من الخصومة إلى التنسيق: هل يتغير شكل النفوذ التركي والإسرائيلي في سوريا؟
من الخصومة إلى التنسيق: هل يتغير شكل النفوذ التركي والإسرائيلي في سوريا؟

في خطوة غير تقليدية تعكس ديناميكيات جديدة في معادلة الصراع السوري، بدأت تركيا وإسرائيل أولى محادثاتهما الفنية الهادفة إلى منع التصادم وتنسيق التحركات الميدانية في سوريا، اللقاء، الذي جرى بعيدًا عن الأضواء في أذربيجان، كشف عن مساعٍ متبادلة لبناء آلية "فض اشتباك" مشابهة لتلك التي أنشأتها تل أبيب سابقًا مع موسكو، وبينما تتسارع تحركات إسرائيل العسكرية داخل الأراضي السورية، مدفوعة بتغيرات في بنية السلطة بدمشق، تسعى أنقرة إلى طمأنة الأطراف بأن وجودها في الشمال السوري لا يستهدف أي قوة إقليمية، في الوقت نفسه، يحاول الطرفان استثمار انفتاح سياسي مفاجئ بدعم غير معلن من واشنطن، التي عادت تلعب دور الوسيط في لحظة احتقان إقليمي. هذه التطورات تطرح تساؤلات حول مستقبل التفاهمات على الأرض السورية، وحدود ما يمكن أن يجمع بين خصمين إقليميين في ساحة صراع مفتوحة ومعقدة.
تنسيق ميداني
شهدت العلاقات بين تركيا وإسرائيل تحوّلاً لافتًا في الآونة الأخيرة، إذ شرع الجانبان في محادثات فنية تتعلق بملف بالغ الحساسية: التنسيق الميداني داخل الأراضي السورية. الاجتماع، الذي انعقد مؤخرًا في العاصمة الأذرية باكو، جمع مسؤولين عسكريين وأمنيين من البلدين، وهدف إلى استكشاف آلية لمنع التصادم أو سوء التفاهم العملياتي خلال تحركات كل طرف على الأراضي السورية.
وبحسب مصادر دبلوماسية تركية، فإن أنقرة تسعى من خلال هذه المحادثات إلى إرساء قناة اتصال دائمة، تتيح تجنب الاحتكاكات غير المرغوبة التي قد تؤدي إلى تصعيد غير محسوب.
وأضافت المصادر أن هذه الآلية المحتملة لن تتضمن تبادل معلومات عملياتي، بل ستُركز على تحديد مناطق النفوذ وتوقيتات التحرك لمنع التداخل الميداني.
اتفاق مبدئي
من جهتها، أكدت إسرائيل، عبر بيان رسمي صادر عن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أن اللقاء أسفر عن اتفاق مبدئي على "مواصلة الحوار من أجل حفظ الاستقرار الأمني"، دون الخوض في تفاصيل إضافية.
مصادر عسكرية إسرائيلية كشفت لاحقًا أن النقاش تطرق إلى إمكانية بناء نموذج تنسيقي مشابه لما كان قائمًا بين تل أبيب وموسكو أثناء الوجود العسكري الروسي في سوريا.
وتأتي هذه المحادثات في سياق تصاعد التوتر الإقليمي، لا سيما بعد تصعيد إسرائيل ضرباتها الجوية على سوريا مؤخرًا، في ما وُصف بأنه رسالة موجهة للحكومة الجديدة في دمشق. وتتهم تل أبيب أنقرة بالسعي لفرض نفوذها الكامل في الشمال السوري، ما يدفع إسرائيل إلى إعادة ضبط معادلاتها الأمنية في تلك المنطقة.
محاولات لإعادة التوازن
اللافت أن المحادثات التركية الإسرائيلية جاءت متزامنة مع زيارة لرئيس الوزراء الإسرائيلي إلى واشنطن، حيث عرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وساطة بين الجانبين، مؤكدًا "علاقته القوية" مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. هذه الوساطة تعكس محاولة أمريكية جديدة لإعادة التوازن في علاقات حلفائها المتناقضين، في وقت تصعد فيه أنقرة من اتهاماتها لإسرائيل وجيشها بممارسة "إرهاب الدولة" في حربها على غزة.
في المقابل، حاولت تركيا التأكيد على أن وجودها العسكري في سوريا لا يستهدف أي أطراف ثالثة، بل يندرج ضمن اتفاقات أمنية تخص مكافحة التنظيمات المسلحة.
وأشارت تسريبات إلى أن أنقرة تدرس حاليًا إنشاء قواعد تدريب عسكرية جديدة داخل سوريا، وهي الخطوة التي أغضبت تل أبيب، ودفعها إلى شن غارات تحذيرية على مواقع يُعتقد أنها كانت محل دراسة من الجانب التركي.
في هذا السياق، يقول د. طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن هذا التقارب المفاجئ بين أنقرة وتل أبيب لا يمكن فصله عن الانخراط الأمريكي المتزايد في إعادة ضبط توازنات الإقليم.
ويضيف لـ"العرب مباشر"، من الواضح أن واشنطن تسعى إلى احتواء أي تصعيد في سوريا، عبر بناء تفاهمات مؤقتة بين أطراف متخاصمة، وهذه المحادثات بين تركيا وإسرائيل هي نتاج مباشر لذلك التوجه.
ويتابع فهمي، لكن علينا الحذر في تقييم هذه الخطوة، فالتقارب الأمني لا يعكس بالضرورة تحسنًا في العلاقات السياسية أو تحوّلًا في المواقف الجوهرية.
فتركيا ما زالت تُدين السياسة الإسرائيلية في غزة، فيما تعتبر إسرائيل أن أي نفوذ تركي متزايد في سوريا يمثل تهديدًا استراتيجيًا.
ويخلص فهمي إلى أن هذا النوع من التفاهمات الميدانية قد يكون مؤقتًا، لكنه يعكس إدراك الطرفين بأن مساحات الاشتباك في سوريا بدأت تتقاطع بشكل خطير، ما يفرض الحاجة إلى الحد الأدنى من التنسيق، حتى بين الخصوم.