رفح تحت العلم الإسرائيلي.. تداعيات السيطرة على المعبر وتهديد الأمن القومي المصري
رفح تحت العلم الإسرائيلي تداعيات السيطرة على المعبر وتهديد الأمن القومي المصري
في خضم تصاعد التوترات الإقليمية، فاجأ الجيش الإسرائيلي المجتمع الدولي بإعلانه المفاجئ عن فرض سيطرته الكاملة على معبر رفح الحدودي، وهو الإعلان الذي جاء كصدمة للمراقبين وأثار موجة من القلق العميق في الأوساط السياسية والقانونية. هذا الإجراء غير المتوقع، الذي تم بسرعة وبدون سابق إنذار، قد أدى إلى حالة من البلبلة والتساؤلات الملحة حول كيفية استجابة مصر لهذا التحدي السافر لسيادتها وما سيترتب عليه من تداعيات على مستقبل العلاقات الثنائية مع إسرائيل.
*الانتهاكات الإسرائيلية*
اتفاقية كامب ديفيد، التي تُعد معلمًا بارزًا في تاريخ العلاقات الدولية، تشتمل على ملاحق أمنية دقيقة تُعنى بترسيخ مبادئ السلام والأمن في المنطقة، تلك الملاحق تُلزم الطرفين، مصر وإسرائيل، بالحفاظ على سيادة وسلامة الأراضي التابعة لكل دولة، وتحظر بشكل قاطع استخدام القوة أو التهديد بها، هذا الالتزام يُعتبر حجر الزاوية للعلاقات السلمية ويُمثل ضمانة لعدم اللجوء إلى العنف المسلح كوسيلة لحل النزاعات.
ويرى مراقبون، أن الأعمال الإسرائيلية الأخيرة التي تتضمن السيطرة على معبر رفح تُعد خرقًا واضحًا لهذه النصوص، مؤكدين أنها لا تُعرض فقط السلام الهش في المنطقة للخطر، بل تقوض أيضًا الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق تسوية سلمية شاملة، موضحين أن استمرار هذه الأعمال يُمكن أن يُعيق بشكل جدي الفرص المتاحة لإحياء المفاوضات ويُعزز من حالة عدم الثقة بين الأطراف؛ مما يُعقد من مسار السلام الطويل الأمد.
*تهديد الأمن القومي المصري*
من جانبهم يرى مراقبون، أن العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت معبر رفح لا تُعد مجرد خطوة استراتيجية في الصراع الطويل الأمد، بل تُمثل أيضًا تحديًا كبيرًا للأمن القومي المصري.
هذا الاجتياح، الذي يُعتبر تجاوزًا للحدود المُتفق عليها، يُلقي بظلال من الشك على مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية ويُثير تساؤلات جادة حول إمكانية استمرار الالتزام باتفاقية السلام التي تم التوصل إليها بعد مفاوضات مُضنية.
وأكد المراقبون، أن في ضوء هذه الأحداث، قد تجد القاهرة نفسها أمام خيارات صعبة وقرارات مصيرية. فهل تُعيد النظر في موقفها من اتفاقية السلام، التي كانت حتى وقت قريب تُعتبر ركنًا أساسيًا في استقرار المنطقة؟ وهل تتجه مصر نحو البحث عن آليات جديدة ضمن المواثيق الدولية للرد على هذه التحديات؟ هذه الأسئلة تُطرح الآن بإلحاح في الأروقة السياسية والقانونية، وتُشير إلى أن الأيام القادمة قد تحمل تغيرات جذرية في خريطة العلاقات الدبلوماسية في المنطقة.
*الضغط على حماس*
من جانبه، يقول اللواء حمدي بخيت، المحلل الاستراتيجي: إن الهدف من استهداف رفح الفلسطينية هو ممارسة الضغط على حماس خلال المراحل الأخيرة من مفاوضات الهدنة، بهدف دفع الحركة للموافقة على تنازلات إضافية تصب في مصلحة إسرائيل.
يذكر بخيت، أن إسرائيل كانت مرنة في قبول المقترحات المصرية قبل هذا الاستهداف، ويلاحظ بخيت أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح، رغم كونها محدودة حتى الآن، قد تكون مقدمة لعملية أوسع نطاقًا، خاصة في ظل إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي على مواصلة الحرب على الرغم من المعارضة الشديدة لها ومحاولاته لتقويض المفاوضات، والتي يعتقد أنها قد تؤدي إلى نهاية حكمه.
وأضاف المحلل الأمني في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن أهداف الحكومة الإسرائيلية تتعارض مع رغبات الشعب اليهودي الذي يسعى لنجاح المفاوضات وعودة الرهائن.
ويُرجح أن استهداف رفح ومعبرها الرئيسي قد يكون وسيلة للضغط على سكان غزة للهجرة جنوبًا نحو مصر أو شمالًا ووسطًا، في محاولة لإعادة توزيع السكان ديموغرافيًا لتعزيز السيطرة الإسرائيلية على القطاع.
ويُسلط بخيت الضوء على الموقف الثابت لمصر تجاه القضية الفلسطينية، مؤكدًا على التزام القاهرة بعدم التلاعب بحدود أرض فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية ضمن حدود 4 يونيو 1967، وأن الشعب الفلسطيني هو صاحب القرار في تحديد مصيره، ويُبرز أن مصر تدين أي تحرك يخالف هذه الثوابت وتحتفظ بحق الرد للدفاع عن أراضيها وأمنها القومي.
*تصعيدًا خطيرًا*
في السياق ذاته، يقول السفير محمد عرابي، رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية: إن إجراءات القوات الإسرائيلية في مدينة رفح بغزة، وسيطرتها على المعبر الحدودي في تلك المنطقة، تمثل تصعيدًا خطيرًا في الوضع، مهددة حياة ملايين الفلسطينيين.
وتابع وزير الخارجية السابق في حديثه لـ"العرب مباشر": إن هذا الاقتحام يكشف عن نوايا سلبية تجاه جهود التهدئة والسلام، ويؤكد استمرار "حكومة نتنياهو" في تجاهل المجتمع الدولي والقوانين الإنسانية.
وأضاف عرابي، أن هذه الخطوة الاستفزازية تأتي في وقت تتزايد فيه فرص التوصل إلى هدنة بفضل جهود وساطة مصر وشركائها الإقليميين والدوليين؛ مما يظهر عدم استعداد إسرائيل لوقف العمليات العسكرية ضد المدنيين في غزة.
ويؤكد أن سيطرة إسرائيل على المعبر يعني تعطيل وصول الجرحى والمرضى للعلاج، ومنع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية.
ويطالب السفير الأطراف الإقليمية والدولية بزيادة الضغط على إسرائيل للتقدم في المفاوضات ووقف إطلاق النار والاتفاق على تبادل الأسرى والسجناء.