شبكات التمويل الخفي في تونس.. المعركة الصامتة ضد نفوذ الإخوان

شبكات التمويل الخفي في تونس.. المعركة الصامتة ضد نفوذ الإخوان

شبكات التمويل الخفي في تونس.. المعركة الصامتة ضد نفوذ الإخوان
راشد الغنوشي

على وقع تحولات سياسية عميقة تشهدها تونس منذ عام 2021، عاد ملف التمويلات الأجنبية ليطفو مجددًا إلى سطح الجدل العام، لكن هذه المرة بوتيرة أكثر سخونة ووضوحًا، فمع إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد عن رصد تدفقات مالية "غامضة" تدخل البلاد تحت واجهات قانونية مثل الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الربحية، بدا أنّ معركة الدولة ضد الفساد المالي وتمويل الإرهاب تدخل مرحلة حاسمة، فالأموال التي كانت لفترة طويلة تمر عبر قنوات غير رسمية خارج أعين الأجهزة الرقابية، باتت اليوم تحت عدسة التحقيق، خصوصًا مع الاتهامات المباشرة التي وجّهها الرئيس سعيّد إلى شبكات مرتبطة بما وصفه بـ"قوى سياسية استغلّت فوضى ما بعد 2011 لإعادة تشكيل نفوذها الاقتصادي عبر المال الأجنبي"، في إشارة واضحة إلى تنظيم الإخوان ومحيطه السياسي.

 المعركة التي تخوضها تونس، اليوم ليست، مالية فحسب؛ بل إنها معركة تتعلق بأمنها القومي واستقرارها الاجتماعي، في ظل مخاوف من عودة نفوذ الجماعات التي سعت سابقًا إلى اختراق مؤسسات الدولة عبر الاقتصاد الموازي.

أموال تتدفق سرًا


تعيش تونس حالة استنفار مالي وأمني جديد بعد تصريحات الرئيس قيس سعيّد التي تحدث فيها عن أموال طائلة تتدفق سرًا من الخارج بهدف التأثير على الوضع الداخلي وزعزعة الاستقرار.

هذه التصريحات جاءت في لقاء جمعه بمحافظ البنك المركزي فتحي زهير النوري، لتكشف عن مخاوف رسمية من تزايد نشاط المال السياسي داخل البلاد، بما في ذلك الأموال التي تُتهم جهات مرتبطة بتنظيم الإخوان بالوقوف خلفها.

وبحسب ما قاله الرئيس سعيّد، فإن هذه الأموال لا تقتصر على نشاط اقتصادي غير شرعي، بل تتورط في عمليات تبييض أموال وتمويل أنشطة سياسية مشبوهة.

ويؤكد أن الثغرة ليست فقط في القوانين، وإنما في ضعف تطبيقها، في إشارة إلى ما يصفه مراقبون بـدولة موازية مالية تشكلت في تونس خلال العقد الماضي عبر الجمعيات والمنظمات ذات الغطاء الخيري.

البنك المركزي يدخل على الخط


في أول رد فعل رسمي، أصدر البنك المركزي التونسي تعليمات صارمة إلى البنوك والمؤسسات المالية بضرورة تشديد الرقابة على التحويلات الأجنبية، وخاصة تلك التي تدخل عبر حسابات الجمعيات. 

وذكر البنك -في بيانه الأخير-، أن الهدف هو تعزيز إجراءات الوقاية من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، في خطوة تعكس جدية الدولة في فتح هذا الملف المعقد.

لكن المشكلة، وفق خبراء الاقتصاد، ليست جديدة. إذ تؤكد تقارير رسمية وشبه رسمية، أن السنوات التي تلت ثورة 2011 شهدت تضخمًا غير مسبوق في عدد الجمعيات، التي ارتفعت من 9 آلاف جمعية إلى أكثر من 23 ألفًا خلال أقل من عقد، وهو ما اعتبره كثيرون غطاءً شرعيًا لتدفقات مالية غير مشروعة.

المحلل السياسي التونسي المنجي الصرارفي، يرى أن المال الأجنبي دخل تونس بشكل مكثف خلال فترة حكم حركة النهضة، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان، تحت ستار العمل الخيري والتمويل التنموي.

ويضيف في تصريحات خاصة لـ"العرب مباشر": هذا المال لم يكن بريئًا، بل استخدم لإعادة تشكيل نفوذ سياسي وتوجيه المشهد العام عبر تمويل الحملات الانتخابية وشراء الولاء.

ويؤكد الصرارفي، أن جزءًا من هذه الأموال ما زال يتدفق حتى اليوم، رغم القيود القانونية التي فرضتها الدولة، موضحًا أن شبكات التمويل باتت أكثر مرونة، وأصبحت تعتمد وسائل ملتوية مثل التحويلات الجزئية الصغيرة أو تمرير الأموال عبر شركات واجهة.

ويشير إلى أن لجنة التحليل المالي بالبنك المركزي تتلقى جميع حسابات الجمعيات وتراقبها، لكن هناك ضعفًا في التدقيق الميداني، ما يسمح لكثير من الجمعيات بالعمل رغم الشبهات القوية حول مصادر تمويلها.

تمويل الإرهاب تحت عباءة العمل الخيري

أما المحلل السياسي نبيل غواري فيذهب أبعد من ذلك، مؤكدًا أن بعض الجمعيات في تونس لعبت دورًا محوريًا في تمويل الإرهاب خلال العقد الماضي.

ويقول: لدينا أرقام تشير إلى أن نحو 6 آلاف شاب تونسي تم تسفيرهم إلى بؤر التوتر في سوريا والعراق وليبيا عبر شبكات مالية مرتبطة بجمعيات تتلقى تمويلات خارجية.

ويضيف في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن قيادات إخوانية كانت تدير جزءًا من هذه الشبكات، وأن الهدف اليوم ما زال قائمًا: اختراق المجتمع والسيطرة على مفاصله عبر المال.

ويطالب غواري بتطبيق القانون بصرامة ومراجعة المرسوم المنظم للجمعيات الذي فُصل عام 2011 بطريقة تخدم أجندة سياسية واضحة.

معركة قانونية وأمنية مفتوحة

بحسب خبراء قانون، فإن المرسوم عدد 88 الخاص بالجمعيات الذي صدر سنة 2011 خلق فراغًا تشريعيًا استغلته الجماعات الدينية والسياسية لتلقي تمويلات خارجية دون رقابة حقيقية.

 ورغم تعديل القانون أكثر من مرة، فإن هناك ثغرات ما تزال قائمة، مثل ضعف مراقبة التدفقات المالية الصغيرة أو المتكررة.

ويرى مراقبون، أن المعركة الحالية ليست معركة أموال فقط، بل معركة نفوذ وأجندات سياسية تتقاطع مع مصالح قوى إقليمية، فتنظيم الإخوان، الذي خسر نفوذه داخل مؤسسات الدولة بعد إجراءات 25 يوليو 2021، يحاول - وفق محللين - إعادة التموضع عبر الاقتصاد الموازي وشبكات الجمعيات.

 

أرقام مثيرة للجدل

 

تكشف أحدث بيانات صادرة عن مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات في تونس أن عدد الجمعيات النشطة يبلغ 25 ألفًا و80 جمعية، منها ما يقارب 1500 جمعية تُطرح حولها شبهات ارتباط بأطراف سياسية أو تنظيمات خارجية. 

 

ورغم تجميد نشاط بعضها، إلا أن مصادر أمنية تقول إن بعضها ما يزال يشتغل في الخفاء عبر واجهات أخرى.