خطة ترامب لغزة.. إعادة رسم الخريطة بين انسحاب تدريجي وحلم استيطاني متجدد
خطة ترامب لغزة.. إعادة رسم الخريطة بين انسحاب تدريجي وحلم استيطاني متجدد

في خطوة أثارت جدلاً واسعًا، عرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خريطة أولية للانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، تضمنت ما يُعرف بـ"الخط الأصفر" الذي يعيد رسم حدود السيطرة الميدانية في القطاع.
وأكدت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، أن الخطة، التي وُصفت بأنها مزيج بين محاولة لإنهاء الحرب ومناورة سياسية، تهدف ظاهريًا إلى تسهيل صفقة تبادل بين إسرائيل وحركة حماس، تقوم على مبدأ الأراضي مقابل الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، لكنها تحمل في طياتها أبعادًا أعمق تتصل بطموحات اليمين الإسرائيلي بإحياء الحلم الاستيطاني القديم في غزة.
تفاصيل الخطة الجديدة
بحسب الخريطة التي عرضها ترامب السبت، فإن انسحاب الجيش الإسرائيلي من مدينة غزة ومناطق واسعة في خان يونس ورفح سيتيح لحركة حماس العودة إلى تلك المناطق إلى جانب السكان المحليين وبدء إعادة بناء بنيتها التحتية، لكن وسط صعوبات ميدانية وأمنية أكبر من السابق.
تمنح الخطة إسرائيل، مؤقتًا وربما بشكل دائم في حال فشل المفاوضات، سيطرة على مناطق تتجاوز نطاق "المنطقة العازلة" الحالية، في حين يُعاد تسليم معظم المدن والمناطق العمرانية في غزة لحماس.
وتُعد هذه الخطوة مرحلة تمهيدية لمفاوضات أشمل تهدف إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ ما يقارب ثلاث سنوات.
الخط الأصفر.. منطقة عازلة أعمق
يتضح من تفاصيل الخطة، أن "الخط الأصفر" يوسع عمق السيطرة الإسرائيلية في غزة بشكل ملحوظ، إذ يمتد بعمق يصل إلى 1.5 كيلومتر في وسط القطاع، و3 كيلومترات قبالة مدينة غزة، و3.5 كيلومترات في الشمال، وصولاً إلى 6.5 كيلومترات في الجنوب.
ويبدو أن هذه المسافات تم اختيارها بعناية لأغراض تكتيكية، حيث تسمح للجيش الإسرائيلي بالسيطرة على المناطق المرتفعة مثل "مرتفعات 70" التي تشرف على أجزاء واسعة من القطاع.
ورغم أن الخطة توسع نطاق السيطرة العسكرية، فإن الجيش الإسرائيلي واصل خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية بناء خط دفاع جديد أقرب إلى الحدود بهدف منع أي تسلل مشابه لهجوم السابع من أكتوبر.
الحفاظ على المكاسب الميدانية
تؤكد مصادر إسرائيلية، أن الخطة صيغت بمشاركة مسؤولين من الجيش بهدف تثبيت المكاسب التي تحققت خلال عملية "مركبات جدعون الأولى"، والتي شملت تدمير آلاف المباني قرب المنطقة الحدودية لمنع حماس من إعادة بناء شبكة أنفاقها.
ففي أحياء عبسان شرق خان يونس، دمّرت وحدات المظليين أكثر من ألفي مبنى بين مايو ويوليو، فيما تمت تسوية مئات الأبنية بالأرض في شرق مدينة غزة، لا سيما في حي الشجاعية.
وتبقى هذه المناطق، بحسب الخطة، تحت السيطرة الإسرائيلية، إذ ما تزال الأنفاق قائمة هناك رغم الدمار الواسع.
سيطرة جزئية على مدن القطاع
تشير التسريبات السياسية إلى أن بيت حانون ورفح وجزءًا من خان يونس ستظل خاضعة لسيطرة الاحتلال، رغم أن هذه المناطق فقدت جزءًا كبيرًا من عمرانها نتيجة العمليات العسكرية.
وفي الجنوب، يمتد الخط الجديد ليشكل حاجزًا أمنيًا أوسع حول مستوطنات مثل كيرم شالوم ومناطق إشكول، فيما تمتد المنطقة العازلة في الشمال إلى ما بعد خط القطار في سديروت، لتبعد التهديدات عن بيت حانون ومشارف جباليا.
ورغم أن إسرائيل بررت هذه الخطوة بحماية حدودها، فإن تقارير استخباراتية تشير إلى أن الفصائل الفلسطينية لا تمتلك صواريخ كورنيت بعيدة المدى، وأن أغلب أسلحتها المضادة للدروع من نوع RPG بمدى محدود لا يتجاوز كيلومترًا واحدًا.
انسحابات جزئية في ممرات العمليات
تتضمن الخطة انسحابًا جزئيًا من بعض الممرات التي شقها الجيش الإسرائيلي خلال عملياته السابقة، مثل ممرّي "ماجن عوز" و"موراج"، اللذين استخدما سابقًا كورقة ضغط لصفقة الرهائن.
وسيبقى الجزء الشرقي من خان يونس معزولاً عن قسمها الغربي بفعل استمرار السيطرة الإسرائيلية على ممر ماجن عوز، فيما يجري انسحاب أوسع من ممر موراج الذي يربط خان يونس برفح، حيث شهدت الأخيرة تدميرًا واسعًا شمل معظم أحيائها.
البعد السياسي للخطة
على المستوى السياسي، تمثل الخطة بالنسبة لليمين الإسرائيلي، وخصوصًا الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، فرصة لإحياء مشروع الاستيطان في أجزاء من غزة كانت تحت السيطرة الإسرائيلية قبل الانسحاب عام 2005.
ففي حال فشل المفاوضات بعد إطلاق سراح الرهائن، ستبقى مناطق مثل مرتفعات نيسانيت في الشمال وأجزاء من كتلة غوش قطيف في الجنوب تحت السيطرة الإسرائيلية بفضل استمرار التواجد العسكري في ممر فيلادلفي على الحدود مع مصر.