أزمة الدولار تهدد المستقبل التعليمي لطلاب لبنان في الداخل والخارج

أزمة الدولار تهدد المستقبل التعليمي لطلاب لبنان في الداخل والخارج
صورة أرشيفية

تضرب الأزمات الشعب اللبناني منذ بداية العام الحالي بلا هوادة، فالانهيار الاقتصادي غير المسبوق من جهةٍ، وجائحة كورونا وتداعياتها الصحية والاقتصادية من جهةٍ أخرى، وكذلك انفجار مرفأ بيروت، أزمات كبرى متتالية تضرر منها جميع أفراد الشعب اللبناني تقريبًا، فلم ترحم كبيرًا أو صغيرًا، غنيًا أو فقيرًا، فالغني أصبح يوفر قوت يومه بصعوبة شديدة، والفقير أصبح معدمًا يكاد يهلك جوعًا، وكعادة الكوارث كان أكثر المتضررين من توالي الكوارث هم الأطفال، فسوء التغذية أصبح عاملا مشتركا بينهم، وانهيار المنظومة التعليمية أصبح أمرًا واقعًا ليس فقط داخل لبنان، ولكن خارجها أيضًا بسبب أزمة الدولارات التي أصبح العثور عليها في لبنان شبه مستحيل بشكل منع الأهالي من تحويل الأموال لأبنائهم الذين يتلقون تعليمهم في الخارج.

توفير الدولارات في لبنان شبه مستحيل.. والأزمة لن تنفرج قريبًا


ويشهد لبنان أسوأ انهيار اقتصادي منذ عقود، يتزامن مع شحّ الدولار وفقدان العملة المحلية أكثر من نصف قيمتها، عدا عن ارتفاع معدل التضخم؛ ما جعل قرابة نصف السكان تحت خط الفقر.


ودفعت هذه الأزمة مئات آلاف اللبنانيين للخروج إلى الشارع منذ 17 أكتوبر؛ احتجاجاً على أداء الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد والفشل في إدارة الأزمات المتلاحقة.


وتخلّف لبنان في مارس عن تسديد ديونه الخارجية، للمرة الأولى في تاريخه، وأقرّت الحكومة نهاية أبريل خطة إصلاح اقتصادية، طلب لبنان على أساسها مساعدة من صندوق النقد الدولي.


ويعقد مسؤولون من الطرفين اجتماعات متلاحقة منذ الشهر الماضي، ويتعيّن على الحكومات المقبلة إجراء إصلاحات فعليّة "لإعادة النظام المالي والاقتصادي إلى الوضع السليم".


ووصفت الأسر اللبنانية شروط تحويل الأموال لأبنائهم بالتعجيزية على كافة المستويات، خاصة بعد انهيار الليرة اللبنانية بشكل غير مسبوق في تاريخ لبنان، والشح الهائل في الدولار واستحالة توفيرها بشكل دائم.


ووصلت قيمة الدولار الأميركي إلى 8 آلاف ليرة لبنانية في السوق السوداء بلبنان؛ ما أصبح من المستحيل على المواطن اللبناني توفير المبالغ المطلوبة لاستمرار تعليم أبنائه في الدول الخارجية، فالجميع يسعى فقط لتوفير ثمن الطعام والشراب والدواء والاحتياجات الأساسية فقط.

انقطاع الكهرباء والإنترنت سيتحالف مع كورونا ليقضي على العملية التعليمية


الأزمة تزداد تشعبًا، ويصعب محاصرتها يومًا بعد يوم، فالخدمات الأساسية في لبنان أصبحت جميعها في خطر واضح، خاصة مع احتياج شركات الكهرباء ومولداتها لدولارات بشكل عاجل لتوفير معدات الصيانة وكذلك شركات الإنترنت التي تعاقدت مع الحكومة اللبنانية بمبالغ معينة ستقطع الخدمة عن لبنان إذا لم توفرها.


وشهد لبنان تهديدات بشكل واضح من شركة "كارباور شيب" التركية والتي تشغل باخرتي الطاقة أورهان بيه وفاطمة غول سلطان في لبنان، وأمهلت الشركة التركية لبنان شهرًا واحدًا لدفع المستحقات بالدولار الأميركي وإلا ستضطر لوقف تأمين التيار الكهربائي.


حيث تفوق مستحقات الشركة مع الفوائد نحو 163 مليون دولار، بعدما تراكمت، نتيجة عجز الدولة عن سداد الفواتير بالدولار نقداً منذ سبتمبر 2019 أي منذ قرابة 14 شهراً لم تتقاضَ الشركة التركية أي أموال من الدولة اللبنانية.


وبعد أن تردد بأن كهرباء لبنان عرضت على الشركة التركية سداد نصف قيمة المستحقات بالدولار ونصفها الآخر بالليرة اللبنانية، أكد مصدر مطلع على ملف الشركة التركية، في حديث إلى "المدن"، أن شركة كارباورشيب لم تحصل على أي دفعة مالية من الدولة بعد إرسال الكتاب، كما أنها لم تحصل على أي عرض حول آلية الدفع بالدولار والليرة من قِبل شركة كهرباء لبنان، وتؤمن شركة كارباورشيب 27% من إجمالي إنتاج الطاقة في لبنان. أي ما يعادل 4 ساعات كهرباء في اليوم.


وبالإضافة إلى ما سبق، تأتي الأزمة الأكثر تأثيرًا على الأعمال والتعليم في ظل الظروف الاستثنائية لتفشي فيروس كورونا، وهي خاصة بخدمة الإنترنت والمهددة أيضًا بالانقطاع عن لبنان كما ينص العقد الموقع بين الدولة اللبنانية وشركة كابلات الإنترنت البحرية imewe وقدموس، فعلى لبنان سداد اشتراكاته السنوية للاتحاد الدولي للاتصالات بالدولار الأميركي، وهو ما سيحول لبنان إلى جزيرة معزولة عن العالم.

أجلت دراستي في أوكرانيا وأعمل لأساعد أسرتي في لبنان


يقول ماهر حسن، 22 عامًا، طالب لبناني يدرس في أوكرانيا، الأعوام الماضية كانت أسرتي ترسل لي مبلغًا شهريًا يتراوح بين الـ500 والـ700 دولار بخلاف مصروفات التعليم، الآن أصبح الأمر شبه مستحيل فوالدي لا يجد الدولارات في السوق السوداء ويحتاج لما يقرب من الـ4 ملايين ليرة لتوفير فقط 500 دولار أميركي.


وتابع حسن: فجأة تحولت حياتي 180 درجة، فلا تعليم بلا طعام أو شراب أو سكن، وجدت نفسي مضطرًا للنزول إلى العمل، وأعمل في أحد المقاهي باليومية لتوفير قوت يومي، وطالبت الجامعة بتأجيل دراستي لعام قابل لتمديد حتى تنفرج الأزمة.


وأضاف: وإذا طال الأمر سيتبخر لدي كل أمل في إنهاء تعليمي والحصول على شهادتي، أحاول أن أضاعف ساعات عملي وأقتصد في مصروفاتي قدر الإمكان لتوفير بعض الدولارات التي أسعى لإرسالها إلى أسرتي كما أرسلوا لي الآلاف منها عندما كان ذلك متاحًا.


وأكد أن حتى هذا أصبح أمرًا شديد الصعوبة، فالتحويلات من لبنان أو إليها أصبح صعبًا وعندما أرسل مبلغًا يبقى معلقًا ويعود إليَّ من جديد بعد خصم جزء منه كرسوم تحويل، ويتم إخباري أن لبنان ليس بها دولارات ليتم صرف المبلغ من هناك فلذلك يتم إعادته لك هنا.

حاولت العمل وفشلت بسبب «كورونا».. وأعتمد على المؤسسات الخيرية


في السياق ذاته، تقول فاطمة الشامي، 24 عامًا، لبنانية تدرس في فرنسا، والدي يحاول بكل الطرق ويستخدم جميع معارفه ليستمر في إرسال الأموال لي، ويتوسل إليهم في المصرف بلبنان لتحويل مبلغ بسيط حتى أستطيع تدبير أموري دون جدوى، فبعد أن كنا أسرة ميسورة الحال للغاية أصبح الأمر أصعب مما كنا نتخيل.


وأضافت الشامي: حاولت مساعدة أسرتي بتقليل المبلغ الذي أتلقاه منهم شهريًا، وحاولت أكثر عن طريق البحث عن فرصة عمل، وبالفعل نجحت في ذلك ولكن لمدة شهرين فقط، وبدأت تداعيات فيروس كورونا في حصاري حصارًا مضاعفًا، فتم تسريحي من العمل في أحد صالونات التجميل بعد انغلاقها.


وتابعت: صاحب المسكن الذي أسكن فيه يتعاطف معي ويمهلني الوقت لتسديد ما يفوق الـ7 أشهر من المتأخرات، تقديرًا منه لظروف كورونا بشكل عام، وظروف لبنان بشكل خاص، ولكن أخبرني هذا الشهر أنه لن يستطيع مساعدتي أكثر من ذلك بسبب الصعوبات المالية التي يعاني منها الجميع بسبب تداعيات تفشي فيروس كورونا.


تقول فاطمة: لجأت لبعض الجمعيات الخيرية الإسلامية والعربية في فرنسا، وتلقيت مساعدات بسيطة تساهم في استمرار الحياة حتى تمر الأزمة التي تزداد تعقدًا في لبنان خاصة مع رفض المصارف اللبنانية تحويل المبالغ المطلوبة بالعملات الأجنبية، وتطبيق قانون "الدولار الطلابي"، الذي أقره البرلمان في أول أكتوبر الماضي، والذي يقضي بإلزام المصارف اللبنانية دفع مبلغ 10 آلاف دولار أميركي وفق سعر الصرف الرسمي للدولار، أي 1507 ليرات عن العام الدراسي 2020/2021 للطلاب اللبنانيين في الخارج، ليشمل المسجلين فقط قبل عام 2019، بحجة أنها لم تحصل على تعميم من المركزي في هذا الشأن.