البيت الأبيض يضغط والفيدرالي يصمد.. من هي ليزا كوك التي يتحدى ترامب سلطتها؟

البيت الأبيض يضغط والفيدرالي يصمد.. من هي ليزا كوك التي يتحدى ترامب سلطتها؟

البيت الأبيض يضغط والفيدرالي يصمد.. من هي ليزا كوك التي يتحدى ترامب سلطتها؟
ليزا كوك وترامب

في خطوة تعكس احتدام المواجهة بين البيت الأبيض ومجلس الاحتياطي الفيدرالي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه إقالة ليزا كوك، أول امرأة سوداء تنضم إلى مجلس محافظي البنك المركزي الأميركي، متذرعًا باتهامات تتعلق بالاحتيال في الرهن العقاري. الإعلان، الذي جاء عبر منصة "تروث سوشيال"، لم يمر مرور الكرام، إذ سرعان ما ردّت كوك بالتأكيد على أن الدستور الأميركي يحصّن منصبها من قرارات الرئيس المباشرة، لتفتح بذلك فصلاً جديدًا من الصراع بين السلطة التنفيذية والمؤسسة النقدية، تثير هذه الخطوة تساؤلات واسعة حول خلفياتها السياسية والاقتصادية، هل يسعى ترامب فعلاً إلى مكافحة الفساد المزعوم، أم أن الضغوط المتزايدة على الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة دفعت الرئيس إلى استهداف أحد أعضائه البارزين؟

خلف شخصية كوك حكاية أكاديمية وسياسية عميقة، تجعلها أكثر من مجرد اسم في قائمة البنك المركزي، بل رمزًا لصراع أوسع بين الاستقلالية النقدية والتدخل السياسي.

ليزا كوك.. من هي؟


ولدت ليزا دين كوك في ولاية جورجيا، ونشأت في أسرة متجذرة في النضال من أجل الحقوق المدنية، كان عمها صموئيل دوبوا كوك زميلاً لمارتن لوثر كينغ الابن، وهي الخلفية التي تركت أثرًا عميقًا على وعيها السياسي والاجتماعي.

بعد حصولها على الدكتوراه في الاقتصاد، برزت كوك كأستاذة في جامعة ولاية ميتشيغان، حيث تخصصت في دراسة البنوك المركزية، الأزمات المالية، والتمييز العرقي في الاقتصاد.

أبحاثها لم تقتصر على التحليل التقليدي، بل امتدت لتسليط الضوء على العلاقة بين الابتكار والعنف العرقي، إذ وجدت في دراسة بارزة أن عمليات الإعدام بحق الأميركيين السود حرمت الولايات المتحدة من عدد كبير من براءات الاختراع المحتملة.

المسار داخل الفيدرالي

عندما رشحها الرئيس الأسبق جو بايدن عام 2022 لعضوية مجلس الاحتياطي الفيدرالي، دخلت كوك التاريخ كأول امرأة سوداء في منصب بهذا المستوى في البنك المركزي الذي يتجاوز عمره قرنًا.

ورغم الحملة الشرسة من الجمهوريين، تأكد تعيينها بعد تدخل نائبة الرئيس كامالا هاريس لكسر التعادل داخل مجلس الشيوخ، منذ انضمامها، صوتت كوك إلى جانب رئيس الفيدرالي جيروم باول وزملائها في كل القرارات المتعلقة برفع أسعار الفائدة خلال معركة التضخم، ثم دعم تثبيتها في الاجتماعات الأخيرة، ومع ذلك، تركت إشارات على قلقها من تباطؤ التوظيف، معتبرة أن الاقتصاد قد يقترب من نقطة تحول حرجة.

هجوم ترامب.. السياسة فوق الاقتصاد


إعلان ترامب عزمه إقالة كوك لم يكن مفاجئاً لمراقبي العلاقة بينه وبين الاحتياطي الفيدرالي، فمنذ عودته إلى البيت الأبيض، كثّف الرئيس ضغوطه على البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة سريعًا من أجل تنشيط النمو الاقتصادي وتخفيف عبء القروض. يرى خصومه أن استهدافه لكوك يأتي في هذا السياق، البحث عن كبش فداء داخل المؤسسة النقدية.

أما اتهامات الاحتيال العقاري التي طرحها ترامب فلم تستند بعد إلى أدلة قضائية واضحة؛ مما يجعلها أقرب إلى اتهامات سياسية الطابع، وهو ما يعيد إلى الأذهان محاولاته السابقة في ولايته الأولى للضغط على الفيدرالي، حيث اعتبره "عقبة أمام ازدهار أميركا".

جوهر الأزمة الراهنة يتجاوز شخصية كوك ليطرح سؤالاً أعمق حول استقلالية البنك المركزي، تاريخيًا، صُمم الاحتياطي الفيدرالي ليكون بعيدًا عن الضغوط السياسية، إذ لا يملك الرئيس سلطة مباشرة لإقالة أعضائه الذين يعيّنون لفترات طويلة تمتد 14 عامًا. من هنا جاء رد كوك الحاسم بأن ترامب لا يملك الصلاحية لعزلها.

هذا التوتر بين السياسة والنقد ليس جديدًا، لكنه يكتسب زخمًا أكبر مع استمرار التضخم، وتزايد قلق الأسواق من أن يتحول تدخل البيت الأبيض إلى عامل زعزعة لاستقرار القرارات الاقتصادية.

الهجمات الحزبية على كوك


منذ بداية مشوارها في الفيدرالي، وُضعت كوك تحت مجهر الجمهوريين، فقد وصفها بعض خصومها بأنها "أكاديمية منشغلة بالقضايا العرقية أكثر من الاقتصاد النقدي"، وذهب آخرون إلى اتهامها بالكذب في سيرتها الذاتية، هذه الهجمات، التي اعتبرتها كوك مساعي لتشويه سمعتها بسبب لون بشرتها وجنسها، لم تمنعها من أن تصبح صوتًا بارزًا في نقاشات الاقتصاد الأميركي، خصوصاً في قضايا الابتكار والتقنيات الجديدة.

رمزية بقاء كوك في منصبها أو إقالتها تتجاوز الأرقام والسياسات النقدية، فهي تمثل دخول النساء السوداوات إلى مجال ما يزال حكرًا على النخب البيضاء الذكورية، وبذلك، يصبح استهدافها من جانب ترامب رسالة سياسية موجهة إلى الداخل الأميركي بقدر ما هي مواجهة مع مؤسسة نقدية مستقلة.