حرب الأبراج تتصاعد.. الاحتلال يوسّع عملياته البرية وواشنطن تدعم

حرب الأبراج تتصاعد.. الاحتلال يوسّع عملياته البرية وواشنطن تدعم

حرب الأبراج تتصاعد.. الاحتلال يوسّع عملياته البرية وواشنطن تدعم
حرب غزة

في تصعيد جديد يُنذر بمرحلة أكثر دموية من الحرب، اجتاحت القوات الإسرائيلية مدينة غزة بعد سلسلة من الغارات الجوية الكثيفة التي حوّلت أحياء كاملة إلى ركام، فجر الثلاثاء، حيث اخترقت الدبابات الإسرائيلية تخوم المدينة تحت غطاء نيراني كثيف من البر والبحر والجو، في عملية عسكرية تصفها تل أبيب بأنها الأكبر منذ بدء الحرب، فيما تحذر أطراف دولية من كارثة إنسانية غير مسبوقة.

 اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في القدس المحتلة بدا بمثابة الضوء الأخضر لبدء العملية، وسط دعم أمريكي مشروط بسرعة الحسم، وعلى وقع القصف، ارتفعت حصيلة الضحايا الفلسطينيين في غضون ساعات إلى عشرات الشهداء والجرحى، فيما تستمر عمليات استهداف الأبراج السكنية وتهجير السكان نحو الجنوب، كل ذلك يجري بينما يهدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برد قاسٍ إذا تعرض الأسرى الإسرائيليون للأذى، في مشهد يعيد رسم ملامح المرحلة المقبلة للصراع في غزة.

مركبات جدعون 2


بدأت إسرائيل -فجر الثلاثاء- تنفيذ عملية عسكرية برية واسعة النطاق في مدينة غزة، في خطوة وصفتها بأنها حاسمة لـ"تحقيق النصر على حماس" وتأمين إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين منذ أشهر. العملية التي أُطلق عليها اسم "مركبات جدعون 2" جاءت بعد أكثر من أسبوع من التمهيد النيراني المكثف الذي شارك فيه سلاح الجو، والمدفعية الثقيلة، والزوارق الحربية على طول الساحل الغربي للقطاع.

ووفقًا لتقارير ميدانية، استُخدمت خلال المرحلة الأولى روبوتات مفخخة لتفجير مبانٍ ومنشآت تحت الأرض، بهدف تقليل الخسائر بين الجنود وتسهيل تقدم الفرق العسكرية داخل الأحياء السكنية المكتظة.

مسؤولون عسكريون إسرائيليون أكدوا، أن العملية البرية ستتوسع تدريجيًا على مراحل، تبدأ بالسيطرة على مداخل المدينة ومحاورها الرئيسية، ثم التوغل نحو قلب الأحياء المكتظة، حيث يُعتقد أن مقاتلي حماس يتحصنون داخل شبكة أنفاق معقدة، وفي الوقت نفسه، لا تخفي المؤسسة العسكرية الإسرائيلية مخاوفها من أن هذه العملية ستؤدي إلى خسائر فادحة في صفوف الجيش، لا سيما في ظل وجود عشرات الأسرى الإسرائيليين في يد حماس، واحتمال استخدامهم كدروع بشرية، وهو ما أشارت إليه تقارير القناة الإسرائيلية العامة "كان".

اللقاء الذي جمع نتنياهو بوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، مساء الاثنين، كان نقطة فاصلة في اتخاذ قرار المضي قدمًا بالهجوم، حيث أكدت مصادر إسرائيلية، أن روبيو نقل رسالة دعم قوية من إدارة الرئيس ترامب، لكنه شدد على ضرورة إنجاز العملية بسرعة لتقليل الكلفة الإنسانية والسياسية.

وفيما كانت الدبابات الإسرائيلية تتحرك نحو المدينة، خرج ترامب على منصته "تروث سوشيال" موجّهًا تحذيرًا شديد اللهجة لحركة حماس من المساس بالأسرى، ووصف أي محاولة لاستخدامهم كدروع بشرية بأنها "فظاعة إنسانية غير مسبوقة" قد تفتح الباب أمام رد أمريكي غير متوقع.

كارثة إنسانية


ميدانيًا، أفادت مصادر طبية في غزة بارتفاع حصيلة الشهداء إلى 62 منذ بدء العملية، معظمهم من المدنيين، وسط انهيار متسارع للبنية التحتية الصحية، الدفاع المدني في غزة تحدث عن صعوبة الوصول إلى العديد من المناطق بسبب القصف المستمر، فيما تتواصل عمليات استهداف الأبراج السكنية متعددة الطوابق، ما أدى إلى نزوح آلاف العائلات نحو مناطق أقل خطورة في جنوب القطاع.

وتشير معطيات ميدانية، أن الجيش الإسرائيلي دمر منذ منتصف أغسطس أكثر من 3600 مبنى وبرج سكني بشكل كامل أو جزئي، إضافة إلى تدمير نحو 13 ألف خيمة كانت تؤوي نازحين، وهو ما يعمق أزمة النزوح ويدفع القطاع إلى حافة كارثة إنسانية.

 وفي الوقت الذي تبرر فيه تل أبيب عملياتها بأنها تستهدف "البنية التحتية للإرهاب"، يرى مراقبون أن الهدف الفعلي هو كسر إرادة سكان غزة وإجبارهم على النزوح الجماعي، ما قد يغير الخريطة الديموغرافية للمدينة على المدى الطويل.

الوزير الإسرائيلي يسرائيل كاتس أكد بدوره، أن العملية لن تتوقف قبل تحقيق أهدافها المعلنة، وهي هزيمة حماس وتأمين إطلاق سراح الأسرى.

وأوضح، أن القوات الإسرائيلية تقاتل "بقبضة من حديد" في معركة يعتبرها وجودية، في وقت تتصاعد فيه الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار وحماية المدنيين.

غير أن الحكومة الإسرائيلية تبدو مصممة على المضي حتى النهاية، ما ينذر بمزيد من التصعيد وسقوط المزيد من الضحايا في الأيام المقبلة.

يغذي خطاب المقاومة


يرى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، أن العملية البرية الإسرائيلية تمثل نقطة تحول خطيرة في مسار الصراع، ليس فقط من الناحية العسكرية بل من الناحية السياسية والاستراتيجية.

ويشير فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن تل أبيب تحاول تحقيق مكاسب سريعة على الأرض بعد فشلها في حسم المعركة جوًا، لكن هذا التصعيد يضعها أمام معضلة معقدة، فكلما طال أمد العملية ارتفعت كلفتها البشرية والاقتصادية، وزادت احتمالات تورطها في حرب استنزاف طويلة داخل بيئة حضرية شديدة التعقيد.

وأضاف فهمي: أن الدعم الأمريكي العلني للعملية يهدف إلى تعزيز موقف نتنياهو داخليًا، لكنه يضع واشنطن في موقف حساس أمام المجتمع الدولي الذي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار وحماية المدنيين. 

ويؤكد أن مشهد الدبابات في شوارع غزة سيعيد إنتاج صور حروب سابقة من بينها اجتياح بيروت عام 1982، ما قد يغذي خطاب المقاومة بدلاً من كسره.

ويخلص فهمي إلى أن العملية قد تعيد ترتيب أولويات الإقليم، إذ ستدفع الفصائل الفلسطينية نحو مزيد من التنسيق المشترك، وقد تفتح الباب أمام تحركات دبلوماسية دولية أكثر قوة لفرض تسوية سياسية. 

لكنه يحذر -في الوقت نفسه- من أن استمرار القصف والنزوح الجماعي قد يترك جروحًا عميقة تجعل أي مسار سلام مستقبلي أكثر صعوبة.