حماس تُعيد إحكام قبضتها على غزة وسط تعثر ترتيبات ما بعد الحرب

حماس تُعيد إحكام قبضتها على غزة وسط تعثر ترتيبات ما بعد الحرب

حماس تُعيد إحكام قبضتها على غزة وسط تعثر ترتيبات ما بعد الحرب
قطاع غزة

بينما تتواصل النقاشات الدولية بشأن مستقبل غزة بعد الحرب، تشير شهادات من داخل القطاع إلى أن حركة حماس تعمل بهدوء على إعادة إحكام السيطرة الإدارية والاقتصادية على المناطق الخاضعة لها، رغم الضغوط الدولية التي تطالبها بالتنحي عن الحكم ونزع سلاحها، وفقًا لما نشرته وكالة "رويترز" الإخبارية الدولية.

عودة للواجهة بعد وقف إطلاق النار


منذ بدء وقف إطلاق النار الشهر الماضي، أعادت حماس سريعًا بسط نفوذها على المناطق التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي، حيث نفذت عمليات ضد عشرات الفلسطينيين بدعوى التعاون مع إسرائيل أو ارتكاب جرائم مختلفة.


وتأتي هذه التحركات في ظل غياب توافق دولي على الجهة التي ستتولى إدارة القطاع بعد المرحلة الانتقالية.


وتُشير شهادات نحو 12 من سكان غزة إلى تزايد حضور حماس في تفاصيل الحياة اليومية. فبحسب عشرة منهم، بينهم ثلاثة تجار، تراقب السلطات التابعة للحركة البضائع الداخلة إلى المناطق التي تسيطر عليها، وتفرض رسومًا على بعض السلع المستوردة بشكل خاص، مثل الوقود والسجائر، كما تفرض غرامات على التجار الذين يرفعون الأسعار بشكل مبالغ فيه.

نفي حكومي واستعداد لتسليم السلطة


إسماعيل الثوابتة، رئيس المكتب الإعلامي لحكومة غزة التابعة للحركة، نفى فرض أي ضرائب جديدة، مؤكدًا أن دور السلطات يقتصر على المهام الإنسانية العاجلة، وضبط الأسعار في ظل الظروف الاقتصادية المنهكة.


كما شدد على التزام حماس بتسليم المسؤولية لهيئة تكنوقراطية جديدة، تجنبًا لحدوث فوضى في غزة، مؤكدًا أن هدف الحركة هو انتقال سلس ومنظم.

الاقتصاد بين الرقابة وارتفاع الأسعار


المشهد الاقتصادي في غزة لا يزال متقلّبًا. ويؤكد مالك أحد المراكز التجارية، حاتم أبو دلال، أن ارتفاع الأسعار يعود إلى نقص كميات البضائع الواردة إلى القطاع.


ويضيف أن ممثلي الحكومة يجرون جولات ميدانية لمراقبة البضائع وتحديد الأسعار.


أما المواطن محمد خليفة، من منطقة النصيرات، فيصف تقلب الأسعار بأنه يشبه حركة البورصة، مشيرًا إلى أن الغلاء يضغط على حياة السكان في ظل غياب الدخل وصعوبة الظروف المعيشية مع اقتراب فصل الشتاء.

الخطة الأمريكية


خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة، التي أفضت إلى وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر، تنص على إنشاء سلطة انتقالية ونشر قوة أمنية متعددة الجنسيات ونزع سلاح حماس، بالتوازي مع بدء إعادة الإعمار.


لكن تقارير رويترز الأخيرة، نقلًا عن مصادر متعددة، تؤكد أن التقسيم الفعلي للقطاع يبدو مرجحًا، مع استمرار انتشار القوات الإسرائيلية في أكثر من نصف مساحة غزة، وتعثر جهود تنفيذ عناصر الخطة.


يعيش معظم سكان غزة البالغ عددهم نحو مليوني نسمة في المناطق الخاضعة لحماس منذ سيطرتها على القطاع عام 2007 عقب إقصاء السلطة الفلسطينية وحركة فتح.

الحركة تسعى لترسيخ أنها لا يمكن تجاوزها


يرى غيث العمري، الباحث البارز في معهد واشنطن، أن خطوات حماس تهدف إلى بعث رسالة للغزيين وللقوى الدولية بأنها لا يمكن تجاوزها في أي ترتيبات مستقبلية. ويحذر من أن تأخر المجتمع الدولي في تنفيذ خطته يتيح للحركة تعميق وجودها.


ردًا على استفسارات حول التقارير التي تتحدث عن فرض الحركة لرسوم على بعض السلع، أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن هذا الواقع يعكس سببًا إضافيًا لعدم إمكانية السماح لحماس بإدارة غزة.
وتشير الوزارة إلى أن تشكيل حكومة جديدة للقطاع سيكون ممكنًا فور موافقة الأمم المتحدة على الخطة الأمريكية، مؤكدة إحراز تقدم في تشكيل القوة متعددة الجنسيات.


تسعى السلطة الفلسطينية للحصول على دور في الحكومة الجديدة، بينما ترفض إسرائيل ذلك، وتستمر الخلافات بين حركتي فتح وحماس حول آلية تشكيل الكيان الحاكم المقبل.


وفي هذا السياق، يرى منذر الحايك، المتحدث باسم فتح في غزة، أن ممارسات حماس تمثل دليلًا واضحًا على رغبتها في الاستمرار في الحكم.

مراقبة مشددة وحضور إداري واسع


أحد كبار مستوردي المواد الغذائية في غزة يؤكد أن حماس لم تعد لتطبيق منظومة الضرائب الكاملة، لكنها تراقب كل ما يدخل إلى القطاع، مع انتشار نقاط التفتيش على الطرق والتدقيق في حمولة الشاحنات.


ويضيف أن فرض الغرامات على التلاعب بالأسعار ساهم في خفض بعضها، إلا أن الغلاء العام ما زال أعلى بكثير من مستويات ما قبل الحرب.


قبل الحرب، كانت حكومة غزة التابعة لحماس تشغل نحو 50 ألف موظف، بينهم عناصر شرطة. ويقول الثوابتة إن آلافًا منهم قُتلوا خلال الحرب، وإن من تبقى مستعد لمواصلة العمل تحت أي إدارة جديدة.


وتشير مصادر اقتصادية ودبلوماسية إلى أن الحركة واصلت دفع الرواتب خلال الحرب، مع توحيدها للعلاوات وتثبيت الرواتب عند مستوى 1500 شيكل شهريًا، بالاعتماد على احتياطيات من الأموال المخزنة مسبقًا.

كما أفادت مصادر مقربة من حماس بأن الحركة قامت باستبدال أربعة محافظين إقليميين قُتلوا خلال الحرب، إلى جانب أحد عشر عضوًا من مكتبها السياسي في غزة.


يرى الناشط والمحلل الغزاوي مصطفى إبراهيم أن الحركة تستغل تأخر تنفيذ الخطة الأمريكية لتعزيز سلطتها، متوقعًا استمرار هذا النهج ما لم يتم تشكيل حكومة بديلة بشكل فعلي.