صفقة تحت النار.. كواليس الساعات الأخيرة قبل تبادل الرهائن بين إسرائيل وحماس

صفقة تحت النار.. كواليس الساعات الأخيرة قبل تبادل الرهائن بين إسرائيل وحماس

صفقة تحت النار.. كواليس الساعات الأخيرة قبل تبادل الرهائن بين إسرائيل وحماس
حركة حماس

في مشهد سياسي وأمني بالغ الحساسية، يدخل ملف تبادل الرهائن بين إسرائيل وحركة حماس مرحلة حاسمة تمثل الاختبار الأخطر للاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد أشهر من المفاوضات الشاقة بوساطة أمريكية ومصرية وقطرية، وبينما تلتزم الأطراف الرسمية بالصمت النسبي، تتكشف معلومات تدريجيًا حول ترتيبات التنفيذ وتوقيته وطبيعته الأمنية والإنسانية غير المسبوقة.

وتمثل الساعات القليلة التي تسبق بدء عملية التبادل نقطة توتر قصوى على جانبي الحدود، حيث تتحرك قنوات الاتصال على مدار الساعة لضمان نجاح المرحلة الأولى من الاتفاق، التي تتضمن إطلاق سراح عشرين رهينة إسرائيلية مقابل مئات الأسرى الفلسطينيين، هذه العملية، التي تُدار بسرية ميدانية مشددة لإحباط أي محاولات تخريب أو تعطيل، لا تُعد مجرد خطوة إنسانية، بل مركز ثقل سياسي يرتبط مباشرة بموازين القوى في غزة وداخل إسرائيل، كما يشكل منعطفًا حاسمًا في مسار خطة السلام التي أُعلن عنها مؤخرًا. فما الذي يدور خلف الكواليس؟ وكيف يتم تأمين العملية؟ وما هي رهانات الأطراف الإقليمية والدولية؟


ترتيبات واسعة


تستعد إسرائيل وحركة حماس لإجراء واحد من أكثر ملفات التفاوض حساسية منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، حيث تدخل عملية تبادل الرهائن والأسرى بين الطرفين مرحلة التنفيذ وسط ترتيبات أمنية ولوجستية معقدة، ومراقبة سياسية دولية دقيقة.

وتمثل هذه العملية – وفق مراقبين – نقطة تحول مفصلية في مسار الحرب والصراع السياسي في المنطقة، ليس فقط لأنها ملف إنساني بامتياز، بل لأنها تحمل أبعادًا إستراتيجية تتجاوز سجون الاحتلال وأنفاق غزة لتطال مستقبل إدارة القطاع وترتيبات ما بعد الحرب.

ووفق مصادر إسرائيلية مطلعة، أكدت القناة 12 العبرية، أن منسق شؤون الأسرى والمفقودين في الحكومة الإسرائيلية، غال هيرش، أبلغ عائلات المحتجزين بأن عملية الإفراج ستبدأ صباح الاثنين بشكل مبدئي، مع احتمالية تقديم الموعد إلى ليلة الأحد "بسبب الظروف الميدانية والتنسيق مع الوسطاء". 

وأشار هيرش، أن "العملية تجري على نطاق واسع وتتطلب ترتيبات أمنية ولوجستية دقيقة، مع إبقاء التوقيت النهائي سريًا حتى الساعات الأخيرة لمنع أي مخاطر أمنية أو تدخلات مفاجئة".

من جانبها، أكدت حركة حماس عبر مصادر لها تحدثت لوكالة "فرانس برس"، أن التوقيت المتفق عليه هو صباح الاثنين، مشيرة إلى أن "الترتيبات الفنية والإنسانية قيد الإتمام بالتنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر والوسطاء".

ويبدو أن التفاهمات نجحت في تجاوز الخلافات السابقة بشأن آليات النقل وتحديد قوائم الأسرى وطرق الاستلام والتسليم، وهي النقاط التي عطلت المفاوضات خلال الأسابيع الماضية.

المرحلة الأولى


تشير التقديرات إلى أن المرحلة الأولى تتضمن إطلاق سراح 20 رهينة إسرائيليًا أحياء، مقابل إفراج إسرائيل عن دفعة كبيرة من الأسرى الفلسطينيين تضم 250 أسيرًا محكومين بالمؤبد من ذوي الأحكام العالية، إضافة إلى 1700 معتقل تم احتجازهم من غزة بعد السابع من أكتوبر، وبذلك تكون إسرائيل حصلت – فعليًا – على كامل المختطفين منذ العملية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات "غلاف غزة".

وفي سياق التحضيرات، كشفت هيئة البث الإسرائيلية، أن مصلحة السجون بدأت بنقل الأسرى الفلسطينيين الذين ستشملهم المرحلة الأولى من التبادل إلى سجني "كتسيعوت" في صحراء النقب و"عوفر" غرب رام الله، لتسهيل إجراءات تسليمهم للجهات الوسيطة قبل نقلهم إلى قطاع غزة عبر معبر رفح أو إبعاد بعضهم إلى الخارج.

عملية تسليم معقدة داخل غزة

وبحسب المخطط المتفق عليه، فإن الرهائن الإسرائيليين سيتوجهون إلى نقطة ميدانية داخل قطاع غزة يُحدد موقعها مسبقًا، حيث تنتظرهم ما بين 6 إلى 8 مركبات تابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر إلى جانب سيارة إسعاف طبية للطوارئ. وتشير التسريبات إلى أن الخطة تنص على خروج الرهائن من عدة مواقع في توقيت واحد قبل تجمعهم في نقطة واحدة داخل القطاع، تمهيدًا لنقلهم على دفعة واحدة باتجاه معبر رفح أو معبر كرم أبو سالم.
وفي ما يتعلق بالضحايا الذين لقوا حتفهم خلال فترة الاحتجاز، اتفقت الأطراف على نقل الجثامين في مركبة كبيرة تابعة للصليب الأحمر تم تجهيزها لنقل التوابيت، حيث ستسلم إلى الجيش الإسرائيلي في نقطة عسكرية يجري التوافق عليها مسبقًا.

وكشفت تقارير إسرائيلية، أن العملية ستتم وسط إجراءات أمنية واسعة النطاق تشمل فرض حظر تجول وإغلاق استثنائي لبعض مناطق جنوب القطاع، ومنع تنفيذ أعمال حفر بأي شكل في المناطق المتفق عليها تخوفًا من وجود جثامين مفقودة لرهائن تحت الأنقاض. 

وستشرف على تنفيذ العملية "آلية رباعية" تضم كلًا من إسرائيل ومصر وقطر والولايات المتحدة، للتأكد من التزام الطرفين بكل شروط الاتفاق وضمان استمرار العملية دون صدامات أو خروقات.

دور البعثة المصرية والصليب الأحمر

ويرافق العملية حضور مباشر لبعثة أمنية مصرية، ستتوجه مع فرق من الصليب الأحمر إلى سجني كتسيعوت وعوفر في إسرائيل للتحقق من القوائم النهائية للأسرى والتأكد من صحة الإجراءات القانونية الخاصة بالإفراج، قبل الإشراف على انتقالهم إلى نقاط التسليم.

 وبحسب المصدر ذاته، ستتسلم القاهرة رسميًا الأسرى المنقولين إلى رفح قبل إدخالهم إلى قطاع غزة، بينما سيتم تعريف المعتقلين المنقولين إلى الضفة الغربية عبر معبر ترقوميا بوساطة دولية.

وعلى خلاف الصفقات السابقة، تقرر تنفيذ المرحلة الأولى بالكامل دون حضور إعلامي أو تغطية صحفية. ويقول مصدر دبلوماسي عربي: إن "هذه ليست عملية سياسية ذات طقوس احتفالية، بل خطوة إنسانية صارمة تهدف أولًا إلى حماية حياة الرهائن وضمان عدم تحويل العملية إلى أداة دعاية سياسية لأي طرف".

 وقد جاء هذا التوجه بعد إصرار الوسطاء على منع أي استعراض إعلامي إسرائيلي أو فلسطيني قد يعرقل التسليم أو يستفز الطرف الآخر خلال الساعات الحساسة.

في إسرائيل، أعلن الجيش -عبر بيان رسمي- استكمال الاستعدادات لاستقبال الرهائن المحررين، مشيرًا إلى تخصيص مركز استقبال طبي ونفسي مؤقت مجهز بالتقنيات والإمكانات الطبية. 

وذكرت هيئة القوى البشرية في الجيش، أن "المنشأة مجهزة بغرف خاصة للرعاية الأولية والاستقبال الأسري، وسيتم تقييم الحالة الصحية لكل رهينة فور وصوله قبل نقله إلى المستشفيات".

 وأضاف البيان، أن فرق الطب النفسي سترافق العائدين خلال الأيام الأولى نظرًا "لتعرضهم لضغوط صادمة خلال فترة الاحتجاز".

رهانات سياسية ورسائل إقليمية


ويرى محللون، أن العملية ليست مجرد تبادل أسرى بل تحمل رسائل سياسية حاسمة. فإسرائيل تسعى لإقناع الداخل بأنها قادرة على إعادة المحتجزين دون تقديم تنازلات عسكرية واسعة، في وقت تتعرض فيه حكومة نتنياهو لضغط عائلات الرهائن والرأي العام. أما حماس، فهي تسعى لترسيخ موقفها كطرف رئيسي لا يمكن تجاوزه في أي ترتيبات مستقبلية لغزة.

الوسطاء بدورهم – خاصة مصر وقطر – يأملون في نجاح هذه المرحلة لتكون مقدمة لوقف إطلاق نار دائم يمهد لمسار سياسي جديد. أما واشنطن، فهي تعتبر العملية "اختبار التزام" لخطة ترامب للسلام في غزة والمنطقة.