استمرار الخروقات الإسرائيلية.. هدنة مهددة بالانهيار تحت الركام
استمرار الخروقات الإسرائيلية.. هدنة مهددة بالانهيار تحت الركام

في لحظة خاطفة، تحوّلت رحلة عائلية عادية إلى مشهد مأساوي يفوق الوصف، بعدما أجهزت قذيفة إسرائيلية على حياة 11 فردًا من عائلة واحدة، معظمهم من النساء والأطفال، شرقي مدينة غزة، هذا الهجوم، الذي وقع في حي الزيتون، يعيد إلى الأذهان أكثر مشاهد الحرب سوداوية، رغم أن غزة كانت تعيش منذ أسبوعين على إيقاع هدنة هشّة توسطت فيها أطراف إقليمية ودولية.
لم يكن الضحايا من المقاتلين، ولا من العناصر المسلحة، بل من المدنيين العائدين إلى بيوتهم على أمل استئناف حياة ما بعد الحرب، القصف العنيف الذي استهدف مركبتهم المدنية، مساء الجمعة، يطرح أسئلة حول مدى التزام إسرائيل باتفاق وقف إطلاق النار، ويعيد تسليط الضوء على هشاشة الوضع الإنساني في القطاع، وفي ظل صمت رسمي إسرائيلي، تتعالى أصوات الغضب والاستنكار محليًا ودوليًا، فيما يبقى المدنيون — كعادتهم — الضحايا الرئيسيين للصراع المستمر.
جريمة جديدة
في تصعيد يُعدّ الأعنف منذ بدء سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، قُتلت، مساء الجمعة، عائلة فلسطينية كاملة مؤلفة من 11 فردًا، بينهم سبعة أطفال وثلاث نساء، جراء قصف إسرائيلي استهدف مركبتهم أثناء عودتهم إلى منزلهم في حي الزيتون، شرق مدينة غزة.
المأساة وقعت في وضح هدنة هشّة دخلت حيز التنفيذ قبل أسبوعين بوساطة مصرية، قطرية، وتركية، وبدعم أمريكي.
بحسب جهاز الدفاع المدني في غزة، فإن المركبة المستهدفة كانت تقل عائلة "أبو شعبان"، وقد تم تدميرها بالكامل جراء إصابتها المباشرة بقذيفة مدفعية، دون أن يُترك لأي من ركابها فرصة للنجاة.
وأوضح المتحدث باسم الدفاع المدني، محمود بصل، أن فرق الإنقاذ واجهت صعوبات بالغة في الوصول إلى مكان الحادث وانتشال الجثامين، نتيجة استمرار إطلاق النار والتحليق المكثف للطائرات المسيرة في أجواء المنطقة.
وأضاف: أن طبيعة الاستهداف ووقته، بالإضافة إلى موقعه قرب "الخط الأصفر" — وهي منطقة محظور على المدنيين دخولها بحسب التصنيفات الإسرائيلية — يثير تساؤلات حول وجود تنسيق مسبق أو معلومات مضللة أودت بحياة هؤلاء الأبرياء.
صمت إسرائيلي وقلق دولي
لم يصدر أي بيان رسمي من الجيش الإسرائيلي بشأن الحادث، رغم أن الوقائع تشير إلى أنه الأكثر دموية منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار الأخير.
يأتي ذلك في ظل توثيق مركز غزة لحقوق الإنسان ما لا يقل عن 36 خرقًا إسرائيليًا للهدنة، شملت إطلاق نار، قصف محدود، واعتقالات ميدانية.
وفيما التزمت إسرائيل الصمت، سادت حالة من الغضب الشعبي والحداد في غزة، حيث شيّعت الجماهير الضحايا في جنازة جماعية تحولت إلى تظاهرة غاضبة ضد الاحتلال واستمرار الانتهاكات. كما دعا حقوقيون ومنظمات دولية إلى فتح تحقيق عاجل في الحادث، وتوثيق الانتهاكات تمهيدًا لإحالتها إلى المحاكم الدولية.
حماس تؤكد التزامها
يتزامن هذا التصعيد مع ضغوط دولية متزايدة على الأطراف للتمسك ببنود اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وشمل بنودًا تتعلق بإطلاق سراح الأسرى، وتبادل الجثامين، وفتح ممرات إنسانية، وانسحاب القوات الإسرائيلية من داخل القطاع.
من جانبها، أعلنت حركة حماس، الجمعة، تجديد التزامها بالاتفاق، مشيرة إلى أن بعض جثامين الجنود الإسرائيليين المحتجزة لديها ما زالت تحت الأنقاض في أنفاق دمرت بفعل القصف الإسرائيلي، وأن استخراجها يتطلب معدات هندسية لا تتوفر حاليًا.
كما انتقدت حماس تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي دعا إلى تجميد المساعدات الإنسانية لغزة، معتبرة إياها محاولة "لابتزاز الشعب الفلسطيني سياسيًا عبر الضغط الاقتصادي"، بحسب بيان رسمي للحركة.
تبادل الاتهامات وسط ضبابية المشهد
في مقابل الرواية الفلسطينية، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي: إن قواته استهدفت "عناصر مسلحة" في منطقة خان يونس بعد خروجهم من نفق واقترابهم من القوات المتمركزة هناك، ما شكل تهديدًا مباشرًا وفق تعبيره.
كما أشار إلى وقوع حادثة مماثلة في رفح، حيث تم إطلاق نار تجاه الجيش من قبل مجموعة أخرى خرجت من نفق، دون وقوع إصابات.
لكن هذه التبريرات لم تشمل القصف الذي أودى بحياة عائلة أبو شعبان، ما يثير احتمالات الخطأ الاستخباراتي أو استخدام القوة المفرطة في ظروف لا تبررها المعايير الدولية.
الهدنة على المحك... والمجتمع الدولي متواطئ بالصمت
من جانبه، يرى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية، أن الهدنة الحالية بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في غزة تواجه اختبارًا حقيقيًا، مشيرًا إلى أن استمرار الخروقات من الجانب الإسرائيلي دون رادع دولي فعلي يهدد بانهيار الاتفاق في أي لحظة.
ويقول فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر": ما يجري على الأرض يعكس هشاشة التفاهمات التي رعتها قوى إقليمية ودولية، في ظل غياب آلية ملزمة لمحاسبة من يخرق بنود وقف إطلاق النار.
ويضيف أن المأساة التي شهدها حي الزيتون، والتي راح ضحيتها 11 مدنيًا من عائلة واحدة، هي مؤشر خطير على إمكانية تصعيد جديد، لا سيما إذا استمرت إسرائيل في استخدام ذرائع أمنية لتبرير عملياتها داخل القطاع.
ويرى فهمي، أن "الضغط الأميركي ما زال يُمارس بشكل غير متوازن، بينما تُستخدم الورقة الإنسانية كورقة ابتزاز سياسي".
ويحذر فهمي من أن "الفراغ السياسي الحالي، واستمرار الخطاب المتشدد من الجانبين، قد يؤديان إلى تقويض أي فرصة لسلام حقيقي أو استقرار دائم"، داعيًا المجتمع الدولي إلى التحرك الفوري لإنقاذ الهدنة وتوفير حماية جدية للمدنيين.