حزب الله يعيد بناء قوته.. وإسرائيل تتهيأ لجولة ثانية من المواجهة
حزب الله يعيد بناء قوته.. وإسرائيل تتهيأ لجولة ثانية من المواجهة
بين نيران لم تنطفئ في غزة وهدوء هشّ على الجبهة الشمالية، تتأرجح المنطقة على حافة مواجهة جديدة قد تُعيد إشعال حرب مدمرة بين إسرائيل و"حزب الله"، فبعد عام من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة أميركية وفرنسية، تبدو الهدنة أشبه بمرحلة استراحة لا أكثر.
صحيفة هآرتس العبرية حذّرت من أن الاتفاق "يحتضر"، بينما تشير تحركات الطرفين إلى سباق تسلح واستعداد لمعركة مؤجلة، فإسرائيل، التي اغتالت كبار قادة الحزب بعد أيام من تنفيذ أكبر عملياتها "البيجر"، تكثّف الآن غاراتها في الجنوب اللبناني، فيما يعيد "حزب الله" بناء قدراته بسرية وهدوء، وبينما تحاول واشنطن احتواء التوتر، تتزايد المؤشرات على أنّ الانفجار قادم، وأنّ خطوط الليطاني لن تكون هذه المرة حدودًا للنار، بل شريانًا مفتوحًا على حرب قد تغير توازنات الشرق الأوسط برمّته.
إقرار بالهزيمة
قبل عام واحد فقط، بدا أن وساطة فرنسية–أميركية أنهت أكثر فصول المواجهة الإسرائيلية–اللبنانية دموية منذ حرب 2006، كان الاتفاق، الذي وُقع بعد 14 شهرًا من المعارك المتقطعة، يفترض أن يعيد الاستقرار إلى الحدود، لكن الوقائع الميدانية تقول العكس، فبعد مرور 12 شهرًا، يتزايد الحديث في إسرائيل عن انهيار وشيك للهدنة، بينما يرى محللون عسكريون، أن الحرب المقبلة قد تكون أقرب من أي وقت مضى، وفقًا لـ"هآرتس".
منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، تعامل "حزب الله" مع الصراع باعتباره فرصة لاستنزاف إسرائيل من الشمال، فالهجمات شبه اليومية، سواء بالصواريخ أو الطائرات المسيرة، دفعت تل أبيب إلى توزيع قواتها على جبهتين وأجلت الحسم ضد "حماس".
لكنّ موازين القوة تغيرت في خريف 2024، حين شنّت إسرائيل "عملية البيجر" التي استهدفت فيها قادة الصف الأول من الحزب، بينهم مسؤولون في وحدات الصواريخ والمسيّرات، ورغم أن "حزب الله" ردّ بهجمات نوعية، أبرزها استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية على بُعد 80 كيلومترًا من الحدود ومسيرة أخرى أصابت منزل عائلة نتنياهو، إلا أن خسائره البشرية والتنظيمية كانت باهظة.
خطة سرية لإعادة البناء
وفي نوفمبر من العام ذاته، اضطر الحزب إلى توقيع اتفاق وقف إطلاق نار منفصل عن جبهة غزة، خطوة فسرت في إسرائيل على أنها "إقرار بالهزيمة"، لكن تقديرات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قدمت قراءة أكثر حذرًا، فالحزب رغم جراحه، لن يكتفي بالدفاع، بل سيعمل على استعادة قدراته وتعويض خسائره في إطار خطة إعادة بناء سرية تمتد على مدار العام.
ومنذ ذلك الحين، تسود الحدود اللبنانية–الإسرائيلية حالة "اللاحرب واللاسلم"، فتل أبيب تواصل استهداف مواقع يعتقد أنها تستخدم كمراكز تدريب أو مخازن أسلحة، بينما ينشغل "حزب الله" بإعادة تأهيل شبكات التهريب والتجنيد وتطوير منظومات اتصاله الداخلية بعد أن اخترقتها الاستخبارات الإسرائيلية العام الماضي.
مصادر أمنية غربية أكدت، أن الحزب ركز جهوده على تطوير المسيرات منخفضة التكلفة، القادرة على تجاوز الدفاعات الجوية الإسرائيلية والوصول إلى العمق.
لكن رغم هذا النشاط، تجمع التقارير على أن "حزب الله" اليوم أضعف عسكريًا مما كان عليه قبل الحرب، وأن بنيته التنظيمية تعاني من استنزاف واضح، ومع ذلك، فإن هذا الضعف لا يقلل من خطورة المرحلة، بل يزيدها، فالتاريخ في المنطقة يثبت أن التنظيمات التي تشعر بالتهديد الوجودي تميل إلى التصعيد لا إلى التراجع.
حرب تنتظر شرارة
أما على الجانب الإسرائيلي، فالمشهد لا يقل تعقيدًا، فالمؤسسة العسكرية، التي خاضت حربين في آن واحد على جبهتي غزة ولبنان، تواجه ضغوطًا داخلية هائلة لاستعادة "هيبة الردع"، وفي الوقت ذاته، يواجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو انقسامات سياسية داخلية وحملة معارضة تتهمه بإدارة حرب مفتوحة بلا أفق سياسي، بحسب هآرتس.
الاتفاق الذي رعته واشنطن وباريس نص على أن تتولى الدولة اللبنانية، بدعم عربي، مهمة نزع سلاح الحزب وإبعاده شمال الليطاني، إلا أن هذا البند ظل حبرًا على ورق، إذ لا تملك بيروت الإرادة ولا القدرة على فرض هذا الشرط، فالجيش اللبناني يعاني من ضعف مالي وتسليحي، فيما يبقى "حزب الله" القوة العسكرية الأكثر تنظيماً وتأثيرًا في البلاد.
السيناريوهات وفقًا للصحيفة الإسرائيلية، التي تناقشها الأوساط الدبلوماسية حاليًا لا تبعث على التفاؤل، فكلما ازدادت الغارات الإسرائيلية على الجنوب، تضيق مساحة المناورة السياسية أمام الحزب، وتحذر تقارير غربية من أن أي استهداف جديد لقياداته قد يكون الشرارة التي تُعيد فتح الجبهة الشمالية على مصراعيهامن جانبها، تعمل إدارة ترامب، مدعومة بحكومات عربية أبرزها مصر والإمارات، على محاولة "إعادة تثبيت الهدنة"، لكنّ دبلوماسيًا أوروبيًا نقلته هآرتس قال: "ما لم يحدث تغيّر جذري في ميزان القوى داخل لبنان، فإن كل الوساطات محكوم عليها بالفشل". فحرب غزة، التي تقترب من خواتيمها، قد تفتح الباب لحربٍ جديدة لبنان، حيث النار التي لم تنطفئ بعد تنتظر فقط نسمة ريحٍ لتشتعل من جديد.

العرب مباشر
الكلمات