بعد قبولها مقترح مصر.. هل حماس على أعتاب تحوّل استراتيجي؟
بعد قبولها مقترح مصر.. هل حماس على أعتاب تحوّل استراتيجي؟
مع تصاعد الجهود الإقليمية والدولية، تواجه حركة "حماس" في غزة مفترق طرق مصيري، الوضع الحالي يفرض عليها إعادة تقييم مواقفها بشأن التهدئة مع إسرائيل، وسط إشارات عن استعدادها لتقديم تنازلات جوهرية، بما في ذلك تبادل الأسرى والرهائن، بهدف التوصل لاتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار.
هذه التحركات تأتي في ظل ضغوط محلية ودولية، واستعداد الولايات المتحدة لاستقبال رئيسها المنتخب دونالد ترامب، الذي قد يغير قواعد اللعبة في المنطقة.
تشير التقارير أن الوساطات القطرية والمصرية اكتسبت زخمًا مؤخرًا، مع احتمال كبير لبلورة اتفاق يخفف من معاناة المدنيين في غزة ويهيئ الساحة لاتفاقات أوسع نطاقًا في المستقبل.
* استراتيجية جديدة للتهدئة*
قالت حركة حماس: إن وفدها اختتم زيارته إلى العاصمة المصرية القاهرة، حيث أجرى الوفد "حوارًا معمقًا مع حركة فتح حول تشكيل لجنة لإدارة قطاع غزة على طريق تطبيق ما تم التوافق عليه وطنيًا من اتفاقات شاملة لتحقيق الوحدة الوطنية والإنهاء الكامل للانقسام وآثاره المتعددة".
وأبلغ الوفد موافقة الحركة على المقترح المقدم من مصر حول تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي عبر آليات وطنية جامعة.
من جانبه، يرى د. محمد المنجي، أستاذ العلوم السياسية، أن حماس تمر بأزمة وجودية تدفعها لإعادة ترتيب أولوياتها، مضيفًا: أن الحركة بحاجة ماسة إلى التوصل لاتفاق تهدئة مع إسرائيل، مؤكدًا: أن الظروف الراهنة أجبرتها على التخلي عن مطالب سابقة، بما في ذلك عودة النازحين أو الانسحاب الفوري للقوات الإسرائيلية.
وأشار المنجي - في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن أي اتفاق مقبل سيحمل طابعًا مؤقتًا، لكنه سيضع قيودًا على حماس، خصوصًا فيما يتعلق بعودة المقاتلين إلى مناطق معينة في القطاع، قائلاً: "إسرائيل ستتمسك بوجودها العسكري في المحاور الاستراتيجية أطول فترة ممكنة".
كما نوه المنجي، إلى تأثير السياسة الأمريكية في هذا الإطار، مؤكدًا: أن "تهديدات الرئيس المنتخب دونالد ترامب بالتصعيد إذا لم تُبرم صفقة تبادل أسرى قبل تنصيبه ستكون حافزًا لتحريك الوساطات".
*تحركات دبلوماسية*
بحسب مصادر مطلعة، فإن الاتفاق المرتقب قد يتضمن بنودًا سرية تُعقد خلف الكواليس لضمان استمراريته وتفادي أي انهيار سريع، نظرًا لحساسية الوضع بين الطرفين.
ومن المتوقع أن يشمل الاتفاق الإفراج عن رهائن إسرائيليين تحتجزهم حماس في غزة، مقابل إطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.
هذه الخطوة قد تترافق مع إعلان وقف شامل لإطلاق النار يمتد لفترة محددة، يُرجح أن تكون بين ثلاثة إلى ستة أشهر، بهدف تهدئة الأوضاع ميدانيًا وإفساح المجال لمفاوضات أوسع نطاقًا.
ويرى مراقبون، أن هذا الاتفاق، حال إتمامه، سيكون اختبارًا حقيقيًا لفعالية الوساطات الإقليمية، خصوصًا تلك التي تقودها مصر وقطر، ومدى قدرة الطرفين على تحمل الضغوط الدولية المتزايدة، والتي تفرض تسويات غير مرضية بالكامل لأي من الجانبين.
ورغم أن حركة حماس تُظهر مرونة أكبر في هذه المرحلة، إلا إن وضعها يبدو هشًا مقارنة بالضغوط الهائلة التي تواجهها، سواء بسبب استمرار العمليات العسكرية في غزة، أو بسبب المعاناة الإنسانية المتفاقمة داخل القطاع.
ومع ذلك، قد تكون التهدئة فرصة للحركة لإعادة ترتيب أوراقها السياسية والداخلية، سواء عبر تثبيت نفسها في موقع السلطة من خلال تقاسم الإدارة مع السلطة الفلسطينية بموجب المبادرة المصرية، أو من خلال استعادة السيطرة على القطاع في وقتٍ لاحق.
في المقابل، يرى مراقبون، أن إسرائيل تستغل هذه اللحظة لتحقيق مكاسب استراتيجية طويلة الأمد، مثل تعزيز وجودها العسكري في مناطق حدودية حساسة، والتعامل مع مسألة إعادة النازحين بشروط مشددة تمنع أي تهديد أمني مستقبلي.
يُضاف إلى ذلك، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يواجه ضغوطًا سياسية داخلية ودولية؛ ما قد يجعله أكثر انفتاحًا على التهدئة المؤقتة التي قد تعزز مكانته داخليًا وتخفف من الانتقادات الخارجية.
*استعداد لتقديم تنازلات*
من جهته، قال د. ماهر صافي، المحلل السياسي الفلسطيني: إن الوضع الميداني والسياسي يعكس فرصة سانحة للتوصل إلى تهدئة، مضيفًا: أن هناك تحركات دبلوماسية مكثفة ودخول وسطاء جدد؛ مما يعزز إمكانية إنهاء القتال باتفاق مرحلي، هذا الاتفاق قد يشكل أساسًا لاتفاق شامل بعد انتهاء الحرب.
وأشار صافي - في تصريح لـ"العرب مباشر"-، أن قبول حماس بالمقترح المصري، الذي يتضمن تشكيل لجنة مشتركة لإدارة القطاع بمشاركة السلطة الفلسطينية وأطراف أخرى، يكشف استعداد الحركة لتقديم تنازلات.
وأضاف: "إسرائيل أيضًا تسعى إلى تهدئة مؤقتة تخفف الضغط السياسي على رئيس وزرائها، مع الحفاظ على خططها الاستراتيجية المدعومة أمريكيًا".
لكن المحلل السياسي الفلسطيني، شدد على أن الاتفاق المتوقع سيكون بعيدًا عن المطالب الأساسية لحماس، مثل رفع الحصار الكامل وعودة النازحين، وقال: "ستضغط القوى الإقليمية والدولية لدفع حماس إلى الالتزام بشروط الاتفاق، حتى وإن كانت تتعارض مع أهدافها الاستراتيجية".