تجاهل مصلحة جيرانه.. "أردوغان" يهدد ملايين العراقيين بـ«الموت عطشًا»
تتكالب الأزمات على العراقيين منذ تفشي وباء "كورونا" وتزداد الحياة صعوبة بسبب أطماع الجيران وعلى رأسهم النظامين الإيراني والتركي، أما الأكثر إيذاءً لأهل العراق بلا منافس فهو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي لم يكتفِ بدعم الميليشيات المسلحة في العراق ومحاولة العبث بالأمن الداخلي للبلاد، ولا بقصفه دون أسباب واضحة واعتدائه على السيادة العراقية، بل عرّض أردوغان كل أهل العراق لخطر الشح المائي بسبب السدود التي يصر على بنائها وتسببت في قلة تدفق المياه في نهري دجلة والفرات إلى سهول العراق الجافة مما يهدد حياة الملايين، مما زاد من حدة الاتهامات الموجهة إلى تركيا باستخدامها لورقة المياه لابتزاز جيرانها.
المياه لا تصل إلى العراق من تركيا.. و«خارجية أردوغان» لا تجيب
من جانبه، أعلن وزير الموارد المائية في العراق مهدي راشد الحمداني، أن بلاده ستواجه شحًّا بالغًا في المياه إذا لم تبرم اتفاقيات مع تركيا المجاورة بشأن مشروعات أنقرة للري والسدود، التي قللت من تدفق نهري دجلة والفرات إلى السهول الجافة للعراق، موضحًا أن نهرَيْ دجلة والفرات، اللذين ينحدران من جبال جنوب شرقي تركيا ويمتدان عَبْر سوريا ثم العراق قبل أن يصبا في الخليج، مصدر المياه الرئيسي للعراق والضروري من أجل الزراعة.
وأوضح الحمداني، أن متوسط قياسات التدفق، من الحدود مع تركيا في شمال العراق، أقل بنسبة 50% هذا العام مقارنةً بالأعوام السابقة، وشهد هذا العام أيضاً تراجعاً في معدل هطول الأمطار السنوي بنسبة 50% مقارنة بالعام الماضي، وفقاً للوزير.
وقال الحمداني: "طلبنا من وزارة الخارجية إرسال رسالة عاجلة لوزارة الخارجية التركية، لتسألهم عن سبب انخفاض تدفق المياه إلينا"، مضيفاً أن العراق ما زال ينتظر ردًّا من تركيا.
ولم يشعر المواطن العراقي بعد بآثار انخفاض التدفق، ويعود الفضل بذلك إلى الخزان في سد "حديثة" على نهر الفرات في العراق والذي يعوض النقص، حسبما قال الحمداني.
يُذكر أن السنوات الماضية شهدت توتر العلاقات بين العراق وتركيا بسبب مشروع أنقرة لبناء سد لتلبية احتياجاتها من الكهرباء، وأثّر هذا بشكل بالغ على تدفق المياه إلى العراق.
ومع تداعيات تغير المناخ، فضلاً عن مشروعات كهرومائية مستقبلية في تركيا، تقدر الوزارة أن العراق سيواجه نقصا بحوالي 10.5 مليار متر مكعب من المياه بحلول عام 2035، وفقاً لدراسة داخلية أجرتها.
الوضع الدولي المتخاذل يساعد أردوغان على تهديد العراق وسوريا بالعطش
السدود التي بنتها وتبنيها تركيا أدت إلى تراجع حصة العراقيين من النهر، حيث تسبب سد "إليسو" في انخفاض حصة العراق من مياه النهر بنسبة تصل إلى 60 في المئة، وتتعارض ممارسات تركيا بشأن مياه نهري دجلة والفرات مع القوانين الدولية، خاصة الاتفاقيتين الدوليتين لعام 66 و97 من القرن الماضي، وأيضا مع الاتفاقيات الثنائية التي وقعتها مع سوريا والعراق.
ويرى مراقبون أن تركيا تستخدم الماء كأداة في الحرب ضد سوريا والعراق، موضحين أن النظام التركي يرى في الماء سلعة تجارية وهو أمر يخالف القوانين والأعراف الدولية، حيث تشدد الاتفاقيات الدولية على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار حاجيات الدول من الماء وتحظر على تركيا، في هذه الحالة، اتخاذ أي إجراء من شأنه الإضرار بتلك الدول.
وأضاف المراقبون، أن ورقة المياه التي يلعب بها أردوغان لا تختلف كثيرًا عن ما يقوم به النظام التركي من تدخل عسكري وقصف جوي فأردوغان يطمح لسيادة المنطقة وفرض سيطرته الكاملة عليها، ويساعده في ذلك الوضع الدولي الهش".
الأمم المتحدة تؤكد.. استمرار المخطط التركي سيتسبب في نزوح ملايين العراقيين
المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة كشفت في تقرير لها صدر مؤخرًا أن منسوب المياه في دجلة والفرات يتراجع بشكل مفزع وغير مسبوق، موضحًا أن استمرار المخطط التركي سيتسبب في نزوح قسري لتجمعات سكانية عراقية بالكامل تتجاوز أعدادها الملايين من السكان.
وأشار خبراء أن الأزمة لم يشعر بها كامل العراقيين حتى الآن، رغم أن نقص المياه والتلوث والمستويات المرتفعة من الملوحة أدت إلى إصابة العديد من العراقيين بالأمراض، ودفعتهم إلى الخروج في مظاهرات عنيفة في صيف 2018 في أنحاء جنوب العراق.
وأوضح مراقبون أن العراق أرسل العديد من الرسائل إلى النظام التركي بشأن خطط السلطات التركية الخاصة بسد إليسو إلا أن أنقرة ردت فقط "بالكثير من الأعذار"، واختتمت أعذارها بقولها إن من حق الأتراك بناء سد أو عدة سدود متناسين أن من حق العراقيين أيضًا إلا يهدر نصيبهم من المياه، وتوقفت المفاوضات بعد تفشي وباء كورونا في العالم، وتسبب ذلك في تأجيل اجتماع بين مسؤولين عراقيين وأتراك إلا أن العراق طالب بعقد اجتماع بديل عبر الإنترنت لإحياء المحادثات التي تتعمد تركيا إهمالها إلا أن الجانب التركي لا يزال يصر على تجاهل الرد على الجانب العراقي.
البرلمان العراقي يصفها بـ"حرب المياه" والردود التركية "استفزازية"
من جانبهم أكد المسؤولون الأتراك أن مفاوضات ضمان حصة معينة من المياه للعراق أمر مستحيل تنفيذه بسبب قضايا تغير المناخ في العالم، مضيفين أن في داخل تركيا لا يرتفع منسوب نهر دجلة عن 350 في المتوسط ومن الصعب الحديث عن حصص معينة من المياه، موضحين أن الأمر غير قابل للتوقع حاليًا خاصة أن العراق يطالب تركيا بضمان ما لا يقل عن 500 متر مكعب من المياه في الثانية.
الاستفزاز التركي دفع نائبًا في البرلمان العراقي لمطالبة حكومة بلاده بالضغط على الجارة تركيا، من أجل زيادة حصة العراق المائية، وذلك عقب تشغيل أنقرة لسد جديد فوق نهر دجلة.
وأضاف، النائب "منصور البعيجي"، عضو لجنة الزراعة والمياه في البرلمان العراقي في تصريحات إعلامية إنه ينبغي على حكومة بغداد استخدام الملف الاقتصادي للضغط على دول منابع المياه من أجل زيادة حصة العراق المائية، واصفًا الأمر بـ"حرب المياه".
وطالب رئيس الوزراء "مصطفى الكاظمي" باستخدام كل الوسائل المتاحة، لا سيما الأدوات الاقتصادية، للضغط على تركيا في ملف المياه، مناشدًا السلطات بعدم اتخاذ موقف المتفرج جراء ما يحصل من "حرب المياه" التي يتعرض لها العراق منذ فترة طويلة من دول المنبع.
وأضاف البعيجي، يجب أن تزداد حصة العراق المائية من قِبل دول المنبع، ذلك أن حرب المياه لا تقل خطورة عن الحرب ضد عصابات داعش الإرهابية، لأنها ستدمر الزراعة في بلدنا خصوصا بعد هبوط أسعار النفط بسبب جائحة كورونا".
يذكر أن حجم التبادل التجاري بين بغداد وأنقرة في 2019، قد بلغ نحو 16 مليار دولار أميركي، ويستورد العراق من تركيا المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية.
لا مجال للتهاون.. وسنذهب لهدم السد التركي بأيدينا إذا تطلب الأمر ذلك
يقول جاسم الحسن، 38 عام، مهندس زراعي عراقي، أن بدء تركيا في ملء خزان سد "إليسو" يمثل خطورة بالغة على النشاط الزراعي في العراق بأكمله، وسيتسبب في تعطيش ملايين العراقيين.
وأضاف، أن العراقيين من الأساس يعانون من نقص المياه منذ عدة أعوام مما دفع السلطات العراقية لاتخاذ إجراءات مثل حظر زراعة الأرز، وتسبب كذلك نقص المياه في هجر عدد كبير من المزارعين لأراضيهم، ووصل الأمر لاحتجاجات عارمة في مدينة البصرة كل فترة بسبب عدم وجود مياه تصلح للاستهلاك الآدمي والشرب.
وتابع الحسن، بدأنا ملاحظة جفاف مساحات هائلة من الأراضي، لن نسمح بأن نعيش مجاعة ونهلك جوعًا وعطشًا حتى تستمتع تركيا بالماء والكهرباء، جميع الأعراف والقوانين الدولية ترفض هذا، الأمر يفوق خطورة الانفلات الأمني بمراحل فنقص المياه يهدد الكبير والصغير والغني والفقير ولن يرحم أحدًا، وبالتالي لن يتهاون الشعب العراقي حتى إذا ما تهاونت الحكومة ولو وصل الأمر لأن نذهب إلى تركيا لهدم السد بأيدينا سنفعلها لنضمن حياة أطفالنا.
العراقيون ينتظرون موقفًا حاسمًا من الحكومة لوقف الألاعيب التركية والإيرانية
في السياق ذاته، يقول رشيد محمد، 41 عامًا، السلطات العراقية تحاول طمأنة المواطنين، ولكن الجميع بدأ ملاحظة أن مياه النهر تزداد جفافًا عامًا بعد الآخر، عدد كبير من القرى العراقية الآن أصبحت لا علاقة لها بماء النهر وتعيش على آبار المياه الجوفية.
وتابع رشيد، ماء الآبار لا يصلح بشكل كافٍ للاستهلاك الآدمي وغير ذلك لا بديل لدينا غيره، مضيفًا، بعض من يمتلك القدرة المالية يشتري الماء ويملأ خزاناته ولكن الغالبية العظمى من الشعب العراقي لا يقدرون على شراء تلك الكميات من الماء والجفاف ينتقل من بلدة إلى أخرى بسرعة هائلة تنذر بمستقبل مخيف.
وأضاف، لا توجد منطقة واحدة في طول العراق وعرضها لا تشكو من أزمات انقطاع المياه بشكل مستمر، فقدنا مساحات هائلة من الأراضي الزراعية التي كانت لها دور كبير في سد الحاجات الغذائية للعراقيين، والجفاف ينتقل من منطقة لأخرى ومن محافظة لأخرى بسرعة مخيفة، وأصبحت محافظات النجف والبصرة وذي قار وميسان والمثنى أماكن تعاني رسميًا من حالة جفاف غير مسبوقة.
وأشار رشيد إلى أن معظم العراقيين ينتظرون تحركًا قويًا وسريعًا من الحكومة العراقية خاصة أن الجميع يرى استخدام تركيا وإيران لورقة المياه لتحقيق أحلامهم التوسعية في العراق ويضغطان بها على العراق لتمرير سياستهما وإجبار العراق على الانصياع لأوامرهما.