حكومة نواف سلام تنطلق وسط دعم دولي وتحديات داخلية معقدة

حكومة نواف سلام تنطلق وسط دعم دولي وتحديات داخلية معقدة

حكومة نواف سلام تنطلق وسط دعم دولي وتحديات داخلية معقدة
نواف سلام

بعد أشهر من التجاذبات السياسية، أعلن لبنان عن تشكيل حكومة جديدة برئاسة نواف سلام، في خطوة تُعدّ حاسمة لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية التي تعصف بالبلاد.

 وجاء الإعلان عن التشكيلة الحكومية وسط ترحيب واسع من دول عربية وغربية، التي رأت في هذه الخطوة بارقة أمل لإعادة الاستقرار الداخلي وتعزيز الإصلاحات المطلوبة، وتضم الحكومة 24 وزيرًا من خارج الإطار الحزبي، وفق ما أكد الرئيس اللبناني جوزيف عون، مشددًا على أن المرحلة المقبلة ستشهد جهودًا حثيثة لمعالجة الأزمات المتفاقمة، لا سيما الأوضاع المالية وإعادة الثقة في مؤسسات الدولة.

وفي ظل هذه التطورات، تتجه الأنظار إلى مدى قدرة الحكومة الجديدة على تحقيق اختراقات حقيقية في الملفات العالقة، خاصة مع استمرار الضغط الدولي لتنفيذ إصلاحات هيكلية. 
فهل ستكون هذه الحكومة نقطة تحول في المشهد السياسي اللبناني أم أنها ستواجه المصير ذاته لحكومات سابقة؟  

حكومة جديدة وسط أزمة متصاعدة


أعلنت الرئاسة اللبنانية، مساء السبت، تشكيل حكومة جديدة بقيادة نواف سلام، في خطوة تهدف إلى إنهاء حالة الجمود السياسي التي خيّمت على البلاد لعدة أشهر. 

وضمت التشكيلة 24 وزيرًا، جميعهم من خارج الإطار الحزبي، في محاولة لإبعاد الحكومة عن الانقسامات السياسية التقليدية. 

وأكد الرئيس جوزيف عون، أن الحكومة الجديدة جاءت وفق معايير الكفاءة والخبرة، وأنها ستعمل بروح الفريق الواحد لتحقيق الإصلاحات المطلوبة وإنقاذ البلاد من أزماتها المتراكمة.  

من جهته، أكد رئيس الوزراء المكلف نواف سلام، خلال مؤتمر صحفي عقب الإعلان عن التشكيلة، أن حكومته ستضع في مقدمة أولوياتها الإصلاحات الاقتصادية والمالية، إلى جانب العمل على تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بلبنان، بما فيها القرار 1701، لضمان الاستقرار الأمني. 

وأضاف سلام: "لن ندخر جهدًا في العمل من أجل إعادة الثقة بالدولة اللبنانية ومؤسساتها، ونحن أمام تحديات كبرى تتطلب تضامنًا وطنيًا وجهودًا استثنائية".  

ترحيب عربي ودولي واسع  


حظي تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة بقيادة نواف سلام بردود فعل إيجابية على المستويين العربي والدولي، وسط آمال بأن تكون هذه الخطوة بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار السياسي والإصلاحات الاقتصادية المطلوبة. وسارعت جامعة الدول العربية إلى الترحيب بهذه الخطوة، حيث أكد أمينها العام، أحمد أبو الغيط، في تغريدة على منصة "إكس"، أن تشكيل الحكومة يمثل تطورًا مهمًا للبنان في ظل التحديات التي يواجهها، مشيرًا أن الجامعة العربية تتابع عن كثب الأوضاع في بيروت، ومستعدة لدعم أي جهود تسهم في تعزيز الاستقرار وإنجاح الإصلاحات.  

أما مصر، فقد أصدرت وزارة الخارجية بيانًا، أكدت فيه، دعمها للحكومة الجديدة، مشددة على أهمية الإسراع في استكمال الإجراءات الدستورية، بما في ذلك الحصول على ثقة البرلمان، حتى تتمكن من مباشرة عملها بشكل رسمي.

ووصفت القاهرة تشكيل الحكومة بأنه "خطوة محورية على طريق استعادة التوازن السياسي في لبنان"، مؤكدة أن استقرار بيروت يظل أولوية رئيسية للدول العربية نظرًا لدوره الحيوي في المعادلة الإقليمية، كما عبّرت مصر عن تطلعها إلى أن تنجح الحكومة في تنفيذ إصلاحات حقيقية، خاصة في المجالات الاقتصادية والأمنية، التي باتت تشكل مصدر قلق بالغ للمجتمع الدولي.  

من جهته، رحب مجلس التعاون الخليجي، بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، متمنياً أن يساهم ذلك في دعم مسيرة الاستقرار والتنمية في لبنان، وتلبية تطلعات الشعب نحو مستقبل أكثر ازدهاراً وأمناً، بما يعزز وحدة البلاد وسيادتها واستقلالها، واستعادة دورها التاريخي في العالم العربي.

وأشاد جاسم البديوي الأمين العام للمجلس بهذه الخطوة المهمة التي تعكس إرادة القيادة والقوى السياسية اللبنانية في تجاوز التحديات وتعزيز الاستقرار والأمن في لبنان، وأهمية تعزيز مواصلة الجهود الوطنية والدولية لدعم لبنان في هذه المرحلة الحساسة، بما يساهم في استعادة الاقتصاد والتنمية والأمن في البلاد.

وجدد التأكيد على موقف مجلس التعاون الثابت والداعم للبنان وشعبه، واستعداد دول الخليج لمواصلة الوقوف إلى جانب لبنان في كل ما من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار، متمنياً للحكومة الجديدة التوفيق والنجاح في أداء مهامها، وخدمة مصالح لبنان وشعبه، وتعزيز علاقاته الراسخة بدول المجلس.

دعم غربي مشروط بالإصلاحات  


على المستوى الدولي، لقيت الحكومة الجديدة دعمًا مشروطًا من القوى الغربية، حيث أبدت الولايات المتحدة الأميركية ترحيبها بالحكومة، لكنها شددت على ضرورة التزامها بتنفيذ إصلاحات هيكلية تضمن استقرار البلاد على المدى البعيد. 

وفي بيان صادر عن السفارة الأميركية في بيروت، أكدت واشنطن، أن اللبنانيين يستحقون حكومة قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية وإعادة بناء مؤسسات الدولة، محذّرة من أن أي تهاون في تنفيذ الإصلاحات.

سيؤدي إلى استمرار الأزمة

كما شددت الولايات المتحدة على أهمية مكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية في عمل المؤسسات الحكومية، لضمان استعادة الثقة الدولية في الاقتصاد اللبناني. 

من جانبه، شدد الاتحاد الأوروبي على أن دعم الحكومة الجديدة مرهون بمدى التزامها بتنفيذ الإصلاحات التي طالب بها المجتمع الدولي منذ سنوات.

وأكدت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد، كايا كالاس، أن الاتحاد الأوروبي على استعداد لتقديم مساعدات اقتصادية للبنان، لكنه ينتظر خطوات عملية من الحكومة الجديدة تثبت جديتها في تنفيذ برنامج إصلاحي شامل.

وأشارت أن الاتحاد الأوروبي سيعمل على تعزيز شراكته مع لبنان خلال المرحلة المقبلة، بما في ذلك عقد اجتماعات رسمية لمناقشة سبل دعم الإصلاحات الاقتصادية والإدارية الضرورية. 

أما بريطانيا، فقد رحبت بتشكيل الحكومة الجديدة، مؤكدة على لسان سفيرها في بيروت، هاميش كاول، أن المجتمع الدولي يتوقع من الحكومة الجديدة اتخاذ قرارات حاسمة لإنقاذ الاقتصاد اللبناني، وضمان استقرار البلاد. 

وأشار السفير البريطاني، أن لندن مستعدة لدعم لبنان، لكن ذلك يعتمد على قدرة الحكومة على تنفيذ الإصلاحات ومكافحة الفساد، وتحقيق الشفافية في إدارة الموارد المالية للدولة. 

التحديات أمام الحكومة الجديدة


الحكومة اللبنانية الجديدة تواجه تحديات بالغة التعقيد، في مقدمتها الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالبلاد منذ سنوات، فقد شهدت الليرة اللبنانية انهيارًا غير مسبوق أمام الدولار؛ مما أدى إلى ارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية، وأثر سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين.

ويواجه لبنان أزمات معقدة في مقدمتها وقوع أكثر من 80% من السكان تحت خط الفقر، في ظل أزمة مصرفية خانقة أدت إلى شلل شبه كامل في القطاع المصرفي، وتآكل ودائع اللبنانيين.

ويرى مراقبون، أن من أولى المهام التي تواجه الحكومة، إيجاد حلول سريعة لهذه الأزمة، عبر استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، الذي يشترط تنفيذ إصلاحات بنيوية لمنح لبنان أي حزم دعم مالي.

وأكد المراقبون، إلى جانب الأزمة الاقتصادية، تواجه الحكومة تحديات سياسية كبيرة، حيث يتعين عليها التعامل مع الانقسامات الداخلية التي تعيق اتخاذ قرارات حاسمة.

فالطيف السياسي اللبناني ما يزال منقسمًا حول العديد من القضايا الجوهرية، مثل سلاح حزب الله، وعلاقات لبنان الإقليمية، والتوازنات الطائفية في التعيينات الحكومية.


 وستكون قدرة رئيس الوزراء نواف سلام على إدارة هذه التناقضات عاملاً حاسمًا في نجاح حكومته أو تعثرها. 

وعلى الصعيد الأمني، ما تزال التوترات في الجنوب اللبناني تمثل تهديدًا مستمرًا، خاصة مع استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية.

كما أن تنفيذ القرار 1701، الذي ينص على وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل ولبنان، ما يزال يواجه عقبات ميدانية وسياسية.

 ومن المتوقع أن يكون ملف الأمن والاستقرار أحد أبرز التحديات التي ستواجه الحكومة الجديدة، لا سيما في ظل الضغوط الدولية المطالبة بضمان التهدئة في الجنوب اللبناني، ومنع أي تصعيد قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية جديدة. 

ورغم هذه التحديات، يرى المراقبين أن تشكيل الحكومة يمثل فرصة حقيقية للخروج من الأزمة، بشرط أن تتمكن من تنفيذ إصلاحات جذرية تعيد ثقة الداخل والخارج بالدولة اللبنانية.

فرصة أخيرة


من جانبه، يقول د. محمد المنجي، أستاذ العلوم السياسية: إن تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان يُعد خطوة إيجابية نظريًا، لكنه يبقى مرهونًا بمدى قدرتها على مواجهة التحديات التي تعصف بالبلاد. 

ويشير المنجي، أن الدعم الدولي والعربي الذي حظيت به الحكومة يعكس رغبة الأطراف الإقليمية والدولية في استقرار لبنان، لكنه دعم مشروط، ما يعني أن أي إخفاق في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة قد يؤدي إلى عزلة سياسية واقتصادية. 

وأضاف المنجي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن الحكومة تواجه معضلة اقتصادية معقدة، حيث يحتاج لبنان إلى إعادة هيكلة ديونه وضبط القطاع المصرفي لاستعادة الثقة الدولية، لكنه يؤكد أن المشكلة لا تقتصر على الاقتصاد، بل تمتد إلى المشهد السياسي المنقسم، حيث ستواجه الحكومة عراقيل داخلية من قوى غير مستعدة للتنازل عن مصالحها.

أما على الصعيد الأمني، فيحذر المنجي من أن استمرار التوترات في الجنوب اللبناني قد يُقوّض أي جهود إصلاحية، خاصة في ظل التحديات الإقليمية المتصاعدة.

 ويختم بالقول: إن نجاح الحكومة يعتمد على مدى استقلاليتها وقدرتها على كسب ثقة الشعب، معتبرًا أن أمامها فرصة أخيرة لإنقاذ لبنان من أزمته المستفحلة، وإلا فإن البلاد قد تتجه نحو مزيد من الانهيار.