المقابر الجماعية في خانيونس: مأساة إنسانية وشهادات حية من قلب الدمار
المقابر الجماعية في خانيونس مأساة إنسانية وشهادات حية من قلب الدمار
في مشهد يعيد إلى الأذهان صور الحروب الأكثر دموية، تستمر خانيونس في كشف جراحها للعالم. تحت أكوام الركام والأنقاض، تُخفي المدينة قصصًا لمئات الأرواح التي أُزهقت بصمت، وألفي مفقود ينتظر أهلهم عودتهم بفارغ الصبر. البحث مستمر لليوم السادس على التوالي، والأمل يتضاءل مع كل جثة يتم انتشالها من المقابر الجماعية التي تم العثور عليها في ساحة مجمع ناصر الطبي.
*البحث عن الحياة وسط الدمار*
مع فجر كل يوم جديد، يواصل الدفاع المدني الفلسطيني مهمته الشاقة في انتشال الجثث، وسط أجواء مهيبة تخيم على المكان. الصحفي حسين اصليح، بكاميرته، يوثق هذه اللحظات القاسية، محاولًا نقل الحقيقة المرة للعالم. الصور والفيديوهات التي تم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا تُظهر سوى جزء يسير من المأساة الإنسانية التي تعيشها المدينة.
*شهادات الناجين والمفقودين*
في خانيونس، حيث الدمار يعانق الأفق، تروي الشوارع الموحشة والمقابر الجماعية المكتشفة حديثًا قصة مدينة تجرعت مرارة الإبادة، الجثامين المتحللة، التي تُركت لتشهد على الفظائع، تنتشر في كل مكان، وكأنها تناجي الحياة التي غادرتها بصمت.
خالد موسى، الذي يعمل ضمن فرق الإنقاذ، يقف شاهدًا على هذا الخراب الإنساني، وصفه للوضع لا يخلو من الألم: "كارثي"، هكذا يقول، وهو يتحدث عن رائحة الموت التي تغزو كل زاوية وتنتشر في الأزقة والساحات، تلك الرائحة التي تُذكّر بأن الموت كان هنا، وما زال.
يقول موسى لـ"العرب مباشر": البحث مستمر والعثور على جثث الشهداء لم يتوقف، عشرات القتلى المجهولين من النساء والأطفال الذي نعتقد أنهم مجهولين لأن ذويهم سبقوهم إلى الشهادة فلم يعد هناك من يسأل عن مفقودين بعد أن فقدت أسر كاملة.
وتابع موسى، عدد كبير من الجثث وجدناها دون رؤوس، وعدد آخر من الجثث كان مقيد الأمر الذي يدل أنه كان مقبوضًا عليه وتمت تصفيته على يد جيش الاحتلال، هذا بالإضافة إلى عدد من الجثث وجدناها دون أعضاء داخلية.
الفرق الإنقاذية، المكونة من رجال ونساء يحملون الأمل على أكتافهم، تعمل دون كلل أو ملل، يحفرون في الأرض، ينقبون بين الأنقاض، يبحثون عن أي علامة قد تدل على حياة كانت هنا، عن قصص لم تُروَ بعد، عن أحلام قُتلت قبل أن تزهر، يستهدفون كل بقعة قد تخفي تحتها أسرارًا لم تُكشف، وحيوات انتهت قبل أوانها، وهم يعلمون أن كل شبر في هذه المدينة قد يكون مأوى لروح رحلت أو قصة لم تُحكَ بعد.
*دعوات للتحرك العالمي*
تتالت ردود الأفعال الدولية المستنكرة والمطالبة بالتحقيق والمساءلة إثر الكشف عن المقابر الجماعية في خان يونس، حيث تحولت ساحة مجمع ناصر الطبي إلى مركز للأنظار العالمية. وكالات الأنباء العالمية والمنظمات الحقوقية أبرزت الحجم الحقيقي للكارثة، مشيرة إلى أن الأعداد الكبيرة للضحايا تعكس مدى العنف الذي تعرضت له المدينة.
من جانبها، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها العميق، ووصفت الهجمات على مراكز الأونروا بأنها تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، داعية إلى وقف فوري للعنف وحماية المدنيين.
من ناحية أخرى، أصدرت عدة دول بيانات رسمية تدين الأحداث، ومن بينها إيطاليا التي طالبت إسرائيل بوقف المجازر في قطاع غزة. وفي السياق ذاته، دعت منظمات دولية مثل الصليب الأحمر وأطباء بلا حدود إلى توفير الدعم الطبي والإنساني العاجل للمتضررين، وأكدت على ضرورة فتح تحقيق دولي شامل لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
الصحفي جمال سالم، بتقاريره الميدانية المؤثرة، نقل صورة حية عن الدمار الهائل والخسائر البشرية الفادحة، مشدداً على أن ما يحدث في خان يونس يعد شهادة على إبادة جماعية.
وقد أثارت تقاريره هذه تفاعلاً كبيرًا في الأوساط الإعلامية والسياسية، مما دفع بالعديد من الدول والمنظمات للمطالبة بتحرك دولي فوري لوقف العنف وضمان عدم تكرار مثل هذه الأحداث في المستقبل.
*خانيونس: رمز للصمود والألم*
يقول مراقبون: إن ما حدث في خانيونس ليس سوى فصل من فصول العنف التي تشهدها المنطقة، ولكنه يظل الأكثر دموية والأشد وقعًا على النفس.
تقف المدينة اليوم شاهدة على قسوة الحرب وتداعياتها، مطالبة الإنسانية جمعاء بالتوقف للحظة صمت، تكريمًا لأرواح من رحلوا ودعمًا لمن بقوا ينتظرون عودة مفقوديهم.