إعمار غزة دون تهجير.. هل تنجح الجهود العربية في تحقيق الاستقرار؟ خبراء يجيبون

إعمار غزة دون تهجير.. هل تنجح الجهود العربية في تحقيق الاستقرار؟ خبراء يجيبون

إعمار غزة دون تهجير.. هل تنجح الجهود العربية في تحقيق الاستقرار؟ خبراء يجيبون
حرب غزة

في خطوة غير مسبوقة تعكس التزامها التاريخي تجاه القضية الفلسطينية، تتصدر مصر جهود إعادة إعمار قطاع غزة بخطة طموحة تهدف إلى إعادة بناء البنية التحتية المدمرة وإعادة تأهيل القطاع المنكوب. 

تأتي هذه المبادرة في إطار رؤية عربية متكاملة تضع نصب أعينها توفير حياة كريمة للفلسطينيين، بعيدًا عن سيناريوهات التهجير القسري أو تصفية القضية الفلسطينية.

 وتطرح الخطة المصرية حلولًا عملية تستند إلى مراحل زمنية واضحة، تبدأ بالتعافي المبكر وتمر بإعادة الإعمار الشاملة، متضمنة مشاريع تنموية تعيد الحياة إلى غزة.

 وبينما تستعد القاهرة لاستضافة القمة العربية الطارئة، تتجه الأنظار إلى القرارات المصيرية التي قد تعيد تشكيل مستقبل القطاع، وسط تحديات سياسية وأمنية تتطلب توافقًا دوليًا لضمان التنفيذ الفعلي للخطة.

 في ظل هذا المشهد، يبقى التساؤل الأهم: هل ستتمكن مصر من تأمين الدعم العربي والدولي الكافي لإنجاح هذه الخطة الطموحة؟ 

القمة العربية تتبنى الخطة المصرية


في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة نتيجة الدمار واسع النطاق الذي خلّفته الحرب، اجتمعت الدول العربية في قمة طارئة بالقاهرة لبحث سبل إعادة إعمار القطاع وقد تبنت القمة -في مسودة بيانها الختامي- الخطة المصرية الطموحة التي تهدف إلى إعادة بناء 400 ألف وحدة سكنية، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية الأساسية والمرافق الحيوية.

تبلغ التكلفة الإجمالية للمبادرة 53 مليار دولار، موزعة على مراحل تنفيذ تمتد لخمس سنوات، ودعت القمة الدول العربية والمؤسسات المالية الدولية إلى تقديم دعم فوري لضمان نجاح المشروع، مؤكدة على ضرورة توفير التمويل من خلال آليات مشتركة تضمن سرعة التنفيذ.

كما ناقش القادة العرب سبل تأمين القطاع سياسيًا وأمنيًا لمنع تكرار سيناريوهات الدمار، مع التأكيد على أن إعادة الإعمار يجب أن تكون جزءًا من رؤية شاملة لتحقيق الاستقرار في فلسطين، وليس مجرد استجابة لحالة طارئة. 


تعافٍ مبكر لإزالة الأنقاض


تنقسم الخطة المصرية إلى مرحلتين رئيسيتين، تبدأ الأولى بعملية التعافي المبكر التي تمتد لستة أشهر وتهدف إلى إزالة الركام الناجم عن الغارات والقصف الذي دمر آلاف المباني السكنية والمنشآت الحيوية.

 ستتولى فرق هندسية متخصصة هذه العملية، مع التركيز على تأهيل الطرق الرئيسية وإعادة تشغيل شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي لضمان توفير بيئة معيشية مستقرة.

إلى جانب ذلك، سيتم إنشاء مخيمات إيواء مؤقتة، ومساكن متنقلة لتوفير حلول سريعة للنازحين الذين فقدوا منازلهم، وذلك ضمن خطة تتكلف نحو 3 مليارات دولار في هذه المرحلة الأولية.

كما تشمل هذه المرحلة تفعيل برامج دعم نفسي واجتماعي للمتضررين، خصوصًا الأطفال، نظرًا للتأثيرات العميقة التي خلفتها الحرب على السكان المدنيين. 

إعادة الإعمار على مرحلتين


بعد استكمال مرحلة التعافي المبكر، تبدأ عملية إعادة الإعمار الفعلية، التي تمتد لأكثر من أربع سنوات على مرحلتين رئيسيتين:

 المرحلة الأولى، والتي ستستغرق عامين، تستهدف بناء 200 ألف وحدة سكنية بتكلفة تقدر بـ 20 مليار دولار، مع التركيز على إعادة تأهيل المستشفيات، المدارس، والمرافق الخدمية الأساسية.

أما المرحلة الثانية، التي تمتد لعامين ونصف، فتشمل بناء 200 ألف وحدة إضافية، إلى جانب إنشاء مطار جديد يربط غزة بالعالم الخارجي؛ مما يسهم في تعزيز استقلالية القطاع الاقتصادية والسياسية.

وتهدف هذه المشاريع إلى توفير بيئة مستدامة للسكان، مع ضمان عدم تحول غزة إلى ساحة لتجدد النزاعات نتيجة الفجوات التنموية التي كانت أحد أسباب التوترات السابقة. 

ترتيبات الحكم الانتقالي: لجنة مستقلة لإدارة غزة

لضمان تنفيذ الخطة بعيدًا عن التعقيدات السياسية التي تعيق تقدم المشاريع، تنص المبادرة المصرية على تشكيل لجنة إدارة مستقلة تضم شخصيات فلسطينية تحظى بقبول داخلي ودولي، على أن تعمل هذه اللجنة تحت إشراف الحكومة الفلسطينية، وبالتنسيق مع الجهات الدولية المانحة.

ستتولى اللجنة مسؤولية إدارة العمليات اللوجستية، الإشراف على التمويل، وضمان شفافية التنفيذ، مع تحديد مدة زمنية لعملها لا تتجاوز ستة أشهر.

 كما تقترح الخطة المصرية دعم الأجهزة الأمنية الفلسطينية عبر برامج تدريب مشتركة مع الأردن، إلى جانب نشر قوات مراقبة دولية لضمان استقرار الأوضاع.

ويهدف هذا الترتيب إلى خلق بيئة سياسية وأمنية مناسبة لتنفيذ عملية الإعمار بسلاسة، بعيدًا عن التجاذبات الفصائلية التي كانت تعيق مشاريع التنمية السابقة في غزة.


موقف عربي موحّد في مواجهة الطروحات الأميركية

تأتي هذه الخطة في ظل رفض عربي واسع للتصريحات التي أطلقها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بشأن غزة، والتي تضمنت مقترحات لإعادة توطين سكان القطاع في مناطق أخرى وتحويله إلى منطقة سياحية. 

وتؤكد القمة العربية أن الحل يجب أن يكون فلسطينيًا يضمن بقاء الفلسطينيين على أرضهم، بعيداً عن أي سيناريوهات فرض الأمر الواقع. 

إلى جانب إعادة الإعمار، تتضمن الخطة ترتيبات أمنية تهدف إلى ضمان الاستقرار داخل غزة، حيث من المقرر أن تتولى مصر والأردن تدريب عناصر الشرطة الفلسطينية، تمهيدًا لنشرها في القطاع خلال المرحلة الانتقالية. 

تطرح الخطة أيضاً خيار الاستعانة بقوات حفظ سلام دولية في إطار اتفاق سياسي شامل، يهدف إلى تعزيز فرص إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، وهو ما قد يتطلب إصدار قرار من مجلس الأمن لدعم هذه الخطوة. 

تؤكد مصر، من خلال خطتها، على رفض أي محاولات لإعادة رسم الخريطة الديموغرافية للقطاع، مشددة على أن أي حل مستدام يجب أن يرتكز على حل الدولتين، بما يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. 

على الرغم من طموح الخطة المصرية، إلا أن تنفيذها يواجه تحديات كبيرة، أبرزها ضمان توفير التمويل اللازم من الدول العربية والدولية، إلى جانب التوافق السياسي الفلسطيني الداخلي لضمان نجاح المرحلة الانتقالية دون خلافات تعرقل التنفيذ. 

تحديات التنفيذ وضمانات النجاح


يرى د. طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة تمثل خطوة استراتيجية لإعادة تأهيل القطاع، لكنها تواجه تحديات رئيسية، أبرزها ضمان التمويل المستدام، وتحييد الاعتبارات السياسية التي قد تعيق التنفيذ.

 ويؤكد فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن نجاح الخطة يعتمد على آلية واضحة لإدارة الموارد المالية، ومنع أي استغلال سياسي قد يؤثر على مسار إعادة الإعمار. 

كما يشير أن تشكيل لجنة مستقلة لإدارة غزة يمثل حلاً عمليًا، لكنه يحتاج إلى توافق داخلي ودعم دولي لضمان فاعليته.

ويرى أن إدماج مؤسسات أممية وإقليمية في الإشراف على تنفيذ المشروع سيسهم في تحقيق شفافية التمويل والإدارة.

ويختتم فهمي، بأن استمرار المتابعة العربية والدولية للخطة ضروري لمنع أي عراقيل سياسية أو أمنية قد تعطل تنفيذها، مؤكدًا أن إعادة الإعمار يجب أن تكون جزءًا من رؤية شاملة لتحقيق الاستقرار في فلسطين.

رؤية متكاملة


في السياق ذاته، يؤكد د. محمد المنجي، أستاذ العلوم السياسية، أن الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة تمثل تحولًا نوعيًا في الجهود العربية لإعادة الاستقرار إلى القطاع، مشيدًا بالدور القيادي لمصر في صياغة رؤية متكاملة تعكس التزامًا جادًا بإعادة الإعمار دون المساس بحقوق الفلسطينيين.

ويرى المنجي في تصريحات لـ"العرب مباشر"، أن تبني القمة العربية لهذه الخطة يعزز فرص نجاحها، خاصة مع الدعم الدولي المتوقع، مما يسهم في تهيئة بيئة تنموية مستدامة لغزة.

ويشير المنجي، أن التنسيق العربي المشترك يمنح الخطة زخمًا سياسيًا واقتصاديًا كبيرًا، موضحًا أن ضخ 53 مليار دولار في عملية إعادة الإعمار سيشكل دفعة قوية للاقتصاد الفلسطيني، مع التركيز على بناء البنية التحتية الحديثة وتعزيز الخدمات الأساسية.

ويختتم بالتأكيد على أن هذه الجهود تعكس رؤية عربية متماسكة لمستقبل غزة، حيث يشكل الدعم المصري والعربي ضمانة حقيقية لإنجاح المشروع وتحقيق الاستقرار على المدى الطويل.