بعد تصاعد الأحداث.. ماذا يحدث في شرق السودان؟
تشهد مناطق شرق السودان حالة من الغليان وعدم الاستقرار
تعيش منطقة شرق السودان حالة من الغليان وسط تهديدات بإعادة إغلاق الطريق والميناء الحيوييْن في البلاد، في حال لم تُنفَّذ مطالب عدة، ما استدعى تدخل دولة جنوب السودان لتقريب وجهات النظر بين الجانبين.
وخلال مطلع الشهر الجاري، هدد زعماء قبائل البجا السودانية بعودة عمليات التصعيد والإغلاق شرق البلاد، مع انتهاء مهلة الشهر التي منحوها للحكومة، وعدم تنفيذ مطالبهم في 4 ديسمبر.
ضغوط سياسية واقتصادية
وكشفت دراسة لمركز فاروس للاستشارات والدراسات الإستراتيجية، والتي تناولت بالشرح والتحليل احتجاجات شرق السودان وما فرضته من ضغوط سياسية واقتصادية على البلاد كانت بمثابة تهديد كبير للمسار الانتقالي للسودان، كما ناقشت العوامل التي دفعت محتجي الشرق للاحتجاج، وكذا ما قام به المحتجون من آليات لضمان فاعلية التأثير، أيضا المسارات المحتملة لأزمة الشرق بعد انتهاء مهلة تجميد الاحتجاجات.
وأضافت الدراسة: أنه نظراً لطول مدة الاحتجاج، وفي ظل ما يتمتع به إقليم شرق السودان من أهمية إستراتيجية بالغة للبلاد، فرضت الاحتجاجات ضغوطاً سياسية واقتصادية على البلاد هددت ولا تزال تهدد المسار الانتقالي للسودان، وكان لها صدى واسع، انعكس فيما شهدته البلاد من تطورات سياسية كشفت عن حجم الفجوة السياسية بين شركاء الحكم الانتقالي بشقيه المدني والعسكري، والتي انتهت باتخاذ رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان قرارات الـ25 أكتوبر 2021، والتي تمثلت في حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإعلان حالة الطوارئ، في خطوة وصفها البرهان بكونها “تصحيحاً للمسار الانتقالي”، تبعها إعلان محتجي الشرق على لسان زعيمهم “ترك” بدعمهم قرارات الـ25 أكتوبر، وتجميد الاحتجاجات وإعادة فتح الموانئ والطرقات في 1 نوفمبر 2021 ولمدة شهر واحد، حتى يتم تشكيل حكومة جديدة، وذلك تقديراً للظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد.
المسار السياسي الانتقالي
وخلصت الدراسة إلى أن مسار أزمة الشرق يرتبط بالمسار السياسي الانتقالي للبلاد الذي لا يزال يشهد العديد من الأزمات السياسية، التي تُنذر بدخول البلاد في حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني، لن تتمكن البلاد من تجاوزها بسهولة، ففي ظل ترقب محتجي الشرق لما سيقدمه الاتفاق السياسي الموقع بين البرهان وحمدوك من مكاسب للإقليم، ينشغل شركاء الحكم الانتقالي بترسيخ مرتكزات المسار الانتقالي، وإعادة ترتيب البيت السياسي السوداني، وهو ما يتطلب اتخاذ شركاء الحكم الانتقالي خطوات تمهيدية لبدء مسار التفاوض مع محتجي الشرق، بما يُشير إلى رغبة الحكومة في التوصل إلى تسوية مرضية للأزمة بشكل نهائي.
ولفتت الدراسة أن تكون المجتمع السوداني من مزيج من السكان الأصليين لوادي النيل والمهاجرين من شبه الجزيرة العربية وباقي أنحاء القارة، وهو ما أضفى على المجتمع سمة التعدد والتنوع العرقي واللغوي والثقافي والديني، حيث يتكون من 19 مجموعة عرقية رئيسية، وأكثر من 597 مجموعة فرعية عرقية تتحدث أكثر من 100 لغة ولهجة، لكل منها ثقافتها وعاداتها وتقاليدها، ويمثل العرب المسلمون أكبر مجموعة عرقية في المجتمع السوداني بنحو 70% من إجمالي السكان، إلى جانب مجموعات عرقية أُخرى كالبجا والنوبيين، أما عن التركيبة الدينية للمجتمع السوداني، فقدر مركز بيو للأبحاث إجمالي عدد المسلمين في المجتمع السوداني بحوالي 91% من إجمالي عدد السكان، ونحو 5.4% من المسيحيين و2.8% يتبعون ديانات تقليدية، والباقون غير منتسبين.
وأوضحت في إقليم شرق السودان على وجه التحديد، تنتشر قبائل البجا الممتدة على طول ساحل البحر الأحمر من حلايب وشلاتين في مصر حتى مصوع في إريتريا، وأبرزها قبيلة الهدندوة التي تُعد أكبر قبائل إقليم الشرق، وتنتشر في ولايتي البحر الأحمر وكسلا، وخاصة في مدن سواكن وسنكات وطوكر وهيا ودرديت، وكذلك قبيلة بني عامر وغيرهما من القبائل؛ كالأمرار والبشاريين والعبابدة والحلنقة، كما يضم الإقليم قبائل من أنحاء مختلفة في السودان وصارت جزءاً من التركيبة السكانية للإقليم، ومنها النوبة والشايقية.
مسار أزمة الشرق
ويقول المحلل السوداني محمد الطيب: إنه يرتبط مسار أزمة الشرق بالمسار السياسي الانتقالي للبلاد الذي لا يزال يشهد العديد من الأزمات السياسية، التي تُنذر بدخول البلاد في حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني، لن تتمكن البلاد من تجاوزها بسهولة، ففي ظل ترقب محتجي الشرق لما سيقدمه الاتفاق السياسي الموقع بين البرهان وحمدوك من مكاسب للإقليم، ينشغل شركاء الحكم الانتقالي بترسيخ مرتكزات المسار الانتقالي، وإعادة ترتيب البيت السياسي السوداني، وهو ما يتطلب اتخاذ شركاء الحكم الانتقالي خطوات تمهيدية لبدء مسار التفاوض مع محتجي الشرق، بما يُشير إلى رغبة الحكومة في التوصل إلى تسوية مرضية للأزمة بشكل نهائي.
ولفت المحلل السياسي السوداني في تصريح خاص لـ"العرب مباشر" أنه تهدد الكيانات والتنسيقيات المحتجة في شرق السودان بإعادة إغلاق الطريق والميناء الحيويين في البلاد، في حال لم تنفذ مطالب إلغاء مسار الشرق في اتفاق سلام جوبا، والتوصل إلى حل يحقق الاستقرار والتنمية في المنطقة، لافتا أن تأخر الحكومة في تنفيذ مطالب أهل الشرق وتكوينها لـ"لجنة كسيحة" لم تنشط إلا بعد تهديدات بالتصعيد سيعقّد المشهد بشدة في حال إغلاق الميناء الرئيسي والمنفذ البحري الوحيد، خاصة أن الإغلاق السابق قد كبَّد البلاد خسائر فادحة، وأسهم في انهيار الاقتصاد المتهالك.