئ في 1990، بهدف حماية من لا يُمكن إعادتهم إلى دولهم بسبب الحروب أو الكوارث.


وقد أثارت تصريحات ترامب التي جاءت بلغة حادة على منصة "تروث سوشيال"، مخاوف واسعة من احتمال بدء عمليات ترحيل قد تُشتت أُسرًا عاشت في أمريكا لعقود، وتعهد قادة الجالية بالسعي إلى استشارات قانونية وتقديم طعون قضائية لمنع تنفيذ القرار، مشيرين إلى أن إنهاء الحماية قد يعرض المئات للعودة إلى بلد ما زال يعاني من أزمات أمنية وسياسية، وتشير تقديرات الكونغرس إلى أن 705 صوماليين فقط هم حالياً ضمن هذا البرنامج، إلا أن تأثير القرار المحتمل يتجاوز الأرقام، ليمسّ حياة عائلات ممتدة ومجتمع مترابط يعتمد بشكل كبير على الاستقرار القانوني لمواطنيه.


في ضوء هذه الأحداث، يبدو المشهد الصومالي محمّلًا بتقلبات متسارعة تجمع بين الأمن والسياسة والهجرة. وبينما تُعد الضربات الجوية رسالة واضحة إلى التنظيمات المسلحة، فإن ملفات الفساد والتهريب والصراعات العشائرية تظل عقبات مستعصية تتطلب حلولاً جذرية. أما على المستوى الدولي، فإن أي تغييرات سياسية في واشنطن قد تضيف طبقة جديدة من التحديات أمام آلاف الصوماليين الموزعين بين الوطن والشتات، الذين يجدون أنفسهم في قلب معادلة معقدة بين الأمن والهوية والمستقبل.