حين سقطت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر.. شهادات العالم على نصر أكتوبر

حين سقطت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر.. شهادات العالم على نصر أكتوبر

حين سقطت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر.. شهادات العالم على نصر أكتوبر
حرب اكتوبر

قبل اثنين وخمسين عامًا، وفي ظهيرة السادس من أكتوبر 1973، دوّى في سماء الشرق الأوسط صوت مختلف؛ صوت عبّر عن إرادةٍ قررت أن تُعيد كتابة التاريخ، كانت تلك اللحظة التي عبر فيها الجندي المصري قناة السويس، لتتحول الرمال الصامتة إلى مسرح لمعركةٍ كسرت غرور إسرائيل وأعادت للأمة العربية ثقتها بنفسها، لم يكن نصر أكتوبر مجرّد انتصار عسكري فحسب، بل كان زلزالًا استراتيجيًا أعاد تشكيل خرائط السياسة الإقليمية والعسكرية، وترك أثره العميق في الوعي الجمعي لشعوب المنطقة، اليوم، وبعد مرور أكثر من نصف قرن، ما تزال أصداء تلك الحرب تتردد في صفحات الصحف الأجنبية التي وثّقت بذهول التحول التاريخي في ميزان القوة، من "هآرتس" الإسرائيلية إلى "نيويوركر" الأمريكية، بين سطورها اعترافٌ صريح بأن جيشًا وطنيًا مصممًا على استرداد كرامته، استطاع أن يبدد أوهام التفوق الإسرائيلي إلى الأبد.

لحظة العبور: حين استيقظ العالم على المفاجأة

في ظهر يوم الغفران اليهودي، وبينما كانت إسرائيل تعيش أجواء عطلتها المقدسة، اندفعت وحدات الجيش المصري تعبر قناة السويس بخطة محكمة لم يتوقعها أحد، التحركات الدقيقة، واستخدام خراطيم المياه لاختراق الساتر الترابي في خط بارليف، تحولت إلى درسٍ عسكري يدرّس حتى اليوم في الأكاديميات الحربية.

تقول مجلة "نيويوركر" الأمريكية في عددها الصادر في 11 أكتوبر 1973: إن "عبور القناة كان عملًا جريئًا وعبقريًا"، مشيرة إلى أن استخدام مضخات المياه لإذابة السواتر الرملية "أظهر ذكاءً ميدانيًا غير مسبوق".

كان ذلك الحدث بمثابة لحظة كاشفة، إذ تحوّل الشك العربي إلى يقين بأن المستحيل يمكن كسره حين تتوفر الإرادة والقيادة والرؤية.

انهيار الثقة الإسرائيلية


منذ حرب 1967، سادت في إسرائيل قناعة بأنها تملك جيشًا لا يُقهر، غير أن أحداث أكتوبر بدّدت تلك الثقة.

صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية كتبت في 2 نوفمبر 1973، أن "الجيش الإسرائيلي لم يتمكن من إلحاق الضرر بالقوات المصرية حتى وقف إطلاق النار"، مؤكدة أن الجيش المصري "احتفظ بزمام المبادرة حتى اللحظة الأخيرة".

أما صحيفة "جويش كرونيكل" البريطانية، فوصفت في 14 أكتوبر ما حدث بأنه "نهاية للغطرسة الإسرائيلية"، مشيرة أن ثقة تل أبيب بعد 1967 بلغت حدًا من الغرور "تحطم تمامًا في رمال سيناء".

لقد أيقنت إسرائيل والعالم أن تلك الحرب لم تكن مواجهة عادية، بل إعادة رسمٍ لتوازن الرعب والكرامة في الشرق الأوسط.

الصدمة الغربية


المفاجأة لم تكن لإسرائيل وحدها، بل للعواصم الغربية أيضًا، صحيفة "الديلي تليجراف" البريطانية وصفت الحرب بأنها "غيّرت مجرى التاريخ بالنسبة لمصر وبالنسبة للشرق الأوسط بأسره"، مؤكدة أن الأداء العربي "أعاد تعريف مفهوم الردع في المنطقة".

أما وكالة "رويترز"، فقد رصدت في تقريرها بتاريخ 11 أكتوبر "تراجع الجيش الإسرائيلي أمام تنوع الأسلحة المتطورة التي استخدمها التحالف العربي".

وفي إيطاليا، كتبت صحيفة "أنا بيللا"، أن "الجنود الإسرائيليين فرّوا من خط بارليف في مشهد صادم يعكس حجم المفاجأة التي أحدثها الهجوم المصري الكاسح، حتى "مجلة الدفاع الفرنسية" أقرت بأن البحرية المصرية "تفوقت على نظيرتها الإسرائيلية في استخدام الصواريخ البحرية"، وهو ما لم يكن متوقعًا من قبل مؤسسات الدفاع الغربية.

تحولات الوعي والسياسة


لم تتوقف تداعيات أكتوبر عند حدود الجغرافيا العسكرية، بل امتدت إلى عمق الفكر والسياسة، ففي اليوم التالي للانتصار، بدأت مراكز الأبحاث الغربية في مراجعة تصوراتها حول "التفوق النوعي الإسرائيلي" الذي كان يُعتبر من المسلمات.

وأصبحت المعركة نموذجًا لنهضة عسكرية عربية مبنية على التخطيط والمفاجأة، لا على الحماس وحده، صحيفة "واشنطن بوست" كتبت في 7 أكتوبر، أن "احتفاظ المصريين بالضفة الشرقية للقناة بعد نصرٍ ضخم لا مثيل له" حطم أسطورة أن العرب "لا يصلحون للحرب"، وفي تلك الجملة وحدها، يختصر العالم الغربي الدرس الذي قدّمه المصريون: لا توجد أمة تُهزم إلى الأبد، بل هناك إرادة يمكنها أن تعيد كتابة التاريخ متى آمنت بذاتها.

 ذاكرة لا تموت


اليوم، وبعد مرور أكثر من نصف قرن على الحرب، ما يزال السادس من أكتوبر رمزًا خالدًا لمعنى الكرامة الوطنية، فهو ليس مجرد ذكرى لمعركة، بل شهادة على أن مصر حين تتوحد حول هدفٍ وطني، تصبح قوة قادرة على قلب المعادلات الإقليمية، ربما تغيّرت التحالفات والظروف، لكن بريق ذلك اليوم ما يزال يضيء وجدان المصريين والعرب، يذكّرهم أن الكبرياء حين يتحول إلى فعلٍ منظم، يمكنه أن يهزم الغطرسة مهما كانت متجذرة.