الألغام القاتلة.. كيف تؤثر الذخائر غير المنفجرة على سكان غزة بعد الحرب

الألغام القاتلة.. كيف تؤثر الذخائر غير المنفجرة على سكان غزة بعد الحرب

الألغام القاتلة.. كيف تؤثر الذخائر غير المنفجرة على سكان غزة بعد الحرب
حرب غزة

بعد انتهاء النزاع، يبدأ فصل جديد من المعاناة في غزة، حيث يواجه السكان تحديات جديدة تتمثل في الذخائر غير المنفجرة، حذرت منظمة "هانديكاب إنترناشونال" من أن هذه الذخائر تمثل "واحدة من أكبر المشكلات على المدى الطويل"، ما يعرّض حياة المدنيين للخطر ويعرقل جهود إعادة الإعمار.

*تحذيرات من قلب المعاناة*

خلال فعالية "هرم الأحذية"، التي تنظمها المنظمة لتسليط الضوء على الأضرار الناجمة عن الأسلحة المتفجرة، أشار نيكولاس أور، المسؤول عن مكافحة الألغام، إلى الوضع المأساوي الذي يعيشه قطاع غزة، "بعد حرب دامت عاماً، أصبحت الذخائر غير المنفجرة موجودة في كل زاوية من أصغر بلدة وأصغر مبنى". يقول أور، مضيفًا: تدإن هذه الأسلحة تعيق وصول المساعدات الإنسانية وتمنع بناء بنية تحتية صحية.

تشير التقديرات إلى أن نحو ثلثي المباني في غزة تضررت، مما يجعل من الصعب الوصول إلى المناطق المتضررة. ويعاني السكان، الذين يقدر عددهم بـ 2.4 مليون نسمة، من آثار الحرب، حيث يضطر البعض للبحث عن الأغراض وسط الأنقاض، مما يعرض حياتهم للخطر.

*وضع مدمر*

وفقاً لتحليلات الأقمار الصناعية، تعرض حوالي 60% من المباني في قطاع غزة لأضرار أو دمرت حتى منتصف سبتمبر 2024، وهو ما يعادل 169 ألف مبنى، تعود هذه الأضرار إلى التصعيد العسكري الإسرائيلي الذي بدأ بعد الهجوم غير المسبوق الذي شنته حركة حماس في 7 أكتوبر. 

يؤكد أور أن هناك عائقًا كبيرًا أمام جهود إزالة الذخائر، حيث لا يوجد مكان آمن يمكن للمدنيين اللجوء إليه أثناء تفكيك هذه الأسلحة، "الوضع خطر للغاية، وليس لديهم أي ملاذ".

*جهود إنسانية متواصلة*

في مواجهة هذه الكارثة، تعمل منظمة "هانديكاب إنترناشونال" ميدانياً، حيث تبلغ عن حالات الذخائر غير المنفجرة التي تم رصدها، وتستخدم أحيانًا طلاءً أحمر لتحذير المدنيين من خطرها.

ومع ذلك، فإن الوضع يتطلب اتخاذ تدابير خاصة، حيث يوضح أور: "يجب استخدام شيء لا يجذب الانتباه، لأن الناس يائسون لدرجة أنهم سيستخدمون أي مادة يمكنهم العثور عليها".

تستمر الآثار السلبية للأسلحة المتفجرة، حيث تعرضت نحو 75 دولة وإقليماً في 2023 لتداعياتها، مما أدى إلى تدمير بنى تحتية مدنية بشكل غير مسبوق.

في السياق ذاته، يشير تقرير للمنظمة إلى أنه تم إسقاط 45 ألف قنبلة خلال التسعة والثمانين يوما الأولى من الحرب أي نحو 505 قنبلة يوميًا.

وفي تصريح لإذاعة فرنسا الدولية قال جان بيار ديلومييه من منظمة هانديكاب إنترناشونال: إن 3 آلاف قنبلة من أصل 45 ألفًا ألقاها الجيش الإسرائيلي على غزة لم تنفجر مما يشكل خطرًا كبيرًا على المدنيين ويعكس حجم الأزمة.

*دعوة لتعزيز القوانين الدولية*

تسعى منظمة "هانديكاب" إلى تعزيز احترام القانون الدولي ومعاهدات حظر الأسلحة، بالإضافة إلى "الاتفاق الدولي الذي يحظر قصف المدن"، الذي تم التوقيع عليه من قبل أكثر من 87 دولة في نوفمبر 2022. 

ويؤكد إليوت دو فارامون، المسؤول في المنظمة، على أهمية هذه القوانين في حماية المدنيين وضمان عدم تكرار المآسي الإنسانية.

تتطلب إزالة الذخائر غير المنفجرة جهوداً ضخمة وتعاوناً دولياً، مما يستدعي دعمًا عاجلاً من المجتمع الدولي لتوفير الموارد اللازمة لإنقاذ الأرواح وإعادة بناء غزة.

*مهمة شاقة ومكلفة*

أوضح منوغو بيرش، رئيس دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام (UNMAS) في فلسطين، أن أزمة القنابل غير المنفجرة في غزة تشكل تحديًا غير مسبوق منذ آخر حرب كبرى في أوروبا.

 وقال بيرش، الذي كان يعمل في القطاع حتى السابع من أكتوبر، إن غزة لا تحتوي على حقول ألغام، لكنها تعج بكميات كبيرة من الذخائر غير المنفجرة التي قد تستغرق سنوات لإزالتها بطرق آمنة، إلى جانب تكلفة مالية تقدر بالمليارات.

وأشار بيرش، إلى أن الفريق العامل معه كان يحتاج إلى شهر كامل لإزالة قنبلة جوية عميقة واحدة بشكل آمن خلال الصراعات السابقة بين إسرائيل وحماس. موضحًا أن حوالي 10% من الذخائر لا تعمل كما صممت، مما يجعلها بقايا قابلة للانفجار، وهي نسبة تختلف حسب نوع السلاح المستخدم.

*تحديات استخراج الذخائر*

إلى جانب الوقت والتكلفة، تبرز تحديات كبيرة في كيفية استخراج هذه الذخائر بشكل آمن. 

وأوضح تقرير (UNMAS)، أن الذخائر غير المنفجرة غالبًا ما تكون مدفونة تحت أطنان من الركام، التي تقدرها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بأكثر من 23 مليون طن، مما يزيد من مخاطر انفجارها لاحقًا ويعيق عمليات إعادة الإعمار في القطاع.

تؤكد الدراسات البحثية، أن بعض هذه القنابل قد تتحرك من مواقع سقوطها إلى السطح في عملية تُعرف باسم "انجراف القنبلة" أو "drifting". 

هذا التحرك يعتمد على عدة عوامل، منها الزاوية التي سقطت بها القنبلة، ونوع التربة، ووجود عوائق صلبة أو مرنة تؤثر على مسارها.

*"القنابل الغبية".. تهديد إضافي للمدنيين*

في ديسمبر الماضي، نقلت محطة "سي إن إن" عن تقرير استخباراتي أمريكي، أن بين 40% إلى 45% من القنابل التي أسقطتها إسرائيل على غزة كانت قنابل حرة الإسقاط غير موجهة، والمعروفة أيضًا بـ"القنابل الغبية"، التي تكون أقل دقة، مما يشكل تهديدًا أكبر للمدنيين. 

وأكد متحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أن الذخائر غير الموجهة تستخدم عالميًا وتطلق بدقة في نقاط محددة، مشيرًا إلى أن الطائرات المقاتلة تُستخدم لشن غارات دقيقة باستخدام هذه الأنواع من الذخائر.

*قنابل Mark 84: خطر مستمر في غزة*

رغم أن إسرائيل لم تكشف عن نوع الذخائر المستخدمة، يرجح خبراء مثل براين كاستنر من منظمة العفو الدولية أن القنابل المستخدمة تضمنت قنابل Mark 84 غير الموجهة، التي تُلحق بأجهزة ملاحة لتوجيهها. هذه القنابل، التي تزن حوالي 900 كيلوجرام وتتكون نصفها من مواد متفجرة والنصف الآخر من الفولاذ، تشكل تحديًا كبيرًا لاستخراجها ، خاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية مثل غزة، ما يهدد المدنيين على بعد مئات الأمتار.

حذر كاستنر من خطورة بقاء هذه القنابل غير المنفجرة لفترات طويلة دون إزالتها، مشيرًا إلى أن قدرات صمامات الأمان تتراجع بمرور الوقت، ما يزيد من احتمال انفجارها بشكل غير متوقع، مما يشكل تهديدًا مستمرًا لسكان غزة ويعوق الجهود الدولية لإعادة البناء وتحقيق الاستقرار في المنطقة.