انسحاب أردوغان من اتفاقية إسطنبول يشعل الغضب الشعبي.. ماذا يحدث في تركيا؟
انسحبت تركيا من اتفاقية إسطنبول
خرجت تركيا رسميا من اتفاقية إسطنبول لمناهضة العنف ضد المرأة في مطلع شهر يوليو الجاري، وذلك تطبيقا لقرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أعلنه في مارس الماضي.
ويأتي الانسحاب التركي من الاتفاقية في خضم استعدادات ودعوات واسعة للتظاهر في جميع أنحاء البلاد ينظمها الناشطون الحقوقيون المناهضون للانسحاب.
وتزعم الحكومة التركية أن هذه الاتفاقية تقوض الروابط الأسرية، فيما يستعد الآلاف للاحتجاج في جميع أنحاء تركيا بعدما انسحبت أنقرة رسميا من "اتفاقية إسطنبول" الدولية لمنع العنف ضد المرأة لتطبق قراراً أثار إدانة كثيرين من الأتراك والحلفاء الغربيين عندما أعلنه الرئيس رجب طيب أردوغان في مارس الماضي.
وكانت المحكمة الإدارية قد رفضت طعنا قضائيا لوقف الانسحاب الأسبوع الماضي.
من جانبها، قالت جنان جولو، رئيسة اتحاد الجمعيات النسائية التركية: "سنواصل كفاحنا... تركيا تضر نفسها بهذا القرار".
وأضافت جولو: أن النساء والفئات الضعيفة الأخرى منذ مارس أكثر ترددا في طلب المساعدة، وأقل احتمالا لتلقيها، معللة الموقف بتداعيات جائحة فيروس كورونا، ما أدى إلى تفاقم المصاعب الاقتصادية مما تسبب في زيادة كبيرة في العنف.
تداعيات
وكانت اتفاقية إسطنبول، التي تم التفاوض عليها في أكبر مدينة في تركيا وجرى التوقيع عليها في عام 2011، ألزمت الموقعين عليها بمنع العنف الأسري ومحاكمة مرتكبيه وتعزيز المساواة، الأمر الذي جعل انسحاب أنقرة يثير إدانة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ويرى المتابعون للشأن التركي أن ذلك الانسحاب يجعل تركيا أكثر ابتعادا عن التكتل الأوروبي الذي تقدمت بطلب للانضمام إليه في عام 1987.
تزايد قتل النساء
وتشير إحصائيات السنوات الأخيرة إلى ارتفاع معدل قتل النساء في تركيا، حيث سجلت مجموعة مراقبة حالة واحدة يوميا في السنوات الخمس الماضية، مع تكريس الحكم في يد حزب العدالة والتنمية الإخواني.
وزعم مكتب أردوغان، في بيان للمحكمة الإدارية، أن "انسحاب بلادنا من الاتفاقية لن يؤدي إلى أي تقصير قانوني أو عملي في منع العنف ضد المرأة".
قلق حقوقي
ونوهت مفوضة مجلس أوروبا لحقوق الإنسان، دونجا مياتوفيتش، أن اتفاقية إسطنبول معنية بوقف العنف ضد النساء، وقالت: "تعزز جميع الإجراءات التي نصت عليها اتفاقية إسطنبول الأسس والروابط الأسرية من خلال منع ومكافحة السبب الرئيسي لتدمير الأسر، ألا وهو العنف".
تجاهل الشرطة
وفي تقرير لها، حذرت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية من أن النساء في تركيا يخشين من القتل في ظل عدم اهتمام الشرطة بما يتعرضن له من تهديدات واعتداءات، منوهة إلى تنامي تلك المخاوف عقب قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الانسحاب من اتفاقية حماية المرأة من العنف.
واستشهدت الصحيفة في تقرير نشرته اليوم الأحد، على موقعها الإلكتروني بقصة امرأة تركية مع رجل "كسر ذراعها، وطعنها في رقبتها، وأطفأ سجائر مشتعلة في جسدها. ضربها وعذبها وهدد أطفالها. بعد أشهر من العنف وسوء المعاملة، عرفت زينب أن مطاردها لن يتوقف حتى يقتلها".
وأوضحت السيدة التركية أنه "مراراً وتكراراً، أبلغت الشرطة التركية بالخطر الذي تتعرض له، ولكن لا فائدة. وفي النهاية قام هذا الرجل بخطفها، وحبسها في شقة بمدينة إسطنبول، وبعد 3 أيام نجحت في الهروب، وتلك المرة قامت الشرطة بالقبض على الجاني، إلا أنها أطلقت سراحه بعد شهرين. وعقب عامين ونصف العام، لا تزال زينب تشعر بالرعب من أنها سوف تتعرض للقتل".
وأضافت الصحيفة البريطانية: أن "السيدة التركية، وهي أم لطفلين، هي واحدة فقط من النساء الأتراك اللاتي يشتكين من إحباطهن جراء فشل الشرطة والقضاء التركي في حمايتهن من الاعتداءات التي يقوم بها الرجال ضدهن".
أرقام مفزعة
كما كشفت صنداي تايمز عن أن "هناك نساء أخريات تم قتلهن. قائلة إنه وفقاً لحملة the We Will Stop Femicides أو سنوقف قتل النساء، فإن هناك 300 امرأة تعرضن للقتل في تركيا العام الماضي، بالإضافة إلى 171 سيدة أخرى لقين حتفهن في ظروف مثيرة للشكوك".
ونوهت "صنداي تايمز" إلى أن "آلاف النساء خرجن إلى الشوارع في المدن الكبرى في أنحاء تركيا، للاحتجاج على انسحاب حكومة أردوغان من اتفاقية إسطنبول لحماية المرأة من العنف، والتظاهر من أجل إنهاء العنف ضد المرأة. وقوبلت المتظاهرات بالغاز المسيل للدموع، وقمع رجال الشرطة الذين يحملون دروع مكافحة الشغب".
انتهاك مقنن
وفي تعقيب على الانسحاب التركي من الاتفاقية، تقول المحامية الحقوقية صفاء علي، رئيس مؤسسة سيداو المعنية لمناهضة التمييز ضد المرأة، إنه أمر ليس بغريب على تركيا ورئيسها أردوغان -المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية- أن ينسحب من اتفاقية لحماية حقوق النساء من العنف، مؤكدة أن تفكير جماعات الإسلام السياسي والإخوان مبني على أن المرأة مواطن درجة تانية ويؤسس لذلك دائما، وهي من وجهة نظرهم كائن يحتاج إلى ولاية غيرها أب أو زوج أو أخ حتى لو كان أصغر منها سنا وأقل منها في العقل ورجاحة التفكير.
وفي تصريحاتها لـ"العرب مباشر"، توضح صفاء علي أن الاتفاقية والتي تلزم الدول الموقعة عليها والملزمة بها بتطبيق تشريعات من شأنها الحفاظ على المرأة وحمايتها من العنف، متسائلة: كيف يتأتى لهم ذلك وهم ينظرون للمرأة أصلا على أنها شيء مملوك وتنتقل ملكيته من شخص لآخر ولي أو وصي عليها من حقه تعديلها وضربها واستخدام كل أنواع الشدة معها في سبيل تربيتها، والدليل على ذلك تقارير العنف التي كانت تصدرها المؤسسات الحقوقية المعنية في تركيا وارتفاع حالات العنف الأسري الذي وصل للقتل في بعض الأحيان.. وهو الأمر المحزن.
وشددت رئيسة سيداو على أن انسحاب تركيا وإعلانها الرسمي بالانسحاب من شأنه ازدياد العنف الأسري ضد النساء مستقبلا، وتعريض حياتهن للخطر، وذلك في غياب قانون يحمي حياتهن ويحفظ حقوقهن.
صدمة دولية
وأضافت الدكتورة سمر عيسى، الباحثة السياسية والمتخصصة في القانون الدولي، أن قرار أردوغان بالانسحاب من اتفاقية إسطنبول للقضاء على العنف ضد المرأة، شكل صدمة للمجتمع الدولي، موضحة أنه كان بإمكانه التصديق على الاتفاقية مع إبداء بعض التحفظات على المواد التي ترفضها الدولة كما جرى العرف الدولي على ذلك.
وأشارت عيسى إلى أن الرئيس التركي أزمع أن الاتفاقية تهدف إلى حرية التوجه الجنسي وقطع الروابط الأسرية، وهو أمر متناقض طبقًا للتوجه العلماني للدولة التركية، ولاسيما أن حرية التوجه الجنسي ليست بشيء جديد على المجتمع التركي، ولكن انسحاب تركيا من هذه الاتفاقية يعني اتجاه الدولة إلى الانتقاص من حقوق المرأة التركية في وقت زادت فيه نسبة جرائم العنف التي ترتكب ضد المرأة.
بدون ضمانات تحمي المرأة
وأضافت: أنه حتى إذا أوفى أردوغان بوعده بشأن تعديل القوانين المتعلقة بالعنف وتقديم التدريب الكافي للقضاة للحد من ظاهرة العنف المنزلي، فلن يكون ذلك ملزما له بتقديم دعم وحلول على أرض الواقع للحد من العنف، ولكن من شأن الانضمام إلى المعاهدات الدولية توفير قدر من الالتزام من جانب الدولة في تنفيذ بنود المعاهدات ولاسيما فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان عامة وحقوق المرأة خاصة.
مغازلة اليمينيين
واختتمت باحثة القانون الدولي، قائلة: إنه لعل من أهم دوافع أردوغان في انسحابه من هذه الاتفاقية هي مغازلة اليمينيين والمحافظين، للحصول على دعمهم له، ولاسيما بعد فقده للكثير من شعبيته، بالإضافة إلى رغبته في أسلمة الدولة وعودة نظام الخلافة الإسلامية والقضاء على أي مظهر من مظاهر علمانية الدولة.