من السماء والأرض.. كيف تقود مصر أكبر عملية إنقاذ إنساني في غزة؟

من السماء والأرض.. كيف تقود مصر أكبر عملية إنقاذ إنساني في غزة؟

من السماء والأرض.. كيف تقود مصر أكبر عملية إنقاذ إنساني في غزة؟
المساعدات الإنسانية

على وقع الانهيار الإنساني الذي يضرب قطاع غزة منذ أشهر، لم تعد الشاحنات وحدها تكفي، ومن فوق سماء المدينة المحاصرة، ظهرت الطائرات المصرية محمّلة بالأمل والخبز والدواء، تهبط حمولتها في أماكن لا تطالها الشاحنات ولا تغامر بالدخول إليها الأرواح، في مشهد يحاكي "جسر الحياة"، فتحت القاهرة مسارين متوازيين: إنزال جوي مكثف في عمق الأزمة، واستمرار لقوافل برّية تخترق العوائق اللوجستية والسياسية.

وفي ظل حرب لا تنتهي، يتنامى الحضور المصري ليس فقط كوسيط لوقف إطلاق النار، بل كرافعة إنسانية في قلب العاصفة، تقدم 70% من إجمالي الإمدادات التي تدخل إلى القطاع، وبينما يكتفي العالم بالمناشدات، تنقل مصر المصابين وتستضيف الجرحى، وتضغط دبلوماسيًا لإعادة فتح النوافذ المغلقة.

عمليات الإغاثة الجوية


في وقت تزداد فيه وتيرة المجاعة وتنهار المنظومة الصحية داخل قطاع غزة، بادرت القاهرة بتنفيذ واحدة من أجرأ عمليات الإغاثة الجوية في تاريخها الحديث، وعلى مدار ثلاثة أيام متتالية، أقلعت تسع طائرات نقل عسكرية من مطارات مصرية متفرقة، محمّلة بعشرات الأطنان من الأغذية والمستلزمات الأساسية، وأسقطتها في مناطق داخل غزة لم يعد الوصول إليها برًا ممكنًا.

هذه العمليات جاءت نتيجة لتوجيهات مباشرة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، ضمن خطة طوارئ وضعتها القوات المسلحة بالتعاون مع وزارة الخارجية والهلال الأحمر المصري، وتستهدف دعم المدنيين في المناطق المحاصَرة.

ويأتي ذلك بالتوازي مع استمرار تدفق شاحنات الإغاثة من معبر رفح، الذي بات شريان الحياة الوحيد المتبقي للفلسطينيين في غزة.

دور مزدوج.. عسكري وإنساني


اللافت في المشهد المصري هو الجمع بين الأداء العسكري والتدخل الإنساني، فبينما تتابع القاهرة اتصالاتها لوقف إطلاق النار، تعمل في الميدان على تأمين الإمدادات للسكان، رغم التهديدات الأمنية والتعقيدات اللوجستية. 

وتم اختيار الإنزال الجوي كخيار تكتيكي لتجاوز العقبات المرتبطة بتدمير البنية التحتية داخل القطاع، خاصة في الشمال ومناطق الوسط التي تعرضت لقصف مكثف.

المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية غريب عبد الحافظ أكد، اليوم الأحد، أن القاهرة تواصل الإنزال الجوي للمساعدات الإنسانية على قطاع غزة.

وقال المتحدث - في بيان عبر فيسبوك-: "أقلعت 9 طائرات نقل عسكرية من مصر على مدار الأيام الـ3 الماضية محملة بعشرات الأطنان من المساعدات الغذائية لتنفيذ الإنزال الجوى على المناطق التي يصعب الوصول إليها براً في قطاع غزة". 

وأضاف: أن "ذلك جاء تزامنًا مع الجهود المصرية لاستمرار تدفق شاحنات المساعدات برًا"، وأوضح المتحدث، أن الإنزال يأتي "استمرارًا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، بتقديم كافة أوجه الدعم للأشقاء الفلسطينيين، وفى ضوء الدور المصرى لمساندة سكان قطاع غزة، ومحاولة بث الأمل فى نفوسهم رغم الأوضاع الإنسانية المتردية.

دبلوماسية المعابر.. مصر كمفتاح لغزة


من جهته، شدد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، على أن القاهرة تتحمل العبء الأكبر في تأمين المساعدات للقطاع، وقال: إن 70% من الإمدادات الإنسانية التي دخلت غزة خلال الأشهر الماضية مصدرها مصر، سواء عبر قوافل رسمية أو منظمات إغاثية غير حكومية بتنسيق مع السلطات المصرية.

وأضاف عبد العاطي: أن مصر نظمت مؤتمرًا دوليًا في 2024 شارك فيه أكثر من 100 وفد وزاري، بهدف تعزيز الاستجابة الإنسانية لغزة، مؤكدًا أن القاهرة "لا تتعامل مع غزة باعتبارها أزمة خارجية، بل مسؤولية أخلاقية وتاريخية".

كما لفت، أن آلاف الجرحى تم استقبالهم في المستشفيات المصرية، ما يعكس بوضوح أن الدور المصري يتجاوز حدود "الممر اللوجستي"، ليشمل المعالجة والرعاية وإعادة التأهيل.

 

رسائل سياسية بعبارات شعبية


في خطاب متلفز نُقل على قنوات مصرية، وجّه الرئيس عبد الفتاح السيسي رسائل مشحونة بالعاطفة والواقعية السياسية في آن، قائلاً: "الظروف داخل القطاع أصبحت مأساوية، والأمر أصبح لا يُطاق". 
ودعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الضغط من أجل إنهاء الحرب، قائلاً: "أوجه نداء لكل دول العالم، الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، والدول العربية.. ساعدونا على وقف المأساة".
لكن أكثر ما لفت الانتباه في الخطاب، هو حديثه إلى الداخل المصري: "أوعوا تفتكروا إننا ممكن نقوم بدور سلبي تجاه أشقائنا الفلسطينيين.. إحنا موقفنا ثابت، وضميرنا لا يسمح بالخذلان".

لحظات فارقة


من جهته، قال اللواء الدكتور رضا فرحات، نائب رئيس حزب المؤتمر وأستاذ العلوم السياسية، إن عملية الإنزال الجوي التي تنفذها مصر فوق قطاع غزة تمثل لحظة فارقة في تجسيد الدور المصري الوطني والإنساني، مؤكداً أن ما يحدث ليس مجرد تحرك إغاثي بل رسالة استراتيجية للعالم بأن القاهرة لن تتخلى عن مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني، مهما بلغت التحديات.

وأشار فرحات في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن هذه العمليات الاستثنائية جاءت في توقيت بالغ الدقة، حيث يعيش قطاع غزة انهيارًا شبه تام في البنية التحتية والمنشآت الصحية، ما جعل بعض المناطق معزولة كليًا عن خطوط الإمداد البري، مضيفًا: أن مصر لم تكتفِ بفتح معبر رفح، بل تحركت جوًا لإنقاذ من لا تصل إليهم القوافل، وهو ما يعكس دقة التنسيق واحترافية الأداء بين مؤسسات الدولة.

وأكد، أن مصر تتحرك من منطلق أخلاقي وقومي، دون انتظار إذن أو مساومات، مستندة إلى تاريخ طويل من الالتزام الصادق بالقضية الفلسطينية.

 واعتبر فرحات أن محاولات النيل من الدور المصري ستبوء بالفشل، لأن ما تقدمه القاهرة لغزة هو فعل ميداني مؤثر، وليس مجرد شعارات.