حزب الله بعد حسن نصر الله.. تحديات الداخل والخارج في معركة البقاء
حزب الله بعد حسن نصر الله.. تحديات الداخل والخارج في معركة البقاء

يُواجه حزب الله اللبناني تحديات غير مسبوقة في مرحلة ما بعد أمينه العام السابق، حسن نصر الله، وسط تحولات إقليمية ودولية تعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة، فقد أدّت المواجهة الأخيرة مع إسرائيل إلى خسائر عسكرية كبيرة، بالإضافة إلى المتغيرات في سوريا ولبنان، التي تُعيد ترتيب الأوراق أمام الحزب، مما يجعله أمام اختبار صعب للاستمرار كلاعب رئيسي في الساحة السياسية والعسكرية.
تحولات القيادة.. من زعامة فردية إلى مؤسسة سياسية
يعتبر تولي نعيم قاسم قيادة الحزب تحولًا مهمًا، حيث يواجه الحزب ضرورة إعادة هيكلة قراراته السياسية والعسكرية بشكل أكثر مؤسسية، بدلًا من الاعتماد على الزعامة الفردية التي تميزت بها مرحلة نصر الله.
هذا التغيير يأتي في وقت تتزايد فيه الضغوط على الحزب، سواء داخليًا من القوى السياسية اللبنانية التي تطالب بحصر السلاح في يد الدولة، أو خارجيًا من الولايات المتحدة ودول الخليج، التي تصنفه منظمة إرهابية وتفرض عليه عقوبات مالية مشددة.
لكن رغم هذه التغييرات، لا يبدو أن الحزب مستعد للتنازل عن نفوذه داخل لبنان، حيث لا يزال يعتبر نفسه لاعبًا رئيسيًا في المعادلة السياسية، ويصر على أن سلاحه هو "جزء من معادلة الردع" ضد إسرائيل، وليس مجرد ورقة ضغط سياسية.
التحديات الأمنية.. قواعد الحزب في مرمى الاستهداف
أحد أكبر التحديات التي يُواجهها الحزب حاليًا هو تزايد الاستهداف الإسرائيلي لقادته العسكريين، سواء داخل لبنان أو خارجه، فقد أدت الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا إلى مقتل عدد من القادة البارزين في الحزب، ما يعكس تحولًا في الاستراتيجية الإسرائيلية التي أصبحت أكثر جرأة في استهداف الحزب خارج الحدود اللبنانية.
كما أن الداخل اللبناني لم يعد بيئة آمنة تمامًا للحزب، حيث زادت التوترات مع قوى سياسية لبنانية تتهمه بالهيمنة على القرار الوطني، وتعتبر أن سيطرته على المرافق الحيوية والموانئ والمطار تمثل تهديدًا لسيادة الدولة.
الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في لبنان تزيد من الضغوط الشعبية على الحزب، خاصة مع تراجع الدعم المالي الإيراني بسبب العقوبات الدولية.
العلاقة مع الدولة اللبنانية.. بين الشراكة والتوتر
رغم إصرار الحزب على أن سلاحه هو جزء من منظومة "المقاومة"، إلا أن الدعوات الداخلية لتقنين سلاحه أو دمجه في الجيش اللبناني أصبحت أكثر إلحاحًا، فالجيش اللبناني، المدعوم دوليًا، يسعى إلى لعب دور أكثر استقلالية، في وقت يواجه الحزب ضغوطًا متزايدة من الشارع اللبناني الذي أصبح أكثر انتقادًا لدوره في السياسة الداخلية، خاصة بعد انفجار مرفأ بيروت والأزمة المالية التي تعصف بالبلاد.
التحولات في سوريا.. هل خسر الحزب ورقته الإقليمية؟
لطالما اعتبر حزب الله أن وجوده في سوريا ضروري لحماية "خطوط الإمداد" التي تربطه بإيران، لكن الوضع تغير بعد الحرب السورية، فمع ضعف نظام الأسد، لم يعد الحزب يمتلك السيطرة الكاملة على المناطق التي استخدمها سابقًا كممرات لوجستية.
كما أن القيادة الجديدة في دمشق أصبحت أكثر ميلًا للتقارب مع بعض الفصائل المعارضة، مما يعكس تغيرًا في المشهد السياسي الذي قد يُؤثر على مصالح الحزب.
كذلك الغارات الإسرائيلية المتكررة داخل سوريا تكشف عن ضعف قدرة الحزب على استخدام الأراضي السورية كنقطة ارتكاز، حيث لم يعد بإمكانه الرد بنفس القوة التي كان يتمتع بها قبل سنوات.
على الصعيد الدولي، لا تزال الولايات المتحدة ودول الخليج تُمارس ضغوطًا مكثفة على الحزب، سواء عبر العقوبات المالية أو عبر دعم الجيش اللبناني كقوة موازية له، هذه الاستراتيجية تهدف إلى تقليص نفوذه داخل لبنان دون الدخول في مواجهة مباشرة.
ويقول الباحث السياسي اللبناني طوني حبيب، إن رحيل حسن نصر الله عن المشهد سيكون نقطة تحول كبرى، فهو ليس مجرد زعيم سياسي للحزب بل شخصية كاريزمية تمثل العمود الفقري للحزب منذ عقود، وتولي نعيم قاسم قد يشير إلى انتقال نحو قيادة أكثر جماعية ومؤسسية.
ويضيف حبيب - في تصريحات خاصة لـ"العرب مباشر" - أن قيادة الحزب في الفترة المقبلة ستُواجه انقسامات داخلية بين الأجنحة الأكثر تشددًا، والتي ترى ضرورة التصعيد العسكري لمواجهة الضغوط، وبين تيار أكثر براغماتية يدرك أن الظروف الإقليمية والداخلية لا تسمح بالمزيد من المغامرات العسكرية.