أهالي «درعا» يعانون.. والانفلات الأمني «مسلسل مستمر»

أهالي «درعا» يعانون.. والانفلات الأمني «مسلسل مستمر»
صورة أرشيفية

يعيش أهل مدينة درعا في سوريا والتي عرفت إعلاميًا باسم "مهد الثورة" حالة من الحزن والقلق، تبدو الطرق شبة خالية على مدار اليوم، وتبدو المنازل وكأن أهلها قد هجروها، رغم أنهم متواجدون ومحتمون بجدرانها، حيث تنقسم درعا إلى قسمين، غربي ويحمل اسم درعا المحطة، وشرقي ويحمل اسم درعا البلد، ومن هناك بدأت أولى لحظات الثورة الثورية في منتصف مارس 2011، وسيطرت عليه فصائل المعارضة المسلحة في بدايات عام 2012 حتى استطاعت الحكومة استعادة سيطرتها عليه في يوليو عام 2018، بعد أن تم توقيع اتفاق مصالحة برعاية روسية بعد سنوات من العمليات العسكرية ضد الفصائل المسلحة التي كانت تسيطر عليه.

الانفلات الأمني هو المسيطر على درعا.. والمدنيون هم الضحايا

الشوارع اختلفت عن الماضي وأصبح جميع قاطنيها مهموماً لا يعرف ماذا يحمل الغد، عدد المواطنين قل إلى أقصى درجة بعد أن كان وسط المدينة لا ينام، البطالة تضرب الجميع والأوضاع تزداد سوءًا عاماً بعد عام.

ويرى مراقبون أن اختفاء المواطنين من الشوارع يرجع لغياب انتشار عناصر الجيش النظامي والقوى الأمنية وعناصر الشرطة في الطرقات والشوارع الرئيسية والفرعية، اللهم إلا بعض حواجز الجيش المنتشرة على استحياء.

من جانبه، رصد المرصد السوري حوادث جديدة في إطار الانفلات الأمني المسيطر على محافظة درعا، حيث هاجم مسلحون مجهولون حاجزاً تابعاً للمخابرات الجوية في بلدة الكرك الشرقي، دارت على إثرها اشتباكات بين الطرفين، كما انفجرت عبوة ناسفة في درعا البلد بمدينة درعا، بالإضافة لانفجار قنبلة يدوية في الحي الغربي من مدينة جاسم شمالي درعا، ولم ترد معلومات عن خسائر بشرية حتى اللحظة جراء الحوادث السابقة.

وترتفع أعداد الهجمات ومحاولات الاغتيال بأشكال وأساليب عدة عبر تفجير عبوات وألغام وآليات مفخخة وإطلاق نار نفذتها خلايا مسلحة خلال الفترة الممتدة من يونيو الماضي وحتى يومنا هذا إلى أكثر من 545، فيما وصل عدد الذين استشهدوا وقتلوا إثر تلك المحاولات خلال الفترة ذاتها إلى 361، وهم: 91 مدنياً بينهم 9 مواطنات و9 أطفال، إضافة إلى 175 من قوات النظام والمتعاونين مع قوات الأمن، و57 من مقاتلي الفصائل ممن أجروا تسويات ومصالحات، وباتوا في صفوف أجهزة النظام الأمنية من بينهم قادة سابقون، و19 من الميليشيات السورية التابعة لـ"حزب الله" اللبناني والقوات الإيرانية، بالإضافة إلى 19 مما يُعرف بـ"الفيلق الخامس".

أوضاع أمنية مرتبكة.. و"داعش" يحاول الاستفاقة والعودة إلى السيطرة

وكانت درعا قد شهدت تظاهرات عارمة منذ الشهر الماضي في مشهد وصفه مراقبون بأنه أعاد للمواطنين ذكرى البدايات للانتفاضة الشعبية في 2011 ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، حيث خرج أهالي مدينة بصرى الشام في ريف درعا، في تظاهرة ضمت آلافاً تطالب بإخراج الميليشيات الإيرانية وحزب الله من البلاد.

كما هتف المتظاهرون ضد النظام السوري ونادوا بإسقاطه، وحمَّلوه المسؤولية الكاملة في استمرار الانفلات الأمني في المحافظة، وخرجت التظاهرة أثناء تشييع قتلى «الفيلق الخامس»، الفصيل الذي أنشأته روسيا من مقاتلين سابقين في صفوف فصائل المعارضة ممن أجروا تسويات ومصالحات، واستهدف حافلة له تفجير السبت، نتج عنه قتلى وجرحى.

وتعد تظاهرة أمس هي الأكبر من نوعها منذ استعادة النظام السوري السيطرة على محافظة درعا في العام 2018، وشارك فيها أهالي معظم مدن وبلدات وقرى الريف الشرقي.

وكان المرصد السوري قد أشار قبل أيام، إلى أن محافظة درعا تشهد تصاعداً في الصراع الخفي بين الفيلق الخامس الذي أنشأته روسيا من جانب، والفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد من جانب آخر، ويتمثل الصراع الخفي بالمحاولات المستمرة من كل جانب لفرض نفوذه الكامل على درعا، فبعد أن ثبتت قوات الفيلق الخامس نفوذها وباتت القوى الأكبر على الأرض هناك، عادت الفرقة الرابعة إلى الساحة مؤخراً.

ووفقاً لمصادر المرصد السوري، فإن الفرقة الرابعة تسعى لاستقطاب الرجال والشبان خاصة المقاتلين السابقين لدى الفصائل مقابل رواتب شهرية وإغراءات أخرى، واستطاعت استقطاب دفعة مؤخراً تضم العشرات وجرى زجهم على الحواجز بعد إخضاعهم لدورات عسكرية بريف درعا الغربي، في المقابل لا تزال كفة الروس راجحة عبر الفيلق الخامس الذي يضم مقاتلين سابقين لدى الفصائل ممن رفضوا التهجير وأجروا ما يسميها النظام «تسوية ومصالحة»، إلا أن القوات الموالية للنظام في المنطقة لا تزال تتعرض بشكل دائم لهجمات واغتيالات.

وكان فلول تنظيم داعش الإرهابي قد شنوا هجومًا الشهر الماضي، على مواقع قوات النظام والمسلحين الموالين لها في أطراف الميادين من جهة بادية دير الزور، ودارت اشتباكات عنيفة بين الطرفين، ترافقت مع استهداف متبادل، تمكن عناصر التنظيم على إثرها، من قتل 8 عناصر من قوات النظام على الأقل، إضافة لأسر 3 آخرين.

الحياة تزداد صعوبة.. ولا توجد أسرة في درعا لم تذق نار الخطف والقتل

يقول عامر بلال، 45 عاماً، ويملك متجر أغذية في درعا، إن الحياة تزداد صعوبة يومًا بعد يوم في درعا، فالغالبية العظمى من سكان البلدة أصبحوا يفقدون قدرتهم الشرائية ولا ينزلون إلى الشوارع إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، فالإفلاس ضرب الجميع.

وأضاف بلال: لا يمر عام إلا ونجد أنفسنا نقول إن العام الماضي كان أفضل وننتظر تحسن الأوضاع، مضيفًا أن الأوضاع الأمنية في المدينة ليست مستقرة، الغلاء يتضاعف وفرص العمل معدومة وكثير من المواطنين أبناؤهم معتقلون أو لا تعرف عنهم شيئًا.

وتابع: المدنيون يجدون أنفسهم دائمًا في وسط اشتباكات بين مسلحين وقوات الجيش السوري والميليشيات مختلفة الولاء، ولا توجد أسرة في درعا لم تتعرض لعمليات خطف أو تصفية جسدية يقوم بها مجهولون بشكل دائم، الوضع غاية في السوء، والمواطنون فقدوا قدرتهم على التحمل وفقدوا رغبتهم في العيش.

قلب درعا يغلي كـ"البركان".. وقد ينفجر في أي لحظة

في السياق نفسه، يقوم إياد العلي، 33 عاماً، النظام يفرض سيطرة تامة على المحافظة حاليًا بشكل يقترب كثيرًا من الأوضاع قبل اندلاع الثورة في عام 2011، والسبب الحقيقي للانفلات الأمني هو عدم رضاء العناصر التي قامت بتسويات مع الأمن بعودة قوات النظام وسيطرتها من جديد، الوضع لن يستقر إلا بزوال أحد الفريقين فالعناصر المسلحة ترفض وجود نظام نهائيًا.

وأضاف العلي: المشهد في المدينة في الظاهر يوحي بالهدوء والاستقرار إلى حد ما، لكن في الحقيقة هو يغلي من باطنه كبركان قد ينفجر ويطيح بالجميع في أي لحظة دون سابق إنذار، التظاهرات الأخيرة اعتبرها البعض إنذاراً بأن الأوضاع أصبحت لا تحتمل وأن الانفجار اقترب كثيرًا، فالضغوط تزداد بشكل فاق قدرة المواطنين على التحمل.

وتابع: قبل خروج المتظاهرين في عام 2011، كان درعا بلد جميل يمتلئ بالمشاهد التي تسر الناظرين من مزارع وأشجار مثمرة وحقول وخضراوات على طول الطرق وكان يأتي إليها الزوار من كل شبر في سوريا وخارج سوريا كذلك، فدرعا ليست بلدة صغيرها فعدد سكانها كان يتجاوز المليون ونصف مليون نسمة وكانت يعتبرها الشعب سلة غذاء لسوريا بالكامل، معظم ما ذكرته في السابق تم محوه الآن أغلب الحقول أصبحت مقفرة وقاحلة، الأشجار المثمرة أصبحت يابسة والدمار والدخان في كل مكان، الجميع يحلم بالتخلص من الكابوس الحالي واستعادة أيام الماضي، ولكن حتى الآن لا يوجد ما يطمئن الناس.