إسرائيل تُسكت صوت جنودها.. نهاية إذاعة الجيش الإسرائيلي بعد 75 عامًا من البث
إسرائيل تُسكت صوت جنودها.. نهاية إذاعة الجيش الإسرائيلي بعد 75 عامًا من البث
في خطوة وصفت بأنها "قصّ للسان الجيش الإسرائيلي"، أعلن وزير الدفاع يسرائيل كاتس عن قرار إغلاق إذاعة الجيش بحلول الأول من مارس المقبل، منهيًا بذلك حقبة إعلامية امتدت لأكثر من سبعين عامًا، لم يكن القرار مجرد إجراء إداري، بل عكس صراعًا متصاعدًا داخل المؤسسة الإسرائيلية بين من يرون الإعلام العسكري أداة تعبئة وطنية، وبين من يعتبرونه مساحة ضرورية للنقد والمساءلة.
الإذاعة التي وُلدت في خمسينيات القرن الماضي كصوت للجنود تحولت مع مرور العقود إلى منبر سياسي مؤثر يناقش سياسات الحكومة والجيش؛ ما أثار غضب صانعي القرار الذين اعتبروها خرجت عن وظيفتها الأصلية، واليوم، مع تصاعد الانقسامات السياسية والحرب المستمرة، اختار كاتس أن يُغلق المايكروفون نهائيًا، في خطوة يرى فيها البعض محاولة لإسكات الأصوات المعارضة، بينما يصفها آخرون بأنها تصحيح لمسار فقد بوصلته منذ زمن.
إسدال الستار
بعد أكثر من سبعة عقود من البث المتواصل، قرر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إسدال الستار على محطة إذاعة الجيش الإسرائيلي، التي لطالما شكلت جزءًا من الذاكرة الإعلامية للدولة العبرية.
ووفقًا لبيانه الرسمي، فإن قرار الإغلاق سيصبح نافذًا في الأول من مارس 2026، على أن يتم تشكيل لجنة خاصة داخل وزارة الدفاع للإشراف على عملية إنهاء البث وتسوية أوضاع العاملين في الإذاعة.
الإذاعة التي تأسست عام 1950، كانت في بدايتها منبرًا داخليًا للجيش يهدف إلى رفع معنويات الجنود ونقل أخبارهم إلى عائلاتهم، لكنها مع مرور الوقت تحولت إلى مؤسسة إعلامية كاملة تُبث برامجها إلى عموم الجمهور، وتناقش قضايا سياسية واجتماعية، وأصبحت تحظى بنسبة استماع مرتفعة في إسرائيل.
تجاوزت الخطوط الحمراء
غير أن هذا التحول التدريجي لم يرق للقيادات السياسية والعسكرية التي رأت في الانتقادات المتزايدة عبر الأثير "تجاوزًا للخطوط الحمراء"، خصوصًا خلال فترات الأزمات والحروب.
وقال كاتس في تبريره: "أنشأت الحكومة الإسرائيلية هذه المحطة لتكون صوت الجنود، لا منبرًا للنقاشات السياسية أو الهجمات على الجيش"، وأضاف: أن "تشغيل محطة إذاعية مدنية تحت مظلة الجيش هو أمر لا نظير له في أي دولة ديمقراطية"، وفقًا لـ"مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي".
ويعكس تصريح كاتس عمق الأزمة بين السلطة السياسية والإعلام العسكري الذي تحول إلى مساحة أكثر تحررًا مما تتحمله المؤسسة الرسمية، فخلال العامين الأخيرين، ومع تصاعد العمليات العسكرية في غزة ولبنان، بثت الإذاعة تقارير وتحقيقات انتقدت طريقة إدارة الحرب والخسائر بين صفوف الجنود، بل واستضافت أصواتًا معارضة من داخل إسرائيل نفسها، وهو ما أثار حفيظة وزارة الدفاع ودوائر القرار في تل أبيب.
انقسام غير مسبوق
يقول مراقبون: إن قرار الإغلاق لا يمكن فصله عن المزاج السياسي السائد داخل الحكومة اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو، التي تبدي حساسية شديدة تجاه النقد الإعلامي. ويضيف هؤلاء: أن الخطوة تأتي في سياق "ضبط السردية الوطنية" بعد تزايد الأصوات المنتقدة لأداء الجيش في الميدان، وتراجع الثقة العامة في مؤسسات الدولة.
وتشير مصادر إسرائيلية إلى أن كاتس ليس أول من فكّر في هذه الخطوة، فقد طرحت منذ خمسينيات القرن الماضي مقترحات عديدة لإغلاق الإذاعة أو خصخصتها أو فصلها عن المؤسسة الدفاعية، لكنها جميعًا بقيت حبيسة النقاش حتى اليوم.
الجديد هذه المرة هو السياق السياسي الحاد الذي يرافق القرار، في ظل انقسام داخلي غير مسبوق بين التيارات الإسرائيلية حول مستقبل الحرب، ومكانة الجيش، وحدود حرية التعبير.
في المقابل، يرى عدد من المحللين، أن الإذاعة لم تعد تعكس روح الجيش كما في السابق، بل تحولت إلى وسيلة إعلامية ذات أجندة خاصة أحيانًا، تخضع لتأثيرات الصحفيين المدنيين العاملين فيها، وقد اشتكى عدد من الجنود وعائلات القتلى، بحسب تصريحات كاتس، من أن الإذاعة لم تعد تعبّر عنهم، بل تبث مواد تُضعف "المجهود الحربي" وتفسر من قبل الأعداء كرسائل ضعف داخل المؤسسة العسكرية.
لكن معارضي القرار يرون في الخطوة انتكاسة خطيرة لحرية الإعلام في إسرائيل، فإغلاق الإذاعة، بالنسبة لهم، يعني القضاء على إحدى آخر المنصات التي كانت تسمح بطرح الأسئلة حول الأداء العسكري والسياسي دون خوف، واعتبر بعض الصحفيين الإسرائيليين أن "كاتس اختار الطريق الأسهل: إسكات المايكروفون بدل إصلاح المؤسسة".

العرب مباشر
الكلمات