تحويل متحف «آيا صوفيا» إلى مسجد يتوّج اضطهاد «أردوغان» للمسيحيين منذ سنوات

تحويل متحف «آيا صوفيا» إلى مسجد يتوّج اضطهاد «أردوغان» للمسيحيين منذ سنوات
صورة أرشيفية

لا تزال جرائم العثمانيين بحق المسيحيين الأرمن عالقة في أذهان الجميع، ورغم ذلك لا يتوقف الرئيس التركي عن مواصلة متاجرته بالدين وإثارة الفتن ليظهر كحامي الإسلام والمدافع عنه، مؤخرًا كانت ردود الأفعال الدولية غاضبة بشدة بعد إعلان أردوغان، فتح متحف آيا صوفيا في اسطنبول أمام المسلمين لأداء الصلاة، وذلك في أعقاب إبطال محكمة تركية وضعها الحالي كمتحف، وسط معارضة دولية كبيرة، أردوغان قرر أن "آيا صوفيا" ستوضع تحت إدارة رئاسة الشؤون الدينية وستفتح للصلاة، اليونسكو دعت السلطات التركية لفتح حوار دون تأخير لتجنب العودة للوراء فيما يتعلق بالقيمة العالمية لذلك الإرث الاستثنائي والذي سيخضع الحفاظ عليه لمراجعة من لجنة التراث العالمي في جلستها المقبلة.
 
العالم يستنكر.. وأردوغان يصر على المتاجرة بـ"آيا صوفيا"


قالت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) الجمعة: إن لجنة التراث العالمي ستراجع موقف آيا صوفيا بعد أن أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن المبنى الأثري في اسطنبول سيفتتح كمسجد، وجاء في بيان  لليونسكو "من المؤسف أن القرار التركي لم يكن محل نقاش ولا حتى إخطار مسبق".


وأضافت "تدعو يونسكو السلطات التركية لفتح حوار دون تأخير لتجنب العودة للوراء فيما يتعلق بالقيمة العالمية لذلك الإرث الاستثنائي والذي سيخضع الحفاظ عليه لمراجعة من لجنة التراث العالمي في جلستها المقبلة".


في السياق ذاته، أبدى الاتحاد الأوروبي أسفه بشأن قرار المحكمة العليا ببطلان قرار تحويل هذا المبنى إلى متحف، وقال جوزيف بوريل كبير مسؤولي السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي إن "حكم مجلس الدولة التركي بإبطال أحد القرارات التاريخية لتركيا الحديثة وقرار الرئيس أردوغان بوضع هذا الأثر تحت إدارة رئاسة الشؤون الدينية مؤسفان" .


ومن جانبها، أبدت واشنطن "خيبة أملها" إزاء تحويل تركيا آيا صوفيا إلى مسجد، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية مورغان أورتاغوس، نحن مدركون لحقيقة أن الحكومة التركية ستلتزم بإتاحة آيا صوفيا لجميع الزائرين، ونتطلع لسماع خطط أنقرة بشأن إشرافها المستمر على آيا صوفيا بما يضمن إمكانية أن يزور الجميع المكان من دون عائق.


ونقلت وكالة الأنباء الروسية "إنترفاكس" عن المتحدث باسم الكنيسة فلاديمير ليغويدا قوله "نلاحظ أنه لم يتم الإصغاء إلى مخاوف ملايين المسيحيين"، ولم تلقَ مخاوفها اهتمامًا وقُضي بعدم قانونية تحويل مسجد "آيا صوفيا" في اسطنبول لمتحف وفقًا لمرسوم حكومي يرجع لثلاثينيات القرن العشرين، وقالت الكنيسة الروسية إن القرار قد يثير انقسامات أكبر.


واستنكرت الحكومة اليونانية القرار التركي، وأكدت أنّ قرار القضاء بفتح الطريق أمام تحويل كنيسة آيا صوفيا في اسطنبول إلى مسجد، "استفزاز للعالم المتحضر".
 وندد رئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس "بأشد العبارات" بقرار تركيا تحويل متحف آيا صوفيا في اسطنبول إلى مسجد.


وقال مكتب ميتسوتاكيس في بيان "هذا اختيار يسيء إلى كل أولئك الذين يعترفون بهذا المعلم الأثري باعتباره موقع تراث عالميًا، مضيفًا وبالطبع لن يؤثر فقط على العلاقات بين تركيا واليونان، وإنما أيضًا على علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي.


وقالت وزيرة الثقافة اليونانية لينا مندوني في بيان إنّ النزعة "القومية التي يبديها الرئيس (التركي رجب طيب) أردوغان تعيد بلاده ستة قرون إلى الوراء".
 
أردوغان يضطهد المسيحيين.. وعشرات العائلات هربت من تركيا في السنوات الأخيرة


مع بداية تولي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حكم تركيا وسيطرة حزبه الإسلامي على مقاليد الحكم انحرفت تركيا تدريجيًا عن مكانتها التاريخية كجسر طبيعي بين الشرق والغرب، وزادت معاناة المسيحيين بشكل ملحوظ حسب تحليل أجرته المنظمة الدولية لرعاية المسيحيين، لم يعان في تركيا المسيحيون فقط بل جميع الأقليات الدينية خلال العقود الماضية حيث واجه الجميع اضطهادًا مستمرًا.


التقارير الدولية أكدت أن تركيا من أكثر الدول التي تقطنها أغلبية مسلمة، مع أقليات دينية مهمة. لكن أعدادهم انخفضت في العقود الأخيرة، حيث واجه الكثير منهم اضطهادًا متزايدًا.


وأوضح مراقبون أن حزب أردوغان، العدالة والتنمية، قد تحوّل من الدفع بالإصلاحات المؤيدة للحريات، إلى حزب محدود التفكير، مذعور، استبدادي، مضيفين أن هناك تفضيل واضح للجزء المهيمن من المواطنين الأتراك، وقالت لكي تكون تركيًّا جيدًا، يجب أن لا تكون مسلماً فحسب، بل مسلماً سنياً.


وفي كتابه للمحكمة الجنائية الدولية، جادل كل من كولتون غريلير، مرشح الدكتوراه في كلية الحقوق بجامعة ليبرتي، وأليسا هايزي، متدربة في المحكمة الجنائية الدولية، بأن تركيا، أظهرت علامات واضحة على الرغبة في أن تصبح دولة إسلامية سنية كعقاب من أردوغان للاتحاد الأوروبي على عدم قبوله انضمام تركيا إلى الكيان الأوروبي الضخم.


وأشاروا إلى حالة القس أندرو برانسون، الذي أدلى بشهادته في الجلسة. حيث اتهمت الحكومة التركية برانسون، الذي كان يعمل كمبشر في البلاد، بالتجسس وسجنته لمدة عامين. ومع ذلك، خلص فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي في وقت سابق من هذا العام إلى أنه تعرض للاضطهاد بسبب إيمانه المسيحي.


وبرانسون ليس المسيحي الوحيد الذي واجه ضغوطًا من الدولة وقال في شهادته الحكومة التركية سرعت في طرد الأجانب المسيحيين من تركيا، وقد اضطرت عشرات العائلات البروتستانتية إلى مغادرة البلاد في السنوات الأخيرة.


وقال الباحث في الشؤون الدولية في مركز كارنيغي ألكسندر جورلاخ، إن مستقبل المسيحيين في تركيا مهدد بسبب الاضطهاد المستمر وعدم التسامح الناجم عن سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وقال جورلاخ "مع انشغال العالم بمحاربة جائحة كورونا، التي سببت ركوداً عالمياً وبطالة اجتماعية، تحاول الحكومة التركية استغلال هذا الوضع للضغط أكثر على الأقليات".


وأضاف، إن تهميش المسيحيين في تركيا ينمو بسرعة حيث يتبنى أردوغان مزيجاً من العثمانية والسياسات العنيفة، ويحاول استهداف الأقليات الدينية لفشله في كل من سوريا وليبيا، محاولًا كسب تأييد الغالبية العظمى من الأتراك.


ومن الأمثلة الحديثة على ذلك مصادرة الأراضي وتدمير كنائس الآشوريين، وهي واحدة من أقدم المجتمعات المسيحية، وكذلك اضطهاد القس السرياني سيفر بلسان، والذي يعدّ دليلاً على انتهاكات الحقوق التي تواجهها الأقليات الدينية في تركيا.


وختم "جورلاخ": "إن مصير سيفر بلسان، الذي لا يزال ينتظر حكمه، يعكس مصير أقلية ليس لها مستقبل مؤكد في وطنها".
 
التركي المسيحي مواطن "درجة ثانية".. وأردوغان يراهم جميعًا "جواسيس"


في السياق ذاته، ندد تقرير بريطاني أعد بطلب خاص من وزير الخارجية البريطاني جيرمي هنت، بممارسات حكومة العدالة والتنمية فيما يتعلق بالاضطهاد الديني للمسيحيين، الأمر الذي نجم عنه هجرات جماعية خلال العقدين الماضيين.


وبحسب النتائج التي توصل إليها التقرير، فإن الحزب الحاكم في تركيا بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان قد عمل على تأجيج التحريض ضد المسيحيين، والعمل على تشويه سمعتهم بطرق ممنهجة، وجعل منهم مواطنين درجة ثانية أو ثالثة بسبب اعتناقهم للمسيحية فقط.


وأشار هنت إلى أن قضية اضطهاد المسيحيين تأتي على رأس اهتمامات وزارته، مضيفًا: "لعبت (اللياقة السياسية) دورًا في عدم التطرق لهذه المشكلة، كما أن هناك قلقًا في غير محله بشأن أن يكون الخطاب المرتبط بالمسألة صادرًا من (دولة استعمارية سابقة)".


واستطرد قائلاً: "علينا أن ندرك أن التقرير الذي أعده أسقف كنيسة تورورو فيليب ماونستيفن، أشار بشكل حاسم إلى أن المسيحيين هم أكثر الجماعات الدينية اضطهادًا"، وفق ما نقلت صحيفة "غارديان" البريطانية.
وتابع: "كنا غافلين عن قضية اضطهاد المسيحيين، وبرأيي فإن تقرير الأسقف إلى جانب الأحداث الدامية التي وقعت مؤخرا في سريلانكا قد أيقظت الجميع بطريقة صادمة لمعالجة الأمر".


التقرير كشف أن النظام التركي يصور المسيحيين على أنهم يمثلون تهديدًا لاستقرار الدولة، وغالبًا ما يتم التعامل مع المسيحيين الأتراك على اعتبار أنهم ليسوا أتراكًا حقيقيين، وإنما كأشخاص متعاونين مع جهات غربية وجواسيس يسعون لزعزعة استقرار البلاد، وعرّض خطابُ الكراهية ضد المسيحيين الذي ينشره زعماء دينيون ووسائل إعلام حكومية، سلامةَ المسيحيين للخطر، كما زاد من تعصب المجتمعات".


ولفت الوزير البريطاني إلى أن التقرير توصل إلى 3 دوافع وراء اضطهاد المسيحيين تتمثل في فشل النظام السياسي، الأمر الذي يخلق أرضية خصبة للتطرف الديني، وصعود اليمين المتطرف كما هي الحال في تركيا، فضلاً عن ضعف نظام المؤسسات وتراجع قيم العدالة وسيادة القانون، مما يجعل الظروف ملائمة أمام المتطرفين.

 
لا نتجاوز الـ1% من إجمالي السكان.. ولن نترك وطننا؛ لأننا غير مرغوب فينا


من جانبه يقول، جورج سام، 40 عامًا، تركي مسيحي: أعدادنا قليلة للغاية في تركيا، فلا نتجاوز الـ 1% من إجمالي عدد السكان، ندرك جيدًا أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة التركية، ولكن إلى أين نذهب فهذا وطننا ولا يصح أن نتركه لمجرد أن يخبرنا أحد أننا غير مرحب بنا، فكيف يستطيع شخص بأن يخبرني بأنني غير مرحب بي في بيتي.


وتابع سام، المواطن الحقيقي في تركيا هو المسلم فقط، أما غير المسلمين من مسيحيين أو غيرهم فهم محل شك دائمًا ولا يتمتعون بنفس الحقوق، أما عن الحرية الدينية فهي أمور نسمع عنها فقط ولا نراها.


يقول سام منذ سيطرة حزب العدالة والتنمية وممثله الأبرز أردوغان على مفاصل الدولة التركية أدركنا أننا غير مرحب بنا بسبب ممارسات مؤيدي هذا الحزب، فمنذ مطلع الألفية الثالثة بدأنا التأكد من كوننا مستهدفين، فبدأنا نرى هجمات واغتيالات تهدد وجودنا ولم ننسَ حادث اغتيال القس الإيطالي الكاثوليكي أندريا سانتورو في مدينة طرابزون على البحر الأسود عام 2006، وكذلك حادث طعن قس كاثوليكي آخر بعدها بعام واحد ولم يكتفِ عام 2007 بطعن القس، بل شهد هجومًا على دار نشر إنجيلية تدعى "زيرفه" في مدينة مالاتايا قتل فيه ثلاثة مسيحيين بالإضافة إلى مقتل الصحفي الأرمني الشهير هرانت دينك في اسطنبول على يد إرهابي متعصب.

 
الجميع يضطهدنا تماشيًا مع سياسات "أردوغان وحزبه"


في السياق ذاته، يقول مايكل دورا، 44 عام، خلال الأعوام الأخيرة زادت حدة المعاناة، فالاضطهاد أصبح أمرًا واقعًا، الحزب الحاكم في تركيا يزرع متعمدًا الكراهية في قلوب الشعب التركي تجاهنا متناسيًا أننا نحن أيضًا أتراك ولسنا أعداء.


وأضاف، رغم الظروف الخاصة بتفشي فيروس "كورونا" إلا أن هذا لم يمنع المتطرفين من الإساءة إلينا، فشعرنا بالحزن من توالي الهجمات التي باتت تطول حتى المقابر التابعة لنا ففي فبراير الماضي تم تدمير 20 من شواهد القبور في منطقة أورتاكوي المسيحية، حاولنا تقديم شكوى عاجلة للشرطة وبالفعل نجحت في القبض على 6 أشخاص متورطين في تدمير شواهد القبور.. ولكن تم إطلاق سراحهم بعد 9 أيام بدون توجيه أي تهمة لهم.


وتابع مايكل، لا نعلم لماذا تتراخى الشرطة بهذا الشكل، فحتى عندما أخبرت الشرطي أن من دمر المقابر جمع الصلبان الخشبية وقام بحرقها، ابتسم وأخبرني أنه لا توجد مشكلة وسيتم القبض على الجناة قريبًا، ولم يحدث ذلك مما جعل جميع المتطرفين يدركون جيدًا أن الدولة تدعمهم بشدة وتبارك عنفهم وتصرفاتهم غير الإنسانية.


وأشار مايكل إلى أن تركيا ليس بها شبر واحد آمن لحياة المسيحيين، فالحكومة تتعمد نشر التطرف والكراهية وتضع بذورها في المناهج التعليمية والتي تصور المسيحيين على أنهم أعداء وخونة وكذلك الصحف والقنوات التلفزيونية تقدم في برامجها تشويها دائما لنا بناء على أوامر وسياسات الدولة التركية.٣


مؤكدًا أن الكثير من المسيحيين يشعرون بالقلق على سلامتهم مع تزايد التطرف في المجتمع التركي تحت أنظار الحكومة، فالأمر لم يعد يقتصر على المشكلات الأمنية فقط، بل يتعلق بسياسات الدولة التركية وموقفها بالكامل، حيث يُنظر للمسيحيين على أنهم أجانب عن البلد وأعداء وخونة.