اتهامات متبادلة.. فيضانات ليبيا تفتح النار على النخب السياسية وتكشف الوجه القبيح للانقسامات
فتحت فيضانات ليبيا النار على النخب السياسية وتكشف الوجه القبيح للانقسامات
مع اجتياح العاصفة "دانيال" البحر الأبيض المتوسط في مسار تصادمي مع ليبيا، بدأ المسؤولون في شرق البلاد بإصدار تحذيرات متضاربة، وصدرت أوامر لبعض السكان في مدينة درنة الساحلية بالبقاء في منازلهم، بينما طُلب من آخرين إخلاء منازلهم، لذلك، عندما ضربت العاصفة، وجلبت معها أمطارًا غزيرة ورياحًا عاتية، لم يكن هناك وقت للاستعداد، حيث انهار السدان القديمان فجأة ليسمح للنهر بإغراق التلال المطلة على المدينة، كما اجتاحت سيول من مياه الفيضانات درنة، وجرفت المباني والطرق والسيارات والسكان إلى البحر المفتوح، وقتلت أكثر من 12 ألف شخص حتى الآن.
اتهامات متبادلة
وبحسب صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، فإنه بعد مرور ما يقرب من أسبوع، بدأ الشعور بالاتهامات المتبادلة محسوسًا في جميع أنحاء الدولة المقسمة التي عانت من الفوضى والصراع لأكثر من عقد من الزمن، وقد أدى هذا إلى ترك بنيتها التحتية في حالة من الاضمحلال ومؤسساتها ضعيفة ومجوفة، وبينما حذر الخبراء منذ فترة طويلة من أن سدود درنة معرضة للانفجار، سارعت السلطات إلى تبرئة نفسها.
وقال عقيلة صالح، الذي يرأس برلمان الشرق، لليبيين: "لا يمكن إلقاء اللوم على أحد إن الله يشاء ويفعل لا تقل لو فعلنا هذا أو ذاك، ما حدث في بلادنا كان كارثة طبيعية".
بينما قال أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الليبي إن الكارثة كانت غير متوقعة على الإطلاق، على الرغم من تحذيرات الأرصاد الجوية من فيضانات محتملة قبل وصول العاصفة إلى اليابسة، وهو أمر يحدث في جميع البلدان.
وأوضحت الصحيفة أن ما حدث في ليبيا لا يشبه ما يحدث في باقي بلدان العالم، فهي دولة مزقتها الحروب والانقسامات السياسية، بالرغم من امتلاكها نفطا وموارد طبيعية تضاهي الذي تملكه دول الخليج العربي، ما يجعل مواطنيها يكافحون للحصول على الخدمات والسلع الأساسية، حيث تسببت النخبة السياسية المتناحرة في تقسيم البلاد، واليوم يتبادلون الاتهامات في المتسبب الحقيقي للكارثة.
فشل كبير
بينما أكدت صحيفة "تليجراف" البريطانية أن الفشل حتى في صيانة سدود درنة قد أثار غضب الليبيين، حيث قال الصحفي البارز خليل الحاسي عن المسؤولين الذين يعتقد هو والعديد من الليبيين الآخرين أنهم مذنبون: "يجب على الجميع الاستقالة".
وتابع: "نخرج الجثث من البحر بالشباك وكأنها أسماك. لقد مرت 14 سنة مع هؤلاء الأشخاص الذين تسببوا في هذه الكارثة. نحن لا نثق في تحقيقاتهم وقضائهم. وقال في مقابلة تلفزيونية: “لا نثق في أي شيء من هذه الدولة الليبية الفاشلة”.
وأضافت الصحيفة أن الفيضانات جرفت الجسور ودمرت مساحة 10 كيلومترات مربعة من المدينة القديمة التي شهدت الحكم اليوناني والروماني والإسلامي.
أعطى المسؤولون الليبيون حصيلة متضاربة إلى حد كبير، لكن ما لا يقل عن 12 ألف شخص لقوا حتفهم حتى الآن، بينما يقول آخرون إن ما يصل إلى 20 ألفا ربما لقوا حتفهم، ويتم دفنهم في مقابر جماعية، ومن المرجح أن تزيد الأعداد مع انتشال المزيد من الجثث.
وقال عماد الدين بادي، الباحث الليبي والمحلل الأول في المبادرة العالمية: "هذه ليست نتيجة العاصفة، إنها نتيجة مباشرة للحكم ومحسوبية المسؤولين على مر السنين، حيث تنفجر السدود بسبب عاصفة".
وتابع: "العاصفة دانيال كانت مجرد كبريت أشعل فتيل الأزمة، فالنخب السياسية والسلطات الأمنية هي التي مهدت الطريق لكي تصبح درنة مسرحاً للجريمة كما هي اليوم".
وأوضحت الصحيفة أن الفترة التي سبقت الكارثة سلطت الضوء على الخلل الوظيفي الذي تعاني منه الدولة، وحذرت دراسة أكاديمية نشرتها مجلة جامعية ليبية العام الماضي من حدوث تشققات في السدود و"عواقب وخيمة" في حالة فشلها، مع اقتراب العاصفة دانيال، طلبت السلطات في درنة، بقيادة عمدة المدينة، وهو أحد أقارب عقيلة صالح، من بعض الناس المغادرة وأمرت بحظر التجول للآخرين.
وتابعت أنه حتى مع التحذيرات التي سبقت العاصفة، فقد أنشأت السدود في السبعينيات بمساعدة شركة يوغوسلافية، عندما كان معمر القذافي يحكم ليبيا، وقبل عامين فقط من الإطاحة به في عام 2011، تعاقدت حكومته مع شركة تركية لإجراء الإصلاحات، ولكن يبدو أن العمل تم إلغاؤه بسبب الفوضى التي أحاطت بالحرب الأهلية التي انتهت بالإطاحة به بدعم من حلف شمال الأطلسي.
منذ ذلك الحين، شهدت ليبيا سلسلة من الصراعات، بما في ذلك معركة مدمرة لاستعادة درنة من المسلحين المرتبطين بتنظيم القاعدة والتي انتهت في عام 2019.
وتحدث دبلوماسي غربي سابق عمل في البلاد عن غضب شعبي كبير في ليبيا، مضيفا: "آمل أن يكون ذلك كافيا لطرد كل هؤلاء البلطجية وأن تكون هناك حكومة موحدة تحكم ليبيا بعيدًا عن المتطرفين الإرهابيين".