غضب دبلوماسي يتصاعد.. هولندا تواجه إسرائيل بعقوبات سياسية وتحذيرات أوروبية

غضب دبلوماسي يتصاعد.. هولندا تواجه إسرائيل بعقوبات سياسية وتحذيرات أوروبية

غضب دبلوماسي يتصاعد.. هولندا تواجه إسرائيل بعقوبات سياسية وتحذيرات أوروبية
هولندا

في تصعيد دبلوماسي لافت يعكس تبدّل المزاج الأوروبي تجاه سياسات تل أبيب في غزة، دخلت هولندا رسميًا على خط المواجهة مع الحكومة الإسرائيلية، لم تكتف أمستردام هذه المرة بإصدار بيانات شجب، بل اتخذت إجراءات مباشرة وغير مسبوقة ضد اثنين من أبرز رموز التطرف داخل حكومة بنيامين نتنياهو، مطالبة بفتح تحقيقات وتلويح بفرض عقوبات اقتصادية في حال استمرار الانتهاكات، وبينما يتهاوى الوضع الإنساني في القطاع تحت وطأة الحصار والمجاعة، يتعاظم صوت العواصم الغربية التي باتت ترى في الدعم غير المشروط لإسرائيل تهديدًا لقيمها ومصداقيتها الدولية، فهل يمثل التحرك الهولندي بداية تحول أوروبي أكثر جرأة، أم أنه مجرد خطوة رمزية في بحر من الصمت المتواطئ، وبينما تحصي غزة ضحاياها، تتجه الأنظار إلى الاتحاد الأوروبي، الذي يقف اليوم أمام اختبار سياسي وأخلاقي حاسم إزاء شريكه المتهم بجرائم حرب.

*أوضاع غير مقبولة*


في تحول لافت في السياسة الأوروبية إزاء التصعيد الإسرائيلي في غزة، أعلنت الحكومة الهولندية مساء الإثنين سلسلة إجراءات وصفت بأنها "الأقسى منذ بدء الحرب"، تعبيرًا عن رفضها لما وصفته بـ"الوضع غير المقبول وغير القابل للتبرير" في القطاع.

وكان أبرز تلك الإجراءات استدعاء السفير الإسرائيلي لدى لاهاي، في خطوة دبلوماسية تحمل دلالات سياسية ورسائل ضغط واضحة، إضافة إلى فرض حظر رسمي على دخول وزيرين من الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، هما إيتمار بن غفير (وزير الأمن القومي) وبتسلئيل سموتريتش (وزير المالية)، بسبب تصريحاتهم التي اعتُبرت تحريضًا مباشرًا على العنف وترويجًا لفكرة "التطهير العرقي" في غزة، بحسب البيان الهولندي.

الخطوة الهولندية تأتي في سياق تصاعدي من المواقف الأوروبية التي بدأت تتجاوز حدود البيانات الرمزية، فقد سبقتها إلى ذلك كل من بريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا والنرويج، التي اتخذت في الأسابيع الماضية قرارات مشابهة بمنع دخول شخصيات إسرائيلية متهمة بالتحريض أو المشاركة في انتهاكات ضد الفلسطينيين.

*عقوبات أوروبية*


وقالت الحكومة الهولندية - في بيانها- إنها تؤيد خفض مستوى مشاركة إسرائيل في البرنامج الأوروبي الرئيسي للبحوث والابتكار، Horizon Europe، مشيرة أن استمرار الانتهاكات في غزة، وعرقلة إدخال المساعدات الإنسانية، قد يفتح الباب أمام إجراءات عقابية أشد، منها فرض قيود تجارية عبر الاتحاد الأوروبي.

ووفقًا للمصادر الدبلوماسية، تضغط لاهاي داخل أروقة الاتحاد من أجل تفعيل آلية مراقبة اتفاق الشراكة مع إسرائيل، والذي ينص على التزام الطرفين بحقوق الإنسان كمبدأ أساسي في العلاقات الثنائية.

*تغير في اللهجة الأمريكية*


على الجانب الآخر من الأطلسي، جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمثابة نغمة مغايرة للمعتاد، إذ عبّر بشكل واضح عن قلقه من المجاعة المتفاقمة في غزة، قائلاً: "نأمل أن تصل المساعدات إلى من يحتاجونها.. الوضع الإنساني في القطاع لم يعد قابلًا للإنكار".

ورغم أن تصريحاته لم تتضمن تهديدًا مباشرًا لإسرائيل، فإن اللهجة الواضحة بشأن مسؤوليتها تشكل تغيرًا ملحوظًا في الخطاب الأمريكي، الذي اعتاد في السابق تحميل حركة حماس وحدها المسؤولية الكاملة.

يُنظر إلى التصعيد الهولندي كمؤشر على ازدياد الضغط الشعبي في أوروبا على حكوماتها، خصوصًا في ظل تزايد التغطية الإعلامية للانتهاكات في غزة، وتواتر التقارير الحقوقية التي تتحدث عن تجويع ممنهج، وتهجير قسري، واستخدام مفرط للقوة.

ويرى مراقبون، أن تلك الضغوط قد تُجبر الاتحاد الأوروبي على إعادة النظر في علاقاته الاستراتيجية والاقتصادية مع تل أبيب.

*خطورة الخطاب اليميني*


من جهته، قال د. طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية: إن الخطوة الهولندية "ليست مجرد رد فعل على تصرفات بن غفير أو سموتريتش، بل رسالة ضمنية إلى الحكومة الإسرائيلية كلها بأن أوروبا لم تعد مستعدة لتجاهل التطرّف داخل حكومة نتنياهو".

أضاف فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر": أن الإجراء الهولندي الأخير يحمل أبعادًا دبلوماسية تتجاوز البعد الرمزي، ويشكّل من وجهة نظري رسالة سياسية واضحة المعالم موجهة ليس فقط للحكومة الإسرائيلية، بل أيضًا للاتحاد الأوروبي بأكمله، مشيرًا أن هذه الخطوة تؤشر إلى بداية تبلور موقف أوروبي أكثر استقلالًا عن الخط الأمريكي التقليدي في دعم إسرائيل دون شروط، خاصة في ظل تصاعد الانتقادات الداخلية للحكومات الأوروبية بشأن صمتها أو تواطئها مع ما يُوصف بجرائم الحرب في غزة.

استهداف شخصيات بعينها، مثل بن غفير وسموتريتش، يعكس إدراكًا أوروبيًا متناميًا لخطورة الخطاب اليميني الإسرائيلي، الذي لم يعد يُنظر إليه كخلاف داخلي، بل كعامل مؤثر في زعزعة الاستقرار الإقليمي وانتهاك القانون الدولي.