الحرب تضرب القطاع المصرفي السوداني وتهدد بانهياره
الحرب تضرب القطاع المصرفي السوداني وتهدد بانهياره
تعاني البنوك السودانية من أزمة مالية حادة جراء الحرب التي تشهدها البلاد منذ منتصف أبريل 2023، والتي أدت إلى انهيار العملة الوطنية وتفاقم الأوضاع الأمنية والاقتصادية. وتواجه البنوك خطر الانهيار بسبب تآكل موجوداتها وفقدان ثقة العملاء والمستثمرين، وسط مطالبات بإجراء إصلاحات هيكلية واسعة لإنقاذ القطاع.
النهب والتخريب يضربان البنوك
أعلن بنك السودان المركزي في بيان أن البنوك السودانية تعرضت لعمليات نهب وتخريب واسعة منذ بداية الحرب؛ مما أدى إلى إغلاق أكثر من 70 بالمئة من الفروع البنكية في البلاد، والتي تبلغ 39 بنكا حكوميا وتجاريا.
وأكد البنك أن موجودات البنوك تآكلت بنحو النصف، وتقدر بنحو 45 تريليون جنيه، نتيجة فقدان العملة الوطنية أكثر من 50 بالمئة من قيمتها خلال الفترة الأخيرة. وتعهد البنك بالعمل على تقليص الأضرار التي لحقت بالقطاع ومعالجة الانخفاض في قيمة العملة الوطنية.
الحرب تمتد إلى ولايات البلاد
لم تتحسن الأوضاع البنكية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بل شهدت تدهورا أكبر بسبب اتساع رقعة الحرب إلى ولايات وسط وغرب البلاد؛ مما أدى إلى خروج العشرات من أفرع البنوك عن الخدمة.
كما استمر التراجع الكبير في قيمة الجنيه، حيث يجري تداول الدولار الواحد حاليا بنحو 1100 جنيه، مقارنة مع 600 جنيه قبل الحرب. وأثارت هذه الأزمة مخاوف جدية حول سلامة القطاع المصرفي في البلاد، ومدى قدرته على تلبية احتياجات العملاء والمستثمرين في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها السودان.
البنوك تتخذ إجراءات احترازية
حاولت بعض البنوك اتخاذ إجراءات احترازية لمواجهة الأزمة الحالية، من بينها تخفيض أعداد كبيرة من قوتها العاملة ومنح بعضها إجازات لأكثر من 45 بالمئة من موظفيها. ولكن هذه الإجراءات لم تنل استحسان الخبراء الاقتصاديين، الذين يرون أنها لا تحل المشكلة الجذرية في القطاع، وإنما تزيد من معاناة العاملين فيه. ويشدد الخبراء على ضرورة إجراء إصلاحات هيكلية واسعة للقطاع المصرفي، تشمل القضاء على التشوهات في البنك المركزي وضبط عمليات طباعة العملة وتغيير العملة الحالية وإعادة الكتلة النقدية الهاربة إلى المظلة المصرفية والضريبية ووقف أنشطة الاقتصاد الخفي خصوصا فيما يتعلق بتجارة العملة. كما يطالبون بإجراء عمليات دمج بين البنوك الوطنية لتقليص عددها وزيادة كفاءتها المالية.
ضربة قاضية
ومن جهته، يرى الخبير الاقتصادي مدحت نافع أن الحرب الحالية هي الضربة القاضية للقطاع المصرفي الذي كان يعاني من مشاكل هيكلية جذرية منذ العقود الثلاثة الأخيرة بسبب السياسات الخاطئة والفساد الذي ساد في التسعينيات من القرن الماضي.
وقال نافع لـ"العرب مباشر": إن الحرب أدت إلى تدمير معظم البنوك التي لم تكن تملك احتياطيات كافية لدى البنك المركزي. وأضاف أن معظم الكتلة النقدية في البلاد كانت تتداول خارج النظام المصرفي والضريبي، وأن البنوك كانت تخالف معايير "بازل" الدولية التي تحدد الحد الأدنى لرؤوس الأموال التي يجب أن تحتفظ بها البنوك لمواجهة المخاطر المالية.
وأشار نافع إلى أن البنوك فاتتها الفرصة لتحسين أوضاعها خلال فترة التسعينيات بعد أن ضاعت مداخيل الدولة من النفط والذهب في أوعية الفساد؛ مما جعلها تبتعد عن تمويل القطاعات الإنتاجية والتنموية.
ولا يتفق نافع مع الإجراءات التي اتخذتها بعض البنوك بتقليص عدد موظفيها أو منحهم إجازات بدون أجر، مؤكدًا أن هذه الإجراءات لن تحل الأزمة الحالية دون معالجة الخلل الهيكلي الذي يعاني منه القطاع.
وقال: إنه يجب القضاء على التشوهات التي تعاني منها البنك المركزي وضبط عمليات طباعة العملة وتغيير العملة الحالية لإعادة الكتلة النقدية الهاربة إلى المظلة المصرفية والضريبية ووقف أنشطة الاقتصاد الخفي خصوصا فيما يتعلق بتجارة العملة.