ساعات على وقف النار في غزة.. خطوات نحو السلام أم هدنة مؤقتة؟
ساعات على وقف النار في غزة.. خطوات نحو السلام أم هدنة مؤقتة؟

بين ضجيج القصف وصدى المعاناة، تلوح في الأفق فرصة نادرة لإحياء السلام في غزة، جهود دبلوماسية مكثفة تدور خلف الأبواب المغلقة، وسط تصريحات متفائلة تشير إلى قرب التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
هذه الاتفاقية، المتوقع أن تنفذ على مراحل مدروسة، تحمل وعودًا بإطلاق سراح مئات الأسرى من الجانبين، وتخفيف قبضة الاحتلال عن القطاع المنكوب.
ومع ذلك، فإن هذه المبادرة ليست مجرد وقف للدمار، بل هي اختبار حقيقي لمدى جدية الأطراف في تحويل هذا الاتفاق إلى نقطة انطلاق نحو سلام مستدام.
في هذا التقرير، نستعرض ملامح الاتفاق ومراحله الثلاث، إلى جانب تحديات التنفيذ وخطط ما بعد الحرب التي قد تشكل مستقبلاً جديدًا لغزة.
*ملامح الاتفاق الأولية*
تعد المرحلة الأولى من الاتفاق المرتقب نقطة انطلاق حيوية قد تعيد ترتيب المشهد في غزة. هذه المرحلة تمتد على مدار 42 يومًا وتتضمن خطوات إنسانية وأمنية، أبرزها إطلاق سراح 33 أسيرًا إسرائيليًا، منهم نساء وأطفال، إلى جانب الرجال فوق سن الخمسين والجرحى، وفقًا لـ"CNN".
في المقابل، ستفرج إسرائيل عن مئات الأسرى الفلسطينيين، بمن فيهم سجناء أدينوا بقضايا مختلفة، ما يثير تساؤلات حول قائمة الأسماء والشروط.
الاتفاق يشمل أيضًا إجراءات لتخفيف الحصار عن غزة، منها السماح للمدنيين بالعودة إلى شمال القطاع، وهو تطور مهم لمئات العائلات التي شُردت جراء القصف المكثف.
ومع ذلك، ستحتفظ إسرائيل بمنطقة عازلة على طول الحدود مع غزة لضمان أمنها، ما يثير قلق الفلسطينيين بشأن حرية التنقل.
علاوة على ذلك، يتضمن الاتفاق انسحابًا جزئيًا للقوات الإسرائيلية من المناطق السكانية، في خطوة تُعتبر بمثابة اختبار لمدى التزام الأطراف بوقف التصعيد.
*الإفراج عن الجنود الإسرائيليين*
يشكل ملف الجنود الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس أحد أبرز المحاور الحساسة في الاتفاق.
تنص المرحلة الأولى على إطلاق سراح خمس جنديات إسرائيليات مقابل الإفراج عن 50 سجينة فلسطينية لكل واحدة منهن.
اللافت أن السجينات الفلسطينيات يشملن 30 مدانة بأحكام بالسجن المؤبد بتهم متعلقة بالمقاومة المسلحة.
السجناء الفلسطينيين المدانين بقتل إسرائيليين لن يُسمح لهم بالعودة إلى الضفة الغربية، بل سيجري نقلهم إلى غزة أو إلى دول أجنبية، بناءً على تفاهمات مع حكومات تلك الدول.
هذا الترتيب يهدف إلى تقليل المخاطر الأمنية، لكنه يضيف طبقة أخرى من التعقيد للمفاوضات، خاصة أن تحديد الدول المستقبِلة يتطلب تنسيقًا دوليًا وجهودًا دبلوماسية مكثفة.
*تحديات المرحلة الثانية*
رغم التقدم الذي قد تحققه المرحلة الأولى، فإن المرحلة الثانية تُعد بمثابة الاختبار الحقيقي لقدرة الأطراف على تحقيق السلام.
هذه المرحلة تهدف إلى إنهاء الحرب بشكل كامل، إلا أن وقف إطلاق النار فيها ليس مضمونًا.
تبدأ المفاوضات بشأن المرحلة الثانية بعد 16 يومًا من تنفيذ المرحلة الأولى، ويتوقع أن تركز على ترتيبات أمنية طويلة الأمد، مثل انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من غزة.
التحديات التي تواجه هذه المرحلة متعددة، أبرزها انعدام الثقة بين الطرفين، وتصاعد الضغوط الداخلية في كل من إسرائيل وغزة.
إسرائيل تواجه ضغوطًا لإظهار نتائج ملموسة لعملياتها العسكرية، فيما تسعى حماس للحفاظ على تأييد شعبي في ظل التحديات الاقتصادية والإنسانية المتفاقمة.
نجاح هذه المرحلة يعتمد بشكل كبير على دعم الأطراف الدولية، خصوصًا الولايات المتحدة وقطر، لضمان التزام الجانبين بخطوات تكرس الاستقرار وتمنع انهيار الاتفاق.
*الأسرى وعوامل الضغط*
حماس تحتجز ما يقرب من 94 أسيرًا منذ أكتوبر 2023، بينهم نساء وأطفال، بينما تحتفظ إسرائيل بما يزيد عن 10 آلاف فلسطيني، بينهم مئات المحتجزين إداريًا دون محاكمة، هذا الوضع يشكل تحديًا كبيرًا أمام المفاوضات، ويجعل مسألة التبادل معقدة وحساسة.
رؤية أمريكية لما بعد الحرب
من جانبه، كشف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، عن ملامح رؤية شاملة لإعادة بناء قطاع غزة بعد الحرب، مسلطًا الضوء على ضرورة تجنب ترك فراغ سياسي قد يعزز الفوضى، بحسب CNN.
وفقًا للخطة، سيتم تشكيل إدارة مؤقتة تتألف من فلسطينيين ينتمون إلى قطاع غزة وأعضاء من السلطة الفلسطينية، تحت إشراف دولي.
وتتولى هذه الإدارة مسؤولية الإشراف على القطاعات الحيوية، مثل البنوك والمياه والطاقة والرعاية الصحية، إلى جانب التنسيق مع إسرائيل بشأن القضايا المدنية، الهدف الأساسي هو وضع أسس متينة تُمكّن غزة من استعادة خدماتها الأساسية وتحقيق استقرار مستدام.
*بعثة أمنية ومهام دولية*
جزء من الخطة الأمريكية يتضمن إنشاء بعثة أمنية دولية مكلفة بضمان الأمن على حدود القطاع، خاصة الحدود مع إسرائيل ومصر، بهدف منع عمليات التهريب التي قد تُستغل لإعادة تسليح الفصائل المسلحة.
ستتألف البعثة من خبراء أمنيّين دوليين إلى جانب موظفين فلسطينيين، على أن تخضع للتدقيق من قبل الأمم المتحدة لضمان الشفافية والكفاءة.
بالإضافة إلى ذلك، ستعمل هذه البعثة على توفير بيئة آمنة تسهّل جهود إعادة الإعمار، بما يشمل إعادة بناء البنية التحتية المدمرة وضمان تدفق المساعدات الإنسانية بفعالية، هذا النهج يهدف إلى ضمان الانتقال السلس من مرحلة الدمار إلى مرحلة التعافي والإعمار.
*نتنياهو وتصعيد المفاوضات*
على الجانب الإسرائيلي، أكد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو خلال لقاء مع عائلات الأسرى استعداد إسرائيل لوقف إطلاق نار دائم، ولكن بشرط إعادة جميع الأسرى الإسرائيليين.
وفي سياق التصعيد الدبلوماسي، تواصل حكومة الاحتلال مشاوراتها المكثفة بشأن تفاصيل الاتفاق المرتقب وآليات تطبيقه.
كشف الإعلام الإسرائيلي، أن رئيس الموساد يجري مشاورات حساسة في العاصمة القطرية الدوحة، مع مسؤولين معنيين لتذليل العقبات، تأتي هذه التطورات وسط تضارب الأنباء حول عدد الأسرى المشمولين بالاتفاق، وطبيعة الضمانات المطلوبة من الجانبين، وفقًا لـ"وول ستريت جورنال".
*مرحلة التحديات*
من جانبه، يقول د. طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، بجامعة القاهرة: إن نجاح هذه الرؤية يعتمد بشكل أساسي على جدية الأطراف في الالتزام ببنود الاتفاق وتوفير ضمانات دولية تضمن التنفيذ الفعلي.
وأشار فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن إشراك السلطة الفلسطينية في إدارة غزة قد يعزز من فرص الاستقرار، لكنه قد يواجه تحديات كبيرة بسبب غياب الثقة بين الأطراف الفلسطينية المختلفة.
ويضيف أستاذ العلوم السياسية، أن الدور الدولي، خاصة من قبل الولايات المتحدة وقطر، سيكون حاسمًا في تحويل الاتفاق من خطة على الورق إلى واقع ملموس، ومع ذلك، يحذر من أن الفشل في تلبية التوقعات الشعبية قد يؤدي إلى تفاقم الوضع، ما يجعل المرحلة القادمة مليئة بالتحديات.