ضحايا كورونا... عرب ومسلمو إيطاليا يروون معاناتهم في دفن أحبائهم
يعيش العرب والمسلمون في إيطاليا ظروفاً شديدة القسوة في ظل تفشي وباء كورونا بشكل فاق أكثر التوقعات سوداوية، المرض تفشى في كل شبر من الأراضي الإيطالية، ولم ينجح الحظر والتباعد الاجتماعي في السيطرة على الأمر، فالإصابات يوميًا بعشرات الآلاف وأيضًا الوفيات بالآلاف، وحاول العديد من العرب في إيطاليا العودة إلى بلادهم ولكن الحظ لم يسعف أكثرهم، خاصة مع قرارات الإغلاق وتعليق حركة الطيران في معظم دول العالم.
المستشفيات ترفض استقبال المصابين
تقارير إعلامية دولية أكدت أن العديد من المصابين بفيروس كورونا في إيطاليا واجهوا الموت وحيدين في منازلهم دون أي مساعدة طبية؛ ما أثار الكثير من الحزن والغضب لدى الرأي العام.
يقول هادي إبراهيم، والدي أصيب وقمنا بعزله في غرفته، وحاولنا التواصل مع الإسعاف ولكن كانوا يخبروننا أن نتصل في وقت آخر مؤكدين أن الأمر لا قِبَل لهم به، وأن جميع الغرف وأسرّة المستشفى كاملة العدد، حاولت الاتصال على مدار 7 أيام أكثر من 10 مرات وكانت الإجابة واحدة، لن نستطيع مساعدتكم، وبعد مرور 8 أيام توفي والدي، تركوه يموت وحيدًا في المنزل دون مد يد العون، مؤكداً أنه يشعر بالقهر والحزن لأنه لم يستطع مساعدة أبيه.
وتابع هادي: حتى عندما حاولنا دفنه لم نستطع نحن مسلمون ورغم ذلك لم نستطع تكفينه ولا الصلاة عليه، مضيفًا كان أبي رجلاً عظيماً ولا يستحق أن تنتهي حياته بهذا الشكل المأساوي.
أعداد الوفاة الحقيقية في إيطاليا كارثية
الدراسات الحديثة أكدت أن سجلات الوفاة الرسمية غير دقيقة، بسبب عدم قدرة الدولة على معرفة وحصر الحالات التي فقدت حياتها داخل البيوت، فأكدت الدراسات أن منطقة برجامو الإيطالية فقط يزيد العدد بمقدار الضعفين تقريبًا، حيث يشمل العدد الرسمي للوفيات، الحالات التي فقدت حياتها داخل المستشفيات فقط.
وفي الوقت الذي تتركز فيه الجهود العالمية لإنقاذ الأرواح على زيادة عدد أجهزة التنفس في المستشفيات، يقول أطباء إن نقص إمكانات الرعاية الصحية الأولية لا يقل فداحة لأن الأطقم الطبية لا يمكنها، بل ولا تريد زيارة المرضى في البيوت مسايرة لتحول متبع على مستوى العالم إلى تقديم المشورة الطبية عن بعد.
وتقدر الدراسة التي أجرتها صحيفة ليكو دي برجامو المحلية وشركة إنتويج الاستشارية للأبحاث باستخدام بيانات من المجالس البلدية المحلية أن 5400 شخص توفوا في منطقة برجامو خلال شهر مارس أي ستة أمثال عدد المتوفين في الشهر نفسه من العام الماضي.
وتفترض الدراسة أن عددا يصل إلى 4500 من هؤلاء توفوا بسبب فيروس كورونا أي أكثر من مثلي العدد الرسمي، وأوضحت الدراسة أنها تأخذ في الاعتبار وفاة 600 شخص في دور الرعاية.
الموت وحيداً
ويقول أشرف بن محمد، 39 عامًا، تونسي، سافرت إلى إيطاليا منذ 11 عامًا، وكنت أحلم بتحسين ظروف معيشتي والعودة إلى تونس رجل أعمال ناجح، لم أكن أتخيل هذا السيناريو المرعب، اليوم أحلم بالعودة إلى تونس فقط على قيد الحياة.
وتابع بن محمد، الوضع هنا غاية في الصعوبة، نحن نعيش في كابوس لا نستطيع الاستيقاظ منه، على الجانب الصحي والاقتصادي، مضيفًا الوضع تجمد، فلا بيع ولا شراء ولا خروج حتى من المنزل، كل هذا نحتمله بمعاناة شديدة ولكن الأكثر خطورة هو اقتراب الموت منا في كل ساعة.
وأضاف: صديقي حدثني من المنزل، وأخبرني أنه مصاب وحاول إبلاغ المستشفيات ولكن الجميع اعتذر عن صعوبة نقله، حاولت الذهاب لمساعدته فرفض، قال لي ستعرض نفسك إلى الخطر ثم ماذا بعد؟ إلى أين ستنقلني فالمستشفيات ليس بها مكان لاستقبال حالات جديدة.
"بن محمد" قال: إنه تابع الاتصال بصديقه وشراء ما يلزمه من دواء يخبرونه في الهاتف أن يوفره لنفسه، ووصفات من الأطباء ولكن حالته كانت تسوء يومًا بعد يوم، إلى أن جاء اليوم الأكثر صعوبة هو عندما اتصلت به أكثر من مرة فلم يرد علي، انتظرت 6 ساعات لعله نائم وتابعت الاتصال بلا رد منه.
ذهبت إلى منزله وحاولت فتح الباب بالقوة، ولكن الجيران منعوني وطالبوني بالاتصال بالشرطة، وبالفعل اتصلت، فأمروني بالذهاب إلى منزلي، وأبلغوني هاتفيًا أن صديقي توفي، أخبرتهم أنه مسلم ويجب تغسيله وتكفينه والصلاة عليه، فقالوا لي سندفنه بمعرفتنا ولن نستطيع اتباع تقاليد وعادات دينية حاليًا لخطورة الوضع وكل ما سنوفره له هو كيس بلاستيكي لحماية الأحياء وعزله عنهم وإغراقه بالمعقمات والمطهرات ودفنه، نعيش في كابوس وننتظر الموت في كل يوم.
متعهد دفن إسلامي: نكتفي بالتيمم فوق الكفن
في السياق نفسه، يقول باهر بن علي، جزائري، يعمل في مؤسسة متخصصة في دفن موتى المسلمين بإيطاليا، كنا من قبل ننقل المتوفين من المستشفيات بنسبة 80%، أما الآن اختلف الوضع فـ60% من حالات الوفاة ننقلها من المنازل العادية.
وحتى أثناء عملنا نشعر بالرعب، فكل المتوفين يحملون فيروس كورونا في أجسادهم ونحن مضطرون للتعامل معهم، ونسمع دائمًا عن إصابات الأطباء رغم الإجراءات الاحترازية والوسائل المتقدمة التي لا نملك نصفها.
يقول "بن علي": وحدي توليت دفن أكثر من 40 حالة وفاة بسبب فيروس كورونا من مقاطعة بيرغامو وهي إحدى أكثر مقاطعات إقليم لومبارديا في الشمال الإيطالي تضررًا، جميعهم من مصر وباكستان والمغرب وتونس والجزائر، وجميعهم كبار السن بين الـ50 والـ70 عامًا.
وتابع: القوانين شديدة الصرامة التي فرضت علينا تنص على منع غسل جثث المتوفين لتجنب انتقال عدوى، وضرورة استلام جثة المتوفى داخل كيس بلاستيكي بعد تعقيمه وتطهيره جيدًا، ونضطر لتكفين الجثث فوق الكيس البلاستيكي لأن السلطات تمنع إزالته مهما كانت الأسباب ونستبدل الغسل بالتيمم فوق الكفن.
القنصليات والسفارات العربية تحملت تكاليف دفن رعاياها
يقول زكي رضوان، مصري، صديقي كان أول حالة وفاة لعربي ومسلم في إيطاليا، تم وضعه في كيس بلاستيكي بواسطة السلطات الإيطالية مع التشديد على الجميع بضرورة عدم الاقتراب من الكيس أو فتحه، والتشديد على أسرته بعدم إلقاء نظرة وداع حتى عليه.
وتابع رضوان، المعلومات كانت محدودة في هذا الوقت، فدخلنا في نقاش مع السلطات الإيطالية والمسؤولين عن الصحة في المستشفى مؤكدين ضرورة تغسيل الميت لأن هذا جزء من شريعتنا وديننا، ومع إصرارنا اقترح الأطباء الغسل فوق الكيس البلاستيكي واتخاذ إجراءاتنا وكأن الكيس غير موجود، مشددين أن إزالة الكيس تعرض حياة الجميع للخطر.
وبعد هذا الحادث توفي العديد من معارفنا وأصدقائنا، وتكفلت السفارات والقنصليات العربية بمصاريف الدفن وتواصلوا معنا ونصحونا بعدم الخروج من منازلنا مع وعود باهتمامهم بجثث الضحايا ودفنها حسب الشريعة الإسلامية وتحملهم لكافة المصروفات التي تبلغ 3000 يورو للحالة الواحدة.