بعد خطوات بريطانية لحظر الإخوان الضغوط الدولية تدفع الإخوان للبحث عن ملاذ آمن
بعد خطوات بريطانية لحظر الإخوان الضغوط الدولية تدفع الإخوان للبحث عن ملاذ آمن
في تحول قد يعيد رسم خريطة التعامل مع التنظيمات العابرة للحدود داخل أوروبا، تقترب بريطانيا من لحظة سياسية وأمنية فارقة بشأن جماعة الإخوان، في ظل مراجعة حكومية دقيقة قد تنتهي بوضع التنظيم على قوائم الإرهاب لأول مرة في تاريخ لندن الحديث، هذا المناخ المشحون بالقلق لا يأتي من فراغ، بل نتيجة تراكم سنوات من الجدل حول نشاط الجماعة داخل المدن البريطانية، واتهامات بمحاولة بناء شبكات نفوذ تمتد من المؤسسات الحكومية إلى المنظمات الخيرية والمراكز البحثية، ومع تسارع الخطوات الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب نحو تصنيف فروع الإخوان كمنظمات إرهابية أجنبية، تجد لندن نفسها في قلب معادلة معقدة تجمع بين حسابات أمنية داخلية وضغوط دولية ومطالب شعبية بتجفيف منابع التطرف، وبين مراجعات أمنية متأنية، ومداولات سياسية متصاعدة، يبدو أن ملف الجماعة قد دخل مرحلة جديدة تُنذر بقرارات قد تغيّر وجه السياسة البريطانية تجاه الإسلام السياسي.
حصار بريطاني
تعيش بريطانيا هذه الأيام على وقع نقاش واسع النطاق حول وضع جماعة الإخوان، بعد أن أعلن مكتب رئيس الوزراء كير ستارمر، أن التنظيم يخضع لمراجعة أمنية شاملة قد تمهّد لإدراجه رسميًا على قوائم الإرهاب.
ورغم أن لندن لطالما لجأت إلى مقاربات حذرة في التعامل مع مثل هذه الملفات، فإن التطورات الدولية والإقليمية، إضافة إلى معطيات داخلية متراكمة، أعادت فتح الملف من جديد وبقوة غير مسبوقة.
المتحدث باسم ستارمر أوضح لصحيفة ذا ناشيونال، أن المراجعة الجارية ليست مجرد خطوة شكلية، بل جزء من تقييم قانوني معمّق يهدف إلى تحديد ما إذا كان نشاط الجماعة يتعارض مع قوانين مكافحة الإرهاب البريطانية.
وأضاف: أن الحكومة تدرس بعناية تقارير الأجهزة الأمنية التي تتحدث عن توسع نفوذ الجماعة داخل المؤسسات المدنية عبر واجهات تبدو خيرية أو اجتماعية لكنها تتحرك بمنهجية سياسية وانضباط تنظيمي.
هذا التحول في موقف لندن لا يمكن فصله عن السياق الدولي الأوسع، فالولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب تمضي بسرعة نحو تبني مقاربة أكثر صرامة، من خلال الدفع بقوانين تستهدف فروع الجماعة في بلدان عدة، على رأسها تركيا وقطر، وزاد من وطأة المشهد أن نوابًا أمريكيين في الكونغرس يعملون على مشاريع تشريعية أوسع بكثير من قرارات الإدارة، وهو ما جعل بريطانيا أمام ضغط سياسي وأمني متزايد، خاصة مع حرص واشنطن على حشد حلفائها لاتخاذ خطوات متوازية.
قلق بالغ
ويشير مراقبون بريطانيون إلى أن الجماعة استطاعت خلال العقد الماضي تعزيز حضورها داخل المملكة المتحدة، بعد استقبال لندن أعدادًا متزايدة من كوادرها الهاربين من دول حظرت التنظيم مثل مصر والإمارات والسعودية والبحرين.
وتقول تقديرات أمنية: إن هذا التوسع خلق بيئة تنظيمية موازية تستفيد من المناخ الليبرالي البريطاني، وتتحرك بمرونة داخل مؤسسات المجتمع المدني، الأمر الذي أثار مخاوف من استغلال هذا الانفتاح لبناء شبكات نفوذ معقّدة تتجاوز الطابع الخيري الظاهر.
وزيرة الخارجية البريطانية يفيت كوبر عبّرت عن "قلق بالغ" إزاء نشاط الجماعة، مشيرة في تصريحات لصحيفة جويش نيوز إلى ارتباطات بين الإخوان وجهات خارجية مثل إيران تُتهم بتأجيج التطرف في مناطق مضطربة مثل السودان، هذا الربط بين التنظيم ومشاريع نفوذ إقليمية أضفى على المناقشات داخل لندن طابعًا جيوسياسيًا يتخطى حدود القلق الأمني الداخلي.
ورغم أن بريطانيا لم تتخذ حتى الآن قرارًا نهائيًا، فإن خبراء يشيرون إلى أن مراجعة حكومة ديفيد كاميرون عام 2015 تُعد سابقة مهمة في هذا السياق، تلك المراجعة خلصت إلى أن الانتماء للجماعة قد يشكل "مؤشرًا محتملًا على التطرف"، وذكرت صراحة أن شخصيات مرتبطة بها دعمت أعمالًا إرهابية، بينها عمليات نفذتها حركة حماس، وقد دفعت تلك الخلاصات كاميرون إلى اتخاذ إجراءات شملت منع دخول بعض قيادات التنظيم إلى البلاد وتشديد الرقابة على جمعياته.
خطط الإخوان للهروب
من جانبه، وفي خضم هذا التصعيد السياسي والأمني، كشف مصدر مطّلع على ملف الجماعة لـ"العرب مباشر"، أن الإخوان بدأوا بالفعل في إعداد خطط تحوّط لمواجهة موجة الضغوط الأوروبية والأمريكية المتصاعدة.
وأوضح المصدر، أن التنظيم يدرس نقل جزء من مراكزه البحثية والمالية إلى دول تتمتع ببيئة أقل صرامة رقابيًا، مثل ماليزيا، مع إعادة توزيع نشاطه عبر منظمات واجهة يصعب تتبّع ارتباطها الهيكلي بقيادة التنظيم.
كما تعمل بعض الشخصيات المحسوبة على الجماعة -بحسب المصدر- على بناء شبكة علاقات جديدة في عواصم آسيوية ولاتينية لتكون بديلًا عن الملاذات التقليدية في أوروبا، تحسبًا لأي قرارات قد تضع الجماعة تحت طائلة الإدراج الإرهابي، هذه التحركات، كما يصفها المصدر، تُظهر أن التنظيم يستعد لمرحلة «إعادة تموضع عالمي» تتيح له الحفاظ على نفوذه رغم تضييق الخناق في الغرب.

العرب مباشر
الكلمات