الردع بالكلام.. هل يجرّ حزب الله لبنان إلى حرب غير محسوبة؟
الردع بالكلام.. هل يجرّ حزب الله لبنان إلى حرب غير محسوبة؟
في لحظة سياسية وأمنية شديدة الحساسية، يقف لبنان أمام مفترق طرق يتقاطع فيه الداخل المأزوم مع ضغوط إقليمية ودولية متصاعدة، فبينما تحاول الحكومة اللبنانية شق طريق دبلوماسي ضيق لتجنيب البلاد مواجهة عسكرية جديدة مع إسرائيل، جاءت مواقف الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم لتعيد خلط الأوراق، رافعة سقف التحدي إلى حد التلويح بالحرب دفاعًا عن سلاح الحزب، هذه التصريحات لم تُقرأ بوصفها موقفًا عابرًا، بل كرسالة سياسية متعددة الاتجاهات، تستهدف واشنطن وتل أبيب، كما تخاطب الداخل اللبناني بقلقه الطائفي وهواجسه الوجودية، وفي الوقت ذاته، شهد الجنوب اللبناني تطورًا غير مسبوق، تمثّل في دخول الجيش اللبناني، وللمرة الأولى، إلى منزل خاص لتفتيشه بحثًا عن أسلحة، بناءً على طلب لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، مشهدان متوازيان يعكسان حجم التوتر الكامن، ويكشفان عن مرحلة دقيقة تتآكل فيها الخطوط الفاصلة بين الدولة والسلاح، وبين الردع والحرب المفتوحة.
الحزب يستعد للحرب
رفعت كلمة نعيم قاسم الأخيرة مستوى الخطاب السياسي والأمني إلى ذروته، واضعة مسألة نزع سلاح «حزب الله» في قلب مواجهة مفتوحة، لا مع إسرائيل فحسب، بل مع معادلات الداخل اللبناني أيضًا، فحين يعلن الأمين العام بوضوح استعداد الحزب لخوض حرب لمنع تسليم سلاحه، فإنه لا يكتفي برفض الطروحات المطروحة دوليًا، بل يعيد تثبيت السلاح كخط أحمر غير قابل للنقاش، مهما تبدلت الظروف أو اشتدت الضغوط.
قاسم أعاد توصيف مطلب حصرية السلاح باعتباره مشروعًا أميركيًا – إسرائيليًا، نافيًا عنه أي بعد سيادي لبناني، في المقابل، طرح مجددًا مفهوم الاستراتيجية الدفاعية، الذي لطالما شكّل نقطة خلاف داخلية، إذ تراه قوى سياسية غطاءً لاستمرار سلاح الحزب خارج سلطة الدولة، فيما يقدّمه الحزب كصيغة تكاملية مع الجيش اللبناني.
لغة تصعيدية
غير أن اللافت في الخطاب الأخير لم يكن فقط التمسك بالسلاح، بل اللغة التصعيدية التي حملت إشارات واضحة إلى استعداد الحزب للذهاب بعيدًا في المواجهة، حتى في أسوأ السيناريوهات.
الرسائل لم تقتصر على الخارج، فاستحضار قاسم لمخاوف ذوبان الأقليات شكّل تحولًا لافتًا في الخطاب، إذ حاول من خلاله مخاطبة الهواجس المسيحية تحديدًا، وربط مستقبل لبنان بمصير الأقليات في المنطقة، مستشهدًا بما آلت إليه الأوضاع في سورية.
هذا الطرح، بحسب مراقبين، يهدف إلى إعادة رسم خطوط اصطفاف جديدة، تقوم على ثنائية أكثرية وأقليات، في لحظة إقليمية تتسم باضطراب الهوية السياسية والتحالفات.
في العمق، يرى متابعون، أن هذا الخطاب لا ينفصل عن واقع داخلي مأزوم يواجهه الحزب، خصوصًا داخل بيئته الحاضنة، حيث تتزايد علامات التململ من كلفة المواجهات المتكررة، والانهيار الاقتصادي، والعزلة الدولية، ومن هنا، يأتي استدعاء المخاوف الوجودية كأداة لإعادة شد العصب، وتبرير استمرار السلاح بوصفه ضمانة للبقاء، لا مجرد أداة مقاومة.
الردع بـ"الكلام فقط"
من جانبه، أكد مصدر أمني لبناني، أن خطاب الأمين العام لـ حزب الله الأخير لا يمكن قراءته بمعزل عن ميزان القوى الفعلي على الأرض، ولا عن حجم القيود التي باتت تحكم قرار الحزب العسكري، وبحسب المصدر، فإن التلويح بالحرب لا يعني بالضرورة امتلاك قرار الذهاب إليها، بل يندرج في إطار إدارة الردع بالكلام فقط، في مرحلة حساسة يسعى فيها الحزب إلى منع فرض وقائع جديدة عليه، سواء من الداخل اللبناني أو عبر الضغوط الدولية.
ويكشف المصدر في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن الحزب يدرك جيدًا أن أي حرب شاملة اليوم ستكون مختلفة جذريًا عن مواجهات سابقة، سواء من جهة القدرة التدميرية الإسرائيلية، أو من جهة البيئة الداخلية المنهكة اقتصاديًا واجتماعيًا، بما في ذلك داخل قواعده الشعبية.
ويضيف: حزب الله قادر على خوض مواجهة عسكرية من حيث الإمكانات، لكنه غير قادر على تحمّل تبعاتها السياسية والداخلية، ولا يملك غطاءً وطنيًا ولا إقليميًا كاملًا يسمح بإعلان حرب مفتوحة.
ويؤكد المصدر، أن نوايا الحزب الحالية تميل إلى تثبيت خطوط حمراء، لا إلى كسرها، وأن التصعيد اللفظي يهدف أساسًا إلى رفع كلفة أي محاولة لانتزاع سلاحه بالقوة أو عبر فرض جدول زمني واقعيًا غير قابل للتنفيذ، كما يشير إلى أن الحزب يشعر بأن نافذة المناورة تضيق، خصوصًا مع دخول الجيش اللبناني، ولو بشكل محدود، إلى مساحات كانت تُعد سابقًا محظورة.
ويخلص المصدر إلى أن أخطر ما في المرحلة ليس اندلاع حرب بقرار واضح، بل الانزلاق التدريجي نحو مواجهة غير محسوبة، نتيجة احتكاك ميداني أو خطأ في التقدير، في ظل توازن هشّ يقوم على الردع المتبادل، لا على الاستقرار الحقيقي.
خطوات غير مسبوقة للجيش اللبناني
في موازاة هذا التصعيد الكلامي، شهد الجنوب اللبناني تطورًا عمليًا لا يقل أهمية، حين نفّذ الجيش اللبناني، بطلب مباشر من لجنة مراقبة وقف إطلاق النار (الميكانيزم)، عملية تفتيش داخل منزل خاص يُشتبه بوجود أسلحة فيه، هذه الخطوة تُعد سابقة في أداء المؤسسة العسكرية، التي لطالما تجنبت الدخول إلى الأملاك الخاصة في هذا السياق، خشية الانزلاق إلى احتكاكات داخلية أو سياسية.
ورغم أن عملية التفتيش لم تسفر عن العثور على أسلحة، إلا أن إصرار الجانب الإسرائيلي على مواصلة البحث، واعتراض الأهالي، ثم إصدار إسرائيل إنذارًا بإخلاء المنزل تمهيدًا لقصفه، كشف هشاشة الوضع الميداني، وسهولة تحوّل أي إجراء تقني إلى شرارة تصعيد أوسع. هذا المشهد يوضح بجلاء المعادلة التي تسعى إسرائيل إلى فرضها: أي شك بوجود سلاح سيُقابل بضغط ميداني مباشر، بغض النظر عن نتائج التحقيقات.
في الخلفية، يتعرض لبنان لضغوط دولية متزايدة تطالبه بتوسيع نطاق عمليات نزع السلاح جنوب نهر الليطاني، بما يشمل الأملاك الخاصة والمنازل، مع إمكانية طلب تمديد المهلة الممنوحة للجيش اللبناني لإنجاز هذه المهمة.
غير أن هذه النصائح تصطدم بواقع ميداني وسياسي معقّد، إذ يدرك الجميع أن الإعلان عن إخلاء كامل للمنطقة من السلاح يبدو شبه مستحيل، وأن أي إعلان متسرع قد يشكّل ذريعة لتصعيد إسرائيلي واسع.

العرب مباشر
الكلمات