كنتونات سوريا: مشروع إسرائيلي تحت غطاء إنساني؟

كنتونات سوريا: مشروع إسرائيلي تحت غطاء إنساني؟

كنتونات سوريا: مشروع إسرائيلي تحت غطاء إنساني؟
سقوط بشار الأسد

في خضم صراعات الشرق الأوسط المتشابكة، يتجدد الحديث عن خطط إسرائيلية لتقسيم سوريا إلى "كنتونات" بحجة حماية الأقليات، مثل الدروز والأكراد، هذا الطرح، الذي يتخذ أبعادًا إنسانية في ظاهره، يخفي وراءه أهدافًا استراتيجية قد تعيد تشكيل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، فبينما تؤكد إسرائيل أنها لا تسعى إلى تدخل دائم في الأراضي السورية، إلا ن التحركات على الأرض، بدءًا من تعزيز العلاقات مع فئات محلية وصولًا إلى محاولات الهيمنة على موارد حيوية، ترسم صورة مختلفة.

 

 يدور الحديث عن مشروع لا يقتصر على حماية الأقليات، بل يهدف إلى تحقيق مكاسب أمنية، اقتصادية، وحتى استخباراتية؛ مما يضع هذه الخطط تحت مجهر تساؤلات إقليمية ودولية حول دوافعها وتبعاتها.

 

*حماية الأقليات.. هدف نبيل أم غطاء استراتيجي؟*

تروج إسرائيل لفكرة إقامة مناطق حكم ذاتي أو "كنتونات" لحماية الأقليات السورية من ويلات الحرب. غير أن هذه الخطوة لا تبدو بعيدة عن أهداف استراتيجية تخدم المصالح الإسرائيلية.

 

 فعلى سبيل المثال، تعكس العلاقات المتينة بين إسرائيل ودروز الجولان مسعى لبناء تحالفات محلية تُعزز نفوذها في جنوب سوريا. 

 

كذلك، فإن تعاون إسرائيل مع الأكراد يُنظر إليه كوسيلة لتحقيق توازن استراتيجي ضد النفوذ الإيراني والتركي في المنطقة.

 

من جانبه، يقول أحمد شديد الباحث في الشأن الاسرائيلي: إن تحركات إسرائيل في سوريا لا يمكن فهمها إلا ضمن استراتيجية أوسع تسعى لتحقيق التفوق الإقليمي وتعزيز الأمن القومي الإسرائيلي.

 

 وأضاف شديد في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن فكرة تقسيم سوريا إلى كنتونات ليست جديدة، بل تعكس نمطًا تاريخيًا لإسرائيل في التعامل مع الأزمات الإقليمية من منظور تجزئة الدول المجاورة لضمان الهيمنة الأمنية.

 

وتابع، المشروع يهدف إلى خلق مناطق نفوذ مستقرة تخدم المصالح الإسرائيلية عبر بناء تحالفات محلية، مثل دعم الطائفة الدرزية والتعاون مع الأكراد، هذا الأمر يعزز من قدرتها على إدارة الصراعات الإقليمية، ويتيح لها إقامة "حزام أمني" يضمن السيطرة على الحدود الشمالية. 

 

وأكد الباحث في الشأن الإسرائيلي، أن هذه الاستراتيجية محفوفة بالمخاطر، خاصة مع المعارضة الشديدة من تركيا وإيران، فضلًا عن غياب توافق داخلي بين الأطراف السورية، مضيفًا أن نجاح هذه الخطة يعتمد بشكل كبير على قدرة إسرائيل على التكيف مع التعقيدات الإقليمية وضمان الدعم الدولي، وهو أمر يبدو صعبًا في ظل الظروف الراهنة.

 

*الموارد كهدف خفي*

لا تقتصر طموحات إسرائيل على الجوانب الأمنية فقط؛ إذ تُظهر التحركات اهتمامًا متزايدًا بالموارد الحيوية في سوريا.

 

يُشار أن السيطرة على نهر اليرموك والسدود الحدودية تُعد من أبرز أولوياتها، في ظل ندرة المياه بالمنطقة.

 

إلى جانب ذلك، تخطط إسرائيل لإقامة "حزام استخباراتي" يمتد إلى عمق الأراضي السورية، بهدف حماية حدودها الشمالية وتحييد أي تهديد صاروخي محتمل.

*مواجهة النفوذ التركي والإيراني*

تشكل التحركات الإسرائيلية مع الأكراد نقطة خلاف رئيسية مع تركيا، التي تعتبر دعم الأكراد تهديدًا لأمنها القومي. 

 

وقد أشار دبلوماسيون إسرائيليون سابقون، أن تعزيز هذه العلاقات يُحدث توترات، لكنه يظل ضروريًا من وجهة نظر إسرائيلية لمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد. ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية تحمل مخاطر تصعيد إضافي في علاقات أنقرة مع تل أبيب.

 

من جهته، يقول د. محمد المنجي، أستاذ العلوم السياسية: إن مشروع تقسيم سوريا، كما تطرحه إسرائيل، يُعد خطوة تحمل أبعادًا تتجاوز مجرد حماية الأقليات.

 

وأضاف - في تصريحات لـ"العرب مباشر"-، من الناحية النظرية، يبدو أن الطرح يرتكز على شعارات إنسانية، ولكن في العمق، هو أداة لتحقيق مكاسب استراتيجية، موضحًا أن إسرائيل تسعى لتحويل الفوضى السورية إلى فرصة تمكنها من تحقيق توازن إقليمي جديد، مشيرًا أن الدعم الاسرائيلي للأكراد، رغم حساسيته بالنسبة لتركيا، يُعد محاولة لضرب التحالفات المعادية في المنطقة.

 

*رفض إقليمي ودولي لمشاريع التقسيم*

من ناحية أخرى، تُقابل خطط تقسيم سوريا برفض واسع من الدول العربية والإقليمية، التي تؤكد على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.

 

اجتماع الرياض الأخير شكّل رسالة واضحة في هذا السياق، حيث شدد المشاركون على أن أي تدخل خارجي لن يؤدي إلا إلى تعميق الأزمة السورية.

 

يُضاف إلى ذلك عدم وجود توافق داخلي بين القوى السورية؛ مما يُعقّد تنفيذ أي خطة تقسيم ويضعف احتمالية نجاحها.

 

رغم ما تروج له إسرائيل من مبررات إنسانية، إلا أن استراتيجيتها تعكس استغلالًا واضحًا لحالة الضعف السوري.

فمن السيطرة على الموارد إلى تحجيم النفوذ الإيراني، تُظهر التحركات الإسرائيلية طموحات طويلة الأمد تتخطى الشعارات المعلنة. 

 

ومع ذلك، فإن هذه السياسات تصطدم بمعارضة داخلية سورية ودولية؛ مما يجعل تحقيق أهدافها محفوفًا بالعوائق.

 

تواجه إسرائيل تحديات متعددة، أبرزها الرفض الشعبي السوري والمواقف الإقليمية المناهضة للتقسيم. 

 

كذلك، فإن أي محاولة لإعادة رسم الخارطة السورية قد تُفاقم من تعقيدات المشهد الإقليمي؛ مما يُجبر تل أبيب على إعادة تقييم حساباتها.