حزب الله بين الوداع والتحدي.. جنازة نصر الله تتحول إلى استعراض قوة
حزب الله بين الوداع والتحدي.. جنازة نصر الله تتحول إلى استعراض قوة

يستعد حزب الله، المدعوم من إيران، لتنظيم استعراض كبير للقوة عبر جنازة ضخمة لقائده الراحل حسن نصر الله، في محاولة لإعادة ترميم صورته المهزوزة في لبنان بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل.
جنازة نصر الله
وأكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن الجنازة حضرها عشرات الآلاف من اللبنانية ومسؤولين كبار من الحكومة الإيرانية، فيما حلقت الطائرات الحربية الإسرائيلية فوق رؤوس المشيعين، وقد أقيمت الجنازة في أكبر ملاعب العاصمة بيروت، الواقع في الضاحية الجنوبية، والذي تم تزيينه بصور عملاقة لنصر الله وشعارات تؤكد الاستمرار في "المقاومة" التي قادها ضد إسرائيل.
وبعد المراسم في الملعب، يتم دفن نصر الله في موقع خاص قريب، حيث سيقام له ضريح مقدس، وفقاً لمسؤولي حزب الله.
وأكد حسين الحاج حسن، النائب في البرلمان اللبناني والعضو البارز في حزب الله، خلال مراسم أقيمت في الضاحية الجنوبية، أن هذه الجنازة ليست مجرد يوم حداد أو وداع، بل "يوم وفاء وتجديد للعهد مع القائد الشهيد".
وشدد على أن الجنازة ستكون رسالة واضحة للحلفاء كما للأعداء، مفادها أن حزب الله لم ولن يضعف أو يتراجع.
اغتيال نصر الله
تأتي الجنازة بعد خمسة أشهر من مقتل نصر الله في 27 سبتمبر، عندما شنت إسرائيل غارة جوية مكثفة استهدفت مخبأه جنوب بيروت، مستخدمة أكثر من 80 قنبلة خلال دقائق معدودة.
شكّل اغتيال نصر الله ضربة قاسية لحزب الله، حيث كان يتمتع بمكانة شبه أسطورية بين الشيعة في لبنان، كما كان موته أحد المحطات البارزة في المواجهة المستمرة بين إيران وحلفائها من جهة وإسرائيل من جهة أخرى.
لكن حزب الله خرج من هذه المواجهة في وضع ضعيف، إذ تعرض لضربات موجعة من قبل القوات الإسرائيلية؛ ما أدى إلى تراجع قبضته الحديدية على السياسة اللبنانية، فقد حمّله الكثير من اللبنانيين مسؤولية جرّ البلاد إلى واحدة من أكثر الحروب دمارًا في تاريخها الحديث.
وفي نوفمبر الماضي، توصل حزب الله وإسرائيل إلى اتفاق هدنة أجبر الحزب على الانسحاب من جنوب لبنان والتخلي عن معاقله الرئيسية على الحدود مع إسرائيل.
ورغم أن إسرائيل وافقت على الانسحاب من الأراضي اللبنانية كجزء من الاتفاق، فإن قواتها ما زالت متمركزة في أجزاء من الجنوب اللبناني، ما أدى إلى تصاعد التوترات مجدداً.
منعطف حاسم
على مدار العقود الماضية، تمكن حزب الله من ترسيخ نفسه كأقوى قوة سياسية وعسكرية في البلاد. لكن اليوم، بات الحزب مجرد ظل لما كان عليه سابقاً، مما يفتح الباب أمام خصومه السياسيين لاستعادة السيطرة.
ولأول مرة منذ عشرين عامًا، بدأت المعارضة داخل لبنان تكتسب زخماً لاستعادة السلطة من حزب الله. فقد تعهد الرئيس اللبناني الجديد، ميشال عون، بنزع سلاح الحزب وإعادة احتكار الدولة للقوة العسكرية، في خطوة تُعتبر غير مسبوقة.
وفي الأسبوع الماضي، تبنّت الحكومة اللبنانية الجديدة بياناً سياسياً يوجه ضربة مباشرة لحزب الله، مؤكداً أن الدولة وحدها تملك الحق في الدفاع عن أراضي لبنان، وقد كان لافتاً أن هذا البيان، للمرة الأولى منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، لم يتضمن الإشارة إلى "حق الشعب اللبناني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي"، وهو الشعار الذي استخدمه حزب الله طويلاً لتبرير وجوده المسلح.
وفي ظل هذه المتغيرات، تحاول قيادة حزب الله استغلال جنازة نصر الله كفرصة لإعادة تأكيد نفوذها السياسي والشعبي. ومع توقع تدفق عشرات الآلاف من أنصاره إلى الشوارع لإظهار الولاء، يسعى الحزب إلى إرسال رسالة مفادها أنه ما يزال قوة فاعلة رغم الخسائر الفادحة التي تكبدها.
وفي هذا السياق، يرى الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، مهند حاج علي، أن "الجنازة ستكون بمثابة منصة انطلاق جديدة لحزب الله، إذ يحاول إعادة تقديم نفسه مستغلاً مقتل نصر الله كأداة تعبئة لاستعادة زخم شعبي فقده خلال الحرب".