اتفاق الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان.. رسالة ردع نووية إلى خصوم الإقليم

اتفاق الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان.. رسالة ردع نووية إلى خصوم الإقليم

اتفاق الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان.. رسالة ردع نووية إلى خصوم الإقليم
السعودية وباكستان

في خطوة وُصفت بأنها الأهم في مسار العلاقات السعودية- الباكستانية منذ عقود، وقّعت الرياض وإسلام آباد اتفاقية دفاع استراتيجي مشترك، لتدشن مرحلة جديدة من التعاون العسكري بين البلدين.

 الاتفاقية، التي جاءت في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وتزايد المخاطر الأمنية، اعتبرها محللون تحالفًا صلبًا يرفع مستوى الردع المشترك إلى سقف غير مسبوق. وبحسب نص الاتفاق، فإن أي هجوم خارجي على أحد الطرفين سيُعامل كاعتداء على الآخر، بما يكرّس مبدأ الأمن الجماعي ويعزز من قدرة البلدين على مواجهة التحديات.

 هذه الخطوة لم تُقرأ بوصفها اتفاقًا ثنائيًا فقط، بل كرسالة قوية إلى القوى الإقليمية والدولية بأن التعاون بين الرياض وإسلام آباد تجاوز حدود التنسيق التقليدي ليصبح شراكة دفاعية متكاملة، تمزج بين التصنيع العسكري، التدريب المشترك، والمناورات البرية والبحرية والجوية، ما يجعلها نقطة تحول في معادلات الأمن الإقليمي.

إعادة تشكيل موازين القوى


يأتي توقيع الاتفاقية في العاصمة السعودية الرياض ليعكس إرادة سياسية واضحة لدى قيادتي البلدين في تعزيز شراكتهما التاريخية، ونقلها من مستوى التعاون الثنائي التقليدي إلى مستوى التحالف الاستراتيجي.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الباكستاني محمد شهباز شريف وضعا بتوقيعهما على الوثيقة أسسًا لتحالف دفاعي يضمن مواجهة الأخطار المحدقة بأمن البلدين واستقرارهما.

ويذهب مراقبون، أن الاتفاقية تحمل أبعادًا تتجاوز الأمن الدفاعي البحت، فهي تعكس اصطفافًا سياسيًا واستراتيجيًا يراد منه إعادة تشكيل موازين القوى في جنوب وغرب آسيا، وتوجيه رسالة ردع واضحة إلى أي طرف يفكر في تهديد استقرار المنطقة.

ومن جانبه صرح مسئول سعودي لوكالة "رويترز"، بأن الاتفاقية تشمل جميع الوسائل العسكرية، بما فيها الأسلحة النووية، حيث تملك باكستان نحو 170 رأسًا نوويًا، ما يجعلها من بين إحدى أكبر الدول النووية في العالم.


أبرز ما تضمنته الاتفاقية


من أبرز ما تتضمنه الاتفاقية هو إقرار مبدأ الردع المشترك، أي أن أي اعتداء على أحد الطرفين سيُعتبر اعتداءً على الآخر، ما يرفع كلفة أي مغامرة عسكرية ضد السعودية أو باكستان.

هذا البند يعيد إلى الأذهان تحالفات الدفاع الجماعي التي عرفها العالم بعد الحرب العالمية الثانية، لكنه في السياق الإقليمي الحالي يمنح البلدين قدرة أكبر على المناورة وفرض معادلات جديدة.

من جانبه، يقول الخبير الاستراتيجي والعسكري السعودي، العميد فيصل الحمد: إن الاتفاق يشمل التعاون في مجال التصنيع العسكري، وهو تطور لافت قد يفتح الباب أمام إنشاء خطوط إنتاج مشتركة للأسلحة والمعدات الدفاعية، بما يقلل من الاعتماد على الموردين التقليديين ويعزز من الاكتفاء الذاتي الدفاعي لكلا البلدين.

وأضاف لـ"العرب مباشر"، التعاون العسكري بين السعودية وباكستان ليس وليد اللحظة، بل يمتد لعقود طويلة شملت تدريبات مشتركة ومناورات دورية في البر والبحر والجو، إضافة إلى تبادل الخبرات في مجال مكافحة الإرهاب وحماية الحدود، مشيرًا أن الاتفاقية الجديدة ترفع مستوى هذا التعاون إلى صيغة مُلزِمة تعطي بعدًا قانونيًا وسياسيًا للعلاقة العسكرية، وتجعلها جزءًا من الاستراتيجية الوطنية لكل بلد، كما أن هذا التحالف قد يترتب عليه تنسيق أكبر في المواقف السياسية في المحافل الدولية، خصوصًا في قضايا الأمن الإقليمي مثل استقرار الخليج وأفغانستان ومواجهة التنظيمات المسلحة.

يقول حمد: إن البعد الجيوسياسي للاتفاق لا يقل أهمية عن بعده الأمني، فالتقارب السعودي- الباكستاني يأتي في وقت تسعى فيه قوى كبرى لإعادة رسم خرائط النفوذ في المنطقة، سواء من خلال الصراع في البحر الأحمر، أو المنافسة في المحيط الهندي، أو التوترات المستمرة بين الهند وباكستان.

وتابع، بتوقيع هذه الاتفاقية، ترسل الرياض وإسلام آباد إشارة إلى أنهما مستعدتان للعمل معًا لحماية مصالحهما ومنع أي فراغ أمني يمكن أن تستغله أطراف أخرى.

واختتم، أن الاتفاقية تشكل تحولًا تاريخيًا وجذريًا في الأمن الإقليمي، مشيرًا أن دولًا أخرى قد تحذو حذوهما في المستقبل، وهو ما قد يؤدي إلى نشوء شبكة تحالفات إقليمية جديدة تتجاوز الانقسامات التقليدية.

تحولًا في معادلة الأمن


يقول الخبير في الشأن السياسي محمود علام: إن الاتفاقية الدفاعية بين السعودية وباكستان تحمل أبعادًا استراتيجية تتجاوز التعاون العسكري التقليدي، إذ تضع المملكة فعليًا تحت مظلة الردع النووي الباكستاني، وهو ما يشكل تحولًا كبيرًا في معادلة الأمن الخليجي.

 ويرى علام، أن هذه الخطوة جاءت في سياق إقليمي مضطرب، خاصة بعد تعرض الدوحة لضربة إسرائيلية دون رد أمريكي رغم وجود قواعد عسكرية أمريكية على أراضيها، وهو ما أضعف ثقة دول الخليج في المظلة الأمنية الأمريكية، ودفعها للبحث عن بدائل أكثر موثوقية.

ويضيف -في تصريحات لـ"العرب مباشر"-، أن الاتفاقية ليست مجرد وثيقة ثنائية، بل ربما تمثل بداية حراك إقليمي أوسع لتأسيس منظومة دفاع إسلامية مشتركة، خاصة بعد دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قمة الدوحة إلى إنشاء آلية موحدة لحماية مصالح الدول الإسلامية والتصدي للعدوان الإسرائيلي.

ويتوقع علام، أن هذه القوة الإسلامية المشتركة ستتشكل تدريجيًا عبر اتفاقيات ثنائية مماثلة، وقد تمتد لتشمل دولًا مؤثرة مثل: مصر وتركيا وإيران، ما سيخلق محور ردع شامل قادر على كبح التوسع الإسرائيلي وخططه التي تهدد أراضي السعودية ومصر وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين.

 ويرى، أن هذا التحول قد يفتح صفحة جديدة من الاصطفافات الإقليمية ويمنح الدول الإسلامية قدرة أكبر على فرض توازن قوى جديد في المنطقة.