البحر الأحمر في مرمى طهران.. محاولات إيران لترسيخ نفوذها في السودان

البحر الأحمر في مرمى طهران.. محاولات إيران لترسيخ نفوذها في السودان

البحر الأحمر في مرمى طهران.. محاولات إيران لترسيخ نفوذها في السودان
إيران

يتفاقم الصراع السوداني الداخلي منذ سنوات، وتحاول العديد من القوى الإقليمية والدولية التأثير في مسار هذا الصراع بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، من بين هذه القوى، تأتي إيران التي طالما كان لها دور في ملفات النزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط، ويسعى مراقبون إلى فهم مدى تدخلها في الأزمة السودانية المتجددة، يطرح العديد من المحللين تساؤلات حول الدوافع الإيرانية، وعلى رأسها الرغبة في السيطرة على الموانئ المائية الاستراتيجية على البحر الأحمر.

*دور إيران في إفريقيا*


منذ عقود، تسعى إيران إلى توسيع نفوذها في إفريقيا، وذلك عبر عدة أدوات تشمل التحالفات العسكرية، الدعم الاقتصادي، والتأثير الثقافي والديني.

السودان كان دائمًا في قلب هذا الاهتمام الإيراني، خاصة في فترة حكم الإخوان، حيث سمحت العلاقة الوثيقة بين الخرطوم وطهران لإيران ببناء جسور هامة مع دول شرق إفريقيا، وبالتالي تأمين منافذ إستراتيجية قد تستخدم لتعزيز نفوذها العسكري والاقتصادي في المنطقة.

وبعد الإطاحة بالإخوان، تراجعت العلاقة بشكل جزئي بين السودان وإيران، حيث سعت الخرطوم إلى تحسين علاقاتها مع الدول العربية، إلا أن هذا التراجع لم يكن نهاية الطموحات الإيرانية في السودان، بل ظلت طهران تبحث عن فرص جديدة لاستعادة تأثيرها في البلاد، خاصة في ظل الانقسامات السياسية الحادة التي شهدتها السودان بعد الثورة.

*البحر الأحمر: أهمية استراتيجية*


إيران، من خلال سياستها التوسعية في المنطقة، ترى أن البحر الأحمر ليس مجرد ممر تجاري فحسب، بل نقطة استراتيجية رئيسية يمكن أن تستخدمها في تعزيز نفوذها على مستوى عالمي.

إذ قد يتيح لها التحكم في تلك الموانئ التأثير على حركة الملاحة البحرية وإمكانية تهديد مصالح الدول المنافسة، فضلاً عن فرض مزيد من الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية.

وفي إطار التدخل العسكري الإيراني في السودان، ظهرت طائرات مسيرة من طراز "مهاجر 6" الإيرانية في سماء السودان خلال الشهور الماضية، الطائرات، المصنوعة في إيران، تم رصدها عبر صور أقمار صناعية في قاعدة وادي سيدنا الجوية شمال الخرطوم، يُظهر هذا الدعم العسكري الإيراني رغبة طهران في تعزيز نفوذها العسكري في السودان، خاصة مع تزايد أهمية ساحل البحر الأحمر.

وقد أثار هذا الدعم قلق القوى الإقليمية، حيث يعد امتدادًا لاستراتيجية إيران لتسليح جماعات مختلفة في المنطقة.

*أساليب إيران في الصراع السوداني*


من جانبهم، يرى مراقبون، أن إيران تُستخدم في الصراع السوداني أساليب متنوعة، منها تقديم الدعم العسكري والاستخباراتي لأطراف محددة في الصراع، سواء بشكل مباشر أو من خلال وسطاء.

وتسعى طهران إلى استغلال الفوضى السياسية والعسكرية التي تعيشها السودان في سبيل تحقيق أهدافها طويلة الأمد. ومن بين هذه الأهداف الرئيسية، السعي إلى إيجاد موطئ قدم دائم على سواحل البحر الأحمر.

وأضافوا أن هذا ليس غريبًا على إيران التي لها تاريخ طويل في استخدام القوات والميليشيات بالوكالة، مثلما فعلت في سوريا واليمن ولبنان.

وفي السودان، قد تلجأ إيران إلى إستراتيجية مشابهة عبر دعم بعض الفصائل المسلحة أو الجماعات السياسية التي تتماشى مع مصالحها.

*توسع النفوذ البحري*


الارتباط الوثيق بين إيران وجماعة الحوثيين في اليمن هو مثال آخر على محاولات طهران السيطرة على موانئ حيوية على البحر الأحمر.

الحوثيون يسيطرون على جزء من الساحل اليمني المطل على البحر الأحمر، وقد استخدموا ذلك للقيام بعمليات تهديد للملاحة الدولية، وظهر هذا جليًا منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث أثبتت إيران واتباعها سهولة تحويل البحر الأحمر إلى طرفٍ هام في معادلة الحروب والسيطرة.

تسعى إيران إلى تكرار هذا السيناريو في السودان، إذ ترى أن وجودها أو نفوذها في السودان يمكن أن يشكل امتدادًا لنفوذها في البحر الأحمر، مما يزيد من قدرتها على الضغط على خصومها الإقليميين.

وإن كانت العلاقات مع الفصائل المسلحة أو القوى السياسية في السودان أقل وضوحًا مقارنةً بالحوثيين، إلا أن التقارير تشير إلى محاولات إيرانية جادة للتواصل مع بعض القوى السودانية من خلال وسطاء إقليميين.

*التداعيات الإقليمية*


من جانبه، يقول د. حسن هاشميان الباحث في الشأن الإيراني،  وجود نفوذ إيراني في السودان سيكون له تداعيات إقليمية كبيرة. فمن جهة، سيزيد ذلك من تعقيد الصراع السوداني.

وأكد هاشميان في حديثه لـ"العرب مباشر"،  على أن الممرات المائية، وخاصة البحر الأحمر، تحتل أهمية مركزية في الاستراتيجية الإيرانية منذ فترة طويلة. موضحًا أن إيران تسعى إلى توسيع نفوذها في هذه المنطقة بسبب موقعها الاستراتيجي الذي يتحكم في طرق التجارة العالمية والطاقة.

وتابع هاشميان، هذا المسعى ليس جديدًا، بل يعكس سياسة طهران المستمرة في استغلال حالات عدم الاستقرار السياسي في دول المنطقة.

وأشار هاشميان، إلى أن النظام الإيراني يعتمد على هذه الاستراتيجية لتحقيق أهدافه بعيدة المدى، مثل التحكم في الملاحة وتعزيز نفوذه الإقليمي.

وأكد أن الوضع في السودان يوفر لإيران فرصة استثنائية لتعميق تأثيرها من خلال دعم بعض الأطراف السودانية مستغلةً الفوضى، هذا النهج يعتمد على "تكرار استراتيجيات سابقة"، حيث سبق وأن استغلت إيران نظام الإخوان في السودان، حينما كانت المصالح المشتركة تجمع الطرفين.

ولفت هاشميان إلى أن النظام الإيراني، الآن، يعيد نفس النمط من استغلال الجماعات السياسية والدينية المتغلغلة والأطراف المتحاربة في المجتمع السوداني لتحقيق مكاسب استراتيجية، دون أي اعتبار لمصالح الشعب السوداني أو لمعاناته الإنسانية.

وأضاف هاشميان، أن هذه التحركات تؤكد التوسع الإيرجاني عبر أدواتها العسكرية واللوجستية، بما في ذلك الدعم المباشر وغير المباشر لأطراف معينة في السودان، مضيفًا إن إيران تسعى للسيطرة على مواقع استراتيجية تعزز من قدرتها على التأثير في أمن البحر الأحمر، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للدول المجاورة وللملاحة الدولية، وهو أمر سيزيد من حدة التوترات الإقليمية.