رشاوى رايثيون.. تحقيقات أميركية في قضية فساد لشقيق تميم والجيش القطري

فتحت أميركا تحقيقات في قضية فساد لشقيق تميم والجيش القطري

رشاوى رايثيون.. تحقيقات أميركية في قضية فساد لشقيق تميم والجيش القطري
صورة أرشيفية

كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"، اليوم الثلاثاء، عن بدء التحقيقات القضائية في كاليفورنيا حول عمليات رشوة تورط فيها الجيش القطري، حسبما أفادت مصادر مطلعة.

وقالت الصحيفة الأميركية: إن الولايات المتحدة تحقق فيما إذا كانت مدفوعات رشوة قدمتها شركة تقنيات رايثيون كورب لمستشار للقوات المسلحة القطرية، لافتة إلى أنه ربما كانت هذه الرشاوى موجهة إلى أحد أفراد العائلة المالكة الحاكمة في الدوحة، حسبما أكدت المصادر المطلعة.

رشاوى في شكل رواتب

وتوضح الدعوى القضائية المرفوعة فى كاليفورنيا، أن شركة رايثيون دفعت رشوة قدرها 7 ملايين ريال قطري -ما يعادل 1.9 مليون دولار- في شكل رواتب من خلال شركة "أنظمة سولا الرقمية ـ أو Digital Soula Systems"، وهي شركة استشارات دفاعية وأمنية مقرها الدوحة، عاصمة قطر، والتي كانت مملوكة جزئياً لشقيق أمير البلاد.

وبحسب "وول ستريت جورنال"، فقد أدت الدعوى، التي رفعها مدير سابق لشركة "أنظمة سولا الرقمية ـ Digital Soula Systems" فى عام 2019، والذي أوضح أن الاتحاد القطري لألعاب القوى أخفق في دفع تكاليف العمل الذي قامت به الشركة الاستشارية في عقد شراء دفاعي، إلى طرح تساؤلات من قبل الولايات المتحدة، خصوصا لجنة الأوراق المالية والبورصات والولايات المتحدة بوزارة العدل.

وبدأت لجنة الأوراق المالية والبورصات في إجراء تحقيقات في اتهامات الرشوة التي كشفت عنها الدعوى القضائية في الأشهر التالية لرفع الدعوى، حسبما أفاد مصدر مطلع على الأمر. 


وأضاف المصدر: أن وزارة العدل الأميركية سرعان ما بدأت إجراءاتها، حيث تحركت جنبًا إلى جنب مع الوكالات المعنية بإنفاذ قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة، والذي يحظر على الشركات دفع رشاوى للموظفين العموميين الأجانب للحصول على ميزة تجارية، ويتطلب من الشركات الحفاظ على الضوابط لمنع مثل هذه الرشاوى.

تحقيقات حول رشاوى قطر

وبحسب الصحيفة، استعانت شركة رايثيون بشركة المحاماة (ويلمر كاتلر بيكرينج هيل ودور إل إل بي)، لإجراء تحقيق في الادعاءات الواردة في الدعوى القضائية، وأجرت مقابلات مع أشخاص لديهم معرفة بأنظمة "سولا الرقمية Digital Soula"، وتعاملاتها مع شركة رايثيون، وهو ما أكده العديد من الأشخاص الذين اتصلت بهم شركة المحاماة.

كما كشفت شركة رايثيون علنًا عن تحقيقات سلطات "قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة" الموازية في ملفات الأوراق المالية العام الماضي، قائلة: إن السلطات تجري تحقيقات فيما إذا كانت هناك مدفوعات غير لائقة قدمتها رايثيون أو مشروعها المشترك مع مجموعة تاليس الفرنسية في الشرق الأوسط منذ عام 2014. ولم تقدم الشركة أي شيء من التفاصيل حول المجسات.

وحسبما نقلت الصحيفة الأميركية، قال متحدث باسم شركة رايثيون، إن الشركة تحتفظ ببرنامج امتثال "صارم" لمكافحة الفساد وتتعاون مع التحقيقات الحكومية، إلا أنه امتنع المتحدث عن التعليق على محور التحقيقات بشأن الرشاوى القطرية، واكتفى بالإشارة إلى استمرار التحقيقات.

وقالت متحدثة باسم مجموعة تاليس: إن التحقيقات التي كشفت عنها شركة رايثيون تتعلق بالشركة أو مشروع مشترك تحت السيطرة الكاملة لشركة رايثيون، وإن الشركة الفرنسية لم تتلقَّ أي استفسارات من الولايات المتحدة، أو السلطات الفرنسية حول هذا الموضوع.

ورفض متحدث باسم وزارة العدل التعليق، كما لم تستجب لجنة الأوراق المالية والبورصات لطلبات التعليق، حسبما ذكرت الصحيفة. 

ووفقًا لـ"وول ستريت جورنال"، فقد تأسست شركة "أنظمة سولا الرقمية Digital Soula Systems" في عام 2013، وتم التعاقد معها لمساعدة قطر على تحديث طريقة حصولها على المنتجات الدفاعية، وفقًا للموظفين السابقين الذين تحدثوا إلى الصحيفة. وقال الموظفون السابقون: إن الدولة لديها ميزانية دفاعية كبيرة بالنسبة لحجمها كإمارة صغيرة، لكنها تفتقر إلى الخبرة المطلوبة لإدارة عمليات الشراء بكفاءة، وحتى بعض المعدات المتقدمة التي تشتريها.

6.5 مليار دولار للدفاع

وبحسب الصحيفة، أنفقت قطر، التي يقل عدد سكانها عن 3 ملايين نسمة، ما يقدر بنحو 6.5 مليار دولار على الدفاع في عام 2020، وفقًا للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، وحصلت شركة رايثيون على عقود في قطر تبلغ قيمتها أكثر من 7 مليارات دولار منذ عام 2014، بما في ذلك بناء وخدمة نظام صواريخ باتريوت المميز وغيرها من البنية التحتية للدفاع الجوي، وفقًا لإحصاء السجلات العامة للمجلة.

كما أبرمت شركة Digital Soula Systems عقدًا مع الاتحاد القطري لألعاب القوى في مارس 2015، لتقديم المشورة بشأن الاستحواذ على نظام قيادة وتحكم متقدم، وأطلق عليه اسم مشروع فالكون، وفقًا لنسخة من الاتفاقية اطلعت عليها المجلة. 

وقال الموظفون السابقون: إن موظفي الشركة، الذين تألفوا بشكل أساسي من أفراد عسكريين متقاعدين من المملكة المتحدة وألمانيا، بدؤوا في الوصول إلى الدوحة بعد فترة وجيزة في مكان آخر لبدء العمل على المواصفات الفنية للمشروع.

خلل وظيفي وصراعات

وأوضح الموظفون السابقون أن وثيقة رسمية لطلب تقديم عطاءات لمشروع فالكون اكتملت في عام 2016، لكن المشروع بحلول تلك المرحلة كان يعاني من تأخيرات كبيرة وسط الخلل الوظيفي والصراعات الداخلية داخل الاتحاد القطري لألعاب القوى. وقالوا إن شركة Digital Soula Systems استمرت في العمل حتى منتصف عام 2017، وتوقعت أن يتم التعاقد معها لمراجعة العطاءات الخاصة بمشروع فالكون، لكن القطريين سرعان ما تخلوا عن نظام القيادة والتحكم المقترح.

دعوى طارق فؤاد

وأوضحت "وول ستريت جورنال" أنه بعد انهيار المشروع، قام طارق فؤاد، وهو أميركي بريطاني مزدوج الجنسية، وأحد مديري شركة أنظمة سولا الرقمية Digital Soula Systems، برفع دعوى قضائية ضد مؤسسة قطر للأعمال، يطالب خلالها بمبلغ 4.4 مليون دولار كرسوم مستحقة لعمل الشركة الاستشارية. 

رشاوى للأسرة الحاكمة

وفي الدعوى القضائية، أكد فؤاد أيضًا أن مديريه السابقين تفاوضوا على تسوية غير مشروعة مع الاتحاد القطري لألعاب القوى من أجل تجنب الملاحقة القضائية في قطر، لتسهيل الرشوة المزعومة من قبل شركة رايثيون.

وكانت الرشاوى موجهة للشيخ جوعان بن حمد بن خليفة آل ثاني، شقيق أمير قطر، حسبما يؤكد طارق فؤاد، إلا أن قطر اعتبرت شكواه القانونية "جهدا واضحا" للتأثير على استحواذ قطر على أنظمة دفاع.

وقال متحدث باسم مكتب الاتصال الحكومي في قطر: إنه غير قادر على تقديم أي شخص يمكنه التحدث بشأن مزاعم الرشوة في دعوى طارق فؤاد أو في الادعاءات ذات الصلة بشأن الإنفاق العسكري القطري بشكل عام. 

رشاوى رايثيون إلى سولا

ويؤكد طارق فؤاد أن شركة رايثيون وجهت بين عامي 2014 و2016 سلسلة من المدفوعات إلى حسابات مصرفية مرتبطة بأنظمة سولا الرقمية Digital Soula Systems. وزعم المدير السابق للشركة أن البيانات المصرفية المتضمنة في دعواه القضائية تظهر العديد من هذه المدفوعات من شركة رايثيون في عام 2014.

وحسبما أوضح صاحب الدعوى ومدير الشركة السابق، كان من المفترض أن تكون المدفوعات بمثابة تعويض عن الدراسات الدفاعية التي ستقدمها شركة Digital Soula Systems لشركة رايثيون، لكن يبدو أن البيانات الوصفية المستخرجة من الملفات الرقمية للدراسات تظهر أن شركة رايثيون نفسها قد أنشأتها، وهو ما أثبته تقرير الطب الشرعي بناء على طلب من السيد طارق فؤاد، وهو التقرير المرفق في دعواه القضائية. 

تقرير الطب الشرعي يؤكد

وتوضح الصحيفة أنه تم إجراء تقرير الطب الشرعي بواسطة شركة "سيكيور نت ورك تكنولوجيز"، وهي شركة استشارية لأمن المعلومات مقرها في سيراكيوز، بولاية نيويورك.

بيانات مزيفة

وأشار فؤاد في بيان مكتوب ضمن دعواه القضائية، إلى أن أوامر العمل الخاصة بالدراسات كانت مزيفة، حيث لم يتم إنشاء أي من المخرجات المطلوبة في العقود بواسطة Digital Soula Systems بشكل مباشر أو غير مباشر لشركة رايثيون.

وقال في البيان: "غالبًا ما يشار إلى هذا الشكل من الرشوة على أنه عقد عدم العمل".

وأقر المحامون الذين راجعوا الوثائق وادعاءات الرشوة بأن تلك المدفوعات المزعومة فى دعوى السيد فؤاد كانت ستشكل خطرا جسيما لقانون الممارسات الأجنبية الفاسدة لشركة رايثيون. 

وأشارت "وول ستريت جورنال" كذلك، إلى أن أحد مديري شركة Digital Soula Systems كان مقدمًا في الخدمة الفعلية في الاتحاد القطري لألعاب القوى، وكانت الشركة الاستشارية مملوكة للشيخ جوعان، وفقًا لسجلات السجل التجاري التي ضمنها السيد فؤاد في دعواه القضائية. 

شركة الصدرية والشيخ جوعان

وتظهر السجلات أن الشيخ جوعان كان المالك الأكبر لشركة تدعى الصدرية، والتي تمتلك 60% من أسهم شركة سولا Digital Soula Systems.

كما تؤكد الدعوى القضائية أن شركة رايثيون كانت على علم بحصة الشيخ جوعان في شركة سولا Digital Soula Systems، ويبدو أن رسالة بريد إلكتروني أدرجها السيد فؤاد في دعواه القضائية تظهر أحد أعضاء فريق الامتثال في شركة رايثيون يطلب من السيد فؤاد في عام 2013، الحصول على معلومات حول مالكي شركة الصدرية. وذكر طارق فؤاد في رده أن الشيخ جوعان هو مالك شركة الصدرية.

وقال ريان روهلفسين، العضو السابق فى وحدة التحقيقات حول شهات الفساد الخارجية بوزارة العدل الأميركية: "حقيقة أن [Digital Soula Systems] لها علاقات وثيقة ليس فقط بالعائلة الحاكمة، ولكن أيضًا بمسؤول عسكري حالي، يُفترض أنه يتمتع بدرجة معينة من التأثير أو مطلع فيما يتعلق بمشتريات الدفاع القطري"، وهو ما كان من شأنه أن يثير قلق شركة رايثيون.

وأضاف: "هناك علامات حمراء في كل مكان من وجهة نظر مسؤولية قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة".

قطر تتجاهل اتهامات الرشوة

فيما نفى الاتحاد القطرى لألعاب القوى وشركة سولا Digital Soula Systems ادعاءات طارق فؤاد بأن الشركة الاستشارية لا تزال مدينة بالمال مقابل العمل الذي قامت به في مشروع فالكون، وقالت الشركة: إنها توصلت بالفعل إلى اتفاق بقيمة 2.4 مليون دولار لحلها، أي فواتير غير مدفوعة.

واعتبر الاتحاد القطري والشركة أن فؤاد طارق ليس لديه سلطة لرفع دعوى نيابة عن الشركة الاستشارية، وأن محاكم الولايات المتحدة ليست المكان المناسب لهذه الدعاوى القضائية، إلا أن القطريين لم يتطرقوا لتوضيح الأمر بشأن اتهامات الرشوة التي كشف عنها طارق فؤاد.

وأشار طارق فؤاد في دعواه إلى أن الانخفاض الحاد في أسعار النفط في عام 2016 دفع الحكومة القطرية للبحث عن طرق لخفض التكاليف وإطلاق مراجعة للمشروع فالكون، ما تسبب في مزيد من التأخير في المشروع.

كما أوضح موظفون سابقون فى شركة سولا أنه تم تقديم اقتراح رايثيون من قبل وزارة الدفاع القطرية، ولم يتم متابعة المشروع.