نساء الجزائر يروين معاناتهن مع العنف المجتمعي

نساء الجزائر يروين معاناتهن مع العنف المجتمعي
صورة أرشيفية

تعاني النساء في الجزائر من أشكال مختلفة من العنف اللفظي والنفسي والجسدي أيضًا، الأمر الأكثر حدوثًا وإثارة للجدل هو العنف الذي تتعرض إليه من شريك حياتها أو ما يسمى بالعنف الزوجي، الجزائريات أوضحن أنهن قررن الخروج عن صمتهن بعد أن فقدن القدرة على الاستمرار وتحملهن لحياة تفتقر لأدنى درجات الاحترام المتبادل والاستقرار العائلي والتنشئة السليمة لأطفال يرون بأعينهم مآسي لا تنتهي.

العنف ضد المرأة.. أزمة عالمية مستمرة رغم الجهود الدولية

وتؤكد المنظمة الدولية للمرأة "يونيغم" أن صور العنف ضد المرأة تختلف من دولة إلى أخرى وتزداد حدتها من مكان إلى آخر، أما عن أشهر صور العنف الموجهة ضد النساء في أماكن مختلفة من العالم فكشفت المنظمة الدولية للمرأة أن الأبرز في الوقت الحالي هي عمليات الختان حيث تتعرض 120 مليون فتاة سنويًّا لهذه العملية، وكذلك عمليات الاغتصاب وتتعرض لها 700 ألف امرأة سنويًّا في الولايات المتحدة الأميركية فقط.

وتابعت المنظمة في تقريرها، أن نسبة عمليات قتل النساء على أيدي أزواجهن 50% من إجمالي عمليات القتل في بنجلاديش، وفي بريطانيا يتلقى رجال الشرطة مكالمة كل دقيقة من النساء اللاتي يتعرضن للعنف داخل المنازل طلبًا للمساعدة.

أما عن جنوب إفريقيا فتحمل رقمًا مفزعًا للغاية حيث تتعرض هناك 1411 امرأة يوميًّا للاغتصاب وهو أعلى معدل في العالم، والصورة الأخيرة من العنف الموجه ضد المرأة على مستوى العالم هي العنف في سوق العمل، حيث تعد سريلانكا من أكثر الدول تصديرًا للعاملات في البيوت، و25% منهن واجهن مشاكل تمثلت إما في الاعتداء عليهن أو الامتناع عن دفع أجورهن.

معاناة الجزائريات.. السلطات تتقاعس وتطالب المرأة بأدلة غير معقولة

منظمات دولية أكدت أن ضحايا العنف الأسري في الجزائر غالبًا ما يجدن أنفسهن عرضة لمزيد من سوء المعاملة، رغم صدور قانون جديد يجرم الإساءة الزوجية، وذلك بسبب تقاعس الشرطة وعدم كفاية أماكن الإيواء وعدم إجراء تحقيقات وملاحقات فعالة.

وأضافت: أن الناجيات من العنف الأسري يخَضن صراعًا شاقًّا من أجل تحقيق العدالة والأمان الشخصي، حيث يواجهن الوصم الاجتماعي، ويعتمدن على المعتدين عليهن اقتصاديًّا، ويعانين من نقص الملاجئ، وعدم تعامل الشرطة والمدعين العامين والقضاة بشكل مناسب مع التحقيق في الإساءة، ووجود عقبات قضائية مثل المطالبة بأدلة غير معقولة.

مشددين على أن السلطات الجزائرية لا بد أن تعمل على زيادة الدعم لضحايا العنف الأسري، بما في ذلك توجيه الشرطة والمدعين العامين إلى التحقيق في القضايا وملاحقة مرتكبيها، وتحسين طاقة استيعاب مراكز الإيواء، وتعزيز أوامر الحماية لمنع المعتدين من إلحاق مزيد من الأذى بهن.

التقارير الحقوقية أكدت أن أعداد النساء الجزائريات المتعرضات إلى العنف زادت بشدة منذ تفشي فيروس كورونا خلال العام الجاري وما صحب التفشي من إجراءات احترازية أجبرت الأسر على البقاء في المنازل فترات طويلة؛ الأمر الذي زاد من نسب جرائم العنف ضد المرأة.

وأكدت التقارير أن الأعداد الرسمية المعلنة لا تصل إلى 25% من الأرقام الحقيقية حيث تبقى الحصيلة النهائية محاطة بجدار من السرية حفاظًا على التماسك الأسري وخوفًا من مستقبل مجهول.

عدم وجود قانون رادع.. وخوف المرأة سبب تفاقم الأزمة

من جانبها، ترى عويشة بختي، الناشطة الحقوقية والمحامية الجزائرية، أن عدم وجود قانون رادع في الجزائر هو أحد أبرز الأسباب وراء تفشي ظاهرة العنف ضد النساء، مؤكدة أن الجزائر تحصي سنويًّا عددًا هائلًا من حالات الاعتداء ضد النساء وترتفع نسبيًّا بسبب تزايد السلوك العدواني ضد النساء في أغلب الولايات الجزائرية.

وأضافت بختي: لا نملك أرقامًا رسمية حقيقية تعكس حجم تلك الظاهرة الكارثية، بسبب أن الغالبية العظمى من النساء في الجزائر يرفضن الكشف عن الاعتداءات التي يتعرضن لها سواء كانت اعتداءات أسرية وزوجية أو في الشارع أو في محل العمل.

وتابعت بختي: هناك أنواع مختلفة للعنف ضد النساء في بلادنا، البعض منه مصدره عائلي يتورط فيه الزوج أو عضو آخر من العائلة مثل الأخ مثلًا، وبعضه خارجي تواجهه المرأة في كل مكان، موضحة أن طبيعة العنف تختلف من حالة لأخرى فالبعض يلجأ إلى تعنيف المرأة عن طريق الألفاظ والمصطلحات غير اللائقة والتي تؤثر بشكل مباشر عليها، كما أن فريقًا آخر لا يجد أي حرج في استعمال العنف الجسدي ضدها والذي يصل أحيانًا حد التعذيب الجسدي والقتل.

زوجي يتعمد ضربي أمام أطفالي.. وابني أصبح مريضًا نفسيًّا

تقول عفاف.م، 38 عامًا، وهي أم لثلاثة أطفال، وإحدى ضحايا العنف الزوجي، احتملت سنوات طويلة من الإهانات التي وصلت إلى حد التعذيب الجسدي، كنت أعيش في منزل يشبه المعتقلات وأتعرض للضرب والاعتداء لأبسط الأسباب وأحيانًا دون أسباب على الإطلاق.

وأضافت: قررت بعد احتمال سنوات طويلة أن أكسر جدار الصمت وبالفعل ذهبت لتقديم شكوى لدى الأجهزة الأمنية المعنية التي أحالت قضيتي إلى القضاء الجزائري للنظر في طلاقي وعقاب زوجي.

أخبرت المحامي بكل شيء حول معاناتي، زوجي أدمن المخدرات ومن بعدها بدأت رحلة مريرة من انفلات الأعصاب لأبسط الأسباب، صبرت عدة سنوات أملًا في تغير الأحوال ولا يحدث إلا زيادة عدة العنف، قرار الشكوى جاء بعد أن تكرر الاعتداء عليَّ أمام أطفالي أكثر من مرة.

تقول عفاف: أحد أطفالي قام بضرب شقيقته بلا سبب تقريبًا وأخبرني عندما عنفته أن ذلك أمر طبيعي، موضحًا أن من حقه ضرب شقيقته إذا ما شعر بالضيق للتنفيس عن غضبه، شعرت بالصدمة وقررت وقتها أن الصبر أكثر من ذلك على زوجي يعني خروج جيل جديد مريض نفسيًّا، وأشفقت على بناتي أن يعشن ما عشته أنا من عذاب.

نشارك في زيادة العنف ضدنا "بالصمت" والتحمل لأجل "سير المراكب"

في السياق ذاته، تقول هند،ش، 40 عامًا، أم لطفلين، وتعمل معلمة، نحن كنساء شركاء في تدهور الأوضاع، صمتنا عن التعرض للعنف سبب رئيسي في زيادة نسبة العنف، نتعرض للعنف الجسدي واللفظي والنفسي في المنزل والشارع ومحل العمل أيضًا ونحتمل ذلك دون شكوى، ففي المنزل نقنع أنفسنا أن صبرنا على العنف أملًا في تحسن الأحوال وخوفًا على الاستقرار الأسري وحتى لا نحرم أطفالنا من آبائهم، وفي الشوارع نتجاهل العنف الذي نتعرض له بسبب الوصم المجتمعي لكل امرأة تسعى لأخذ حقوقها، وفي العمل نتحمل العنف والتجاوز حتى لا تتوقف المركب ونتعرض للفصل في ظل احتياجاتنا المادية للعمل، فدائمًا ما نصمت على حقوقنا في سبيل ألا تتوقف مراكب الحياة عن السير.

وتابعت: زوجي يستولي على راتبي وليس من حقي شراء شيء لنفسي، وإن حاولت الاعتراض على ذلك وإخباره أنني أعمل ومن حقي الحصول على جزء من راتبي لشراء احتياجاتي التي يرفض توفيرها لي يتحول الأمر لشجار عنيف ينتهي دائمًا بضربي وإهانتي، فكرت أكثر من مرة في ترك العمل ولكن أتحمل من أجل أبنائي واحتياجاتهم.

تضيف هند: أول حادثة تعرض للعنف الزوجي كانت بعد 3 أسابيع بالضبط من زواجنا، بداية الأمر كانت مجرد دفعة صغيرة ومع صمتي وتجاوزي تطور الأمر بعد سنوات ليصبح ضربًا بالعصي والآلات الحادة وإحداث إصابات تستدعي دخولي إلى المستشفيات.

وأشارت هند إلى أن قرارها بشكوى زوجها رسميًّا جاء بعد اعتدائه عليها بشكلٍ قاسٍ أفقدها وعيها وأصابها بنزيف داخلي حاد؛ ما دفع شقيقة زوجي لأخذي إلى أقرب مستشفى وهناك أصرت شقيقة زوجي على أن أقاضيه رسميًّا وفوجئت بالطبيب كان قد أبلغ الشرطة خوفًا من وفاتي بسبب الإصابات وكتب الطبيب تقريرًا طبيًّا بالإصابات التي تم تصنيفها كشروع في قتل، وبعد يومين ذهبت إلى مركز الشرطة لتحرير محضر لزوجي بالشروع في قتلي.