شرم الشيخ على خط النار.. مفاوضات إسرائيل وحماس بين ضغوط ترامب ووساطة القاهرة

شرم الشيخ على خط النار.. مفاوضات إسرائيل وحماس بين ضغوط ترامب ووساطة القاهرة

شرم الشيخ على خط النار.. مفاوضات إسرائيل وحماس بين ضغوط ترامب ووساطة القاهرة
حرب غزة

في لحظة مشحونة بالترقّب الإقليمي والضغط الدولي، تتحوّل مدينة شرم الشيخ المصرية إلى ساحةٍ سياسية جديدة لمحاولة فكّ عقدة الحرب المشتعلة في غزة منذ عامين، فبين رهانات السلام ومخاوف الانفجار، يبدأ اليوم فصلٌ جديد من المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة حماس، برعاية مصرية وبدفعٍ مباشر من إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي أعاد طرح خطة سلام تحمل بصماته المثيرة للجدل.


 الخطة التي تتألف من عشرين بندًا، وتَعد بوقف إطلاق نار دائم وتبادل للأسرى وترتيبات أمنية جديدة، تواجه منذ لحظتها الأولى أسئلةً أكبر من إجاباتها، هل تمهّد هذه الجولة لإنهاء حرب غزة الطويلة، أم تُعيد تدوير الصراع بثوبٍ دبلوماسي جديد؟ وبينما يضع ترامب ثقله السياسي خلف الملف، يترقب العالم ما إذا كانت القاهرة قادرة هذه المرة على جمع خيوط متشابكة بين أطرافٍ أنهكتها الحرب والدمار.

جولة حاسمة


تبدأ مصر اليوم جولة جديدة من المحادثات بين وفدي إسرائيل وحركة حماس لمناقشة تفاصيل خطة السلام الأميركية التي طرحها دونالد ترامب، اللقاء، الذي يُعقد في مدينة السلام شرم الشيخ، يتم بوساطة القاهرة وبمشاركة قطرية وأميركية، ويُنظر إليه باعتباره محاولة حاسمة لإنهاء الحرب الدائرة في غزة.

الاجتماعات تُعقد عبر وسطاء، وتركّز مبدئيًا على صفقة لتبادل الأسرى والمحتجزين بين الجانبين تمهيدًا لاتفاق أوسع لوقف إطلاق النار. 

وتشارك في المفاوضات شخصيات بارزة مثل: جاريد كوشنر وستيف ويتكوف من الجانب الأميركي، في حين يترأس الوفد الإسرائيلي وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر المقرب من نتنياهو، بينما يقود وفد حماس القيادي خليل الحية.

لكن رغم الزخم الدبلوماسي، تبقى الشكوك قائمة حول جدية الطرفين. فإسرائيل تصر على أن المفاوضات يجب أن تكون قصيرة ومحددة، بينما تتمسك حماس بمطلبها الدائم: وقف الحرب ورفع الحصار والبدء الفوري بتبادل الأسرى دون التطرق إلى قضية نزع السلاح، وهي نقطة خلاف جوهرية قد تفجّر المفاوضات مبكرًا.

خطة غامضة


الخطة التي طرحها ترامب تتكون من عشرين بندًا، تُركّز على إعادة الإعمار ووقف النار تحت إشراف دولي، مع ترتيبات أمنية تضمن لإسرائيل منع أي تهديد صاروخي مستقبلي، مقابل انسحاب تدريجي من القطاع، لكنها تستبعد أي دور مباشر لحماس في إدارة غزة، وتقترح إدارة انتقالية بإشراف عربي – دولي، وهو ما تعتبره الحركة محاولة لإقصائها سياسيًا بعد استنزافها عسكريًا.

ترامب من جانبه كتب على منصته "تروث سوشيال"، أن المرحلة الأولى من الخطة يجب أن تُنجز هذا الأسبوع، محذرًا من أن أي تأخير "سيؤدي إلى حمام دم هائل".

هذه اللغة الانفعالية تعكس رغبة ترامب في تسويق مبادرته بسرعة، سواء لتحقيق اختراق دبلوماسي أو لاستثمار الملف انتخابيًا.

لكن كثيرين يرون أن الخطة تمثل "سلامًا أمنيًا" أكثر من كونها اتفاقًا سياسيًا حقيقيًا، إذ تتجاهل الملفات الجوهرية، مثل الحدود، اللاجئون، والاعتراف المتبادل، وبذلك، قد تكرر أخطاء مبادرات واشنطن السابقة التي انهارت تحت ضغط الواقع الميداني.

 وساطة مضغوطة


بالنسبة لمصر، تمثل هذه الجولة اختبارًا مزدوجًا لقدرتها على تثبيت نفوذها كوسيط إقليمي موثوق، ولإعادة التوازن بين واشنطن وتل أبيب والفصائل الفلسطينية، فنجاحها في جمع الأطراف حول طاولة واحدة يُعيد ترسيخ دورها القيادي، بينما فشلها قد يفتح الباب أمام وسطاء منافسين مثل قطر وتركيا.

القاهرة تسعى لاستثمار خبرتها الطويلة في إدارة ملفات غزة، وتضع ثقلها السياسي خلف هذه الجولة لإقناع الطرفين بخطوات تدريجية نحو تهدئة شاملة، لكن الواقع الميداني لا يمنحها كثيرًا من الوقت؛ الغارات الإسرائيلية المحدودة ما زالت مستمرة في شمال القطاع، والمزاج الشعبي الفلسطيني يرفض أي تسوية لا تتضمن انسحابًا كاملاً وتعويضات ملموسة.

ومع اقتراب موعد تجديد الاتفاقات الأمنية وازدياد ضغوط ترامب للإسراع، تبدو مفاوضات شرم الشيخ أقرب إلى سباقٍ مع الزمن، فإما أن تنجح في فتح نافذة سلام جديدة، أو تتحول إلى محطة أخرى في سلسلة المبادرات التي وُلدت في الظل وماتت في العلن.

الدور المصري


من جانبه، يرى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن استضافة مصر لجولة المفاوضات الجديدة بين إسرائيل وحماس تمثل تتويجًا لمسار دبلوماسي طويل خاضته القاهرة منذ اندلاع الحرب على غزة، وسط ظروف إقليمية معقدة وضغوط دولية متشابكة.

ويؤكد فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن القاهرة لا تتحرك بوصفها وسيطًا محايدًا فحسب، بل كفاعلٍ إقليمي يمتلك رؤية واضحة تقوم على تحقيق توازن دقيق بين ضرورات الأمن الإقليمي ومتطلبات الاستقرار الإنساني داخل القطاع.

وأضاف: أن ما يميز الموقف المصري هذه المرة هو قدرتها على جمع كافة الخيوط في لحظة سياسية حرجة، خاصة مع دخول الولايات المتحدة على خطّ الخطة الجديدة ومحاولة ترامب إعادة إنتاج "صفقة القرن" في قالبٍ محدث يستند إلى مفهوم "السلام مقابل الأمن".

ويرى فهمي، أن نجاح مصر في إدارة هذا الملف سيعزز موقعها الاستراتيجي كضامن وحيد لمرحلة ما بعد الحرب، مؤكدًا أن القاهرة تدرك أن أي اتفاق هشّ لن يصمد طويلاً ما لم يترافق مع ضمانات دولية حقيقية لرفع الحصار وإعادة الإعمار وضبط سلاح الفصائل.

واختتم قائلاً: إن مصر اليوم أمام اختبار دبلوماسي دقيق، لكنه أيضًا فرصة لإعادة تثبيت دورها المحوري في هندسة التوازنات الشرق أوسطية.