محللون سياسيون سودانيون: الشائعات في النزاعات أخطر من المعارك الميدانية
محللون سياسيون سودانيون: الشائعات في النزاعات أخطر من المعارك الميدانية

شهد السودان على مدار تاريخه الحديث سلسلة من النزاعات التي صاحبها سيل من الشائعات والأخبار المضللة، والتي لعبت دورًا محوريًا في تشكيل الرأي العام وإرباك المشهد الميداني.
فمنذ بدايات الحروب الأهلية الأولى، كانت الإذاعات المحلية هي المنصة الأبرز لنشر الأخبار، حيث استُخدمت لنقل رسائل سياسية وعسكرية، وغالبًا ما كانت تتضمن معلومات غير دقيقة أو مبالغ فيها لخدمة أطراف النزاع.
ومع تطور التكنولوجيا، انتقلت ساحة الحرب الإعلامية من المذياع والصحف إلى الفضائيات، قبل أن تصل إلى عصر السوشيال ميديا، الذي أتاح سرعة فائقة في نشر المعلومات، لكنه فتح المجال أيضًا لانتشار غير مسبوق للأكاذيب.
فقد أصبحت المنصات الرقمية سلاحًا فاعلًا بيد المتحاربين، تستخدم لبث مقاطع مصورة أو بيانات غير موثقة، يصعب التحقق منها في ظل ظروف النزاع وانقطاع الاتصالات أحيانًا.
جسد ذلك ما جرى مؤخرًا في ولاية جنوب دارفور، حيث تداولت منصات التواصل الاجتماعي أنباء عن تدمير الجيش السوداني لطائرة إماراتية في مطار نيالا، وهو ما نفته قوات الدعم السريع في بيان رسمي، مؤكدة أن الخبر عارٍ عن الصحة.
حيث أكدت أن الجيش السوداني لم يقم بقصف لمطار نيالا ومواقع أخرى في أو حول مدينة الفاشر، ووصفت قوات الدعم السريع ما أذاعه تلفزيون السودان بأنه ( مزاعم لا أساس لها من الصحة مطلقًا، وهي جزءٌ من الحرب الإعلامية، التي درج عليها ما أسماه بفلول النظام للتغطية على هزائمهم العسكرية المتتالية)، ( لا سيما في جبهات كردفان، ولصرف الأنظار عن حالة الانهيار التي يعيشونها عقب الخسائر الكبيرة في العتاد والأرواح، التي لحقت بهم في معارك كردفان)، حسبما جاء في البيان.
هذه الحادثة تعيد إلى الأذهان وقائع مشابهة، خلال السنوات الماضية، حيث انتشرت شائعات عن إسقاط طائرات أو سيطرة على مواقع استراتيجية، ليتبين لاحقًا أنها جزء من حرب نفسية تستهدف رفع الروح المعنوية لطرف أو إحباط الطرف الآخر.
ويرى مراقبون، أن "حادثة الطائرة" ليست الأولى من نوعها، بل تأتي ضمن سجل طويل من الأكاذيب التي رافقت النزاعات في السودان، من بيانات عسكرية مبالغ فيها إلى أخبار كاذبة عن انتصارات وهمية.
ويؤكد هؤلاء، أن الوعي الإعلامي والتحقق من المصادر أصبحا ضرورة قصوى في ظل تسارع تداول المعلومات، خاصة في بيئة النزاعات حيث تكون الحقيقة أولى ضحايا الحرب.
قال المحلل السياسي السوداني د. الحاج عبد الرحمن: إن حادثة ما تردد عن "تدمير الجيش السوداني لطائرة إماراتية في مطار نيالا" تمثل حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الشائعات التي لطالما صاحبت النزاعات في السودان، مشيرًا أن التاريخ السياسي والعسكري للبلاد يكشف أن الأكاذيب الإعلامية كانت دومًا أداة مؤثرة في إدارة الصراع.
وأوضح د. عبد الرحمن، أن "منذ حقبة الإذاعات في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، مرورًا بانتشار الفضائيات، وصولًا إلى عصر السوشيال ميديا، شهد السودان تحولًا جذريًا في وسائل نشر المعلومات، إلا أن القاسم المشترك هو توظيف الأخبار الكاذبة لخلق حالة من البلبلة، أو التأثير على الروح المعنوية للمقاتلين والمدنيين على حد سواء".
وأضاف لـ"العرب مباشر": أن سرعة انتشار المعلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي اليوم تجعل من الشائعات أكثر خطورة، خاصة في بيئة النزاع التي يصعب فيها التحقق من الحقائق، لافتًا أن "حادثة الطائرة" ليست الأولى من نوعها، إذ سبق أن شهد السودان أخبارًا مماثلة عن إسقاط طائرات أو السيطرة على مواقع استراتيجية، ثبت لاحقًا عدم صحتها.
وختم المحلل السوداني تصريحاته بالتأكيد على أن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب رفع مستوى الوعي الإعلامي لدى الجمهور، وتشجيع وسائل الإعلام على الالتزام بالتحقق الصارم قبل النشر، لأن الأكاذيب في زمن الحرب لا تقل خطرًا عن الرصاص.
وأكد المحلل السياسي السوداني د. الطيب الفاضل، أن ما أثير مؤخرًا حول تدمير الجيش السوداني لطائرة إماراتية في مطار نيالا، والذي سارعت قوات الدعم السريع إلى نفيه، يعكس استمرار استخدام الشائعات كسلاح استراتيجي في النزاعات السودانية.
وأوضح - في تصريح لـ"العرب مباشر"، أن السودان شهد عبر تاريخه نماذج متكررة من الأخبار المضللة، بدأت من الإذاعات المحلية التي كانت تبث بيانات مبالغ فيها، مرورًا بوسائل الإعلام التقليدية، وصولًا إلى منصات التواصل الاجتماعي التي أصبحت مسرحًا رئيسيًا لحرب المعلومات.
وأضاف: "اليوم، بضغطة زر، يمكن أن تنتشر رواية غير صحيحة إلى ملايين الناس في دقائق، وهو ما يجعل تأثيرها على المعنويات والقرار السياسي والعسكري بالغ الخطورة"وأشار أن "حادثة الطائرة" ليست حدثًا معزولًا، بل امتداد لما وصفه بـ"سجل الأكاذيب" في النزاعات السودانية، حيث سبق أن تم الترويج لانتصارات وهمية أو عمليات عسكرية غير موجودة على أرض الواقع.
وختم بالقول: إن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب منظومة إعلامية وطنية قادرة على الرصد السريع، وتزويد الجمهور بالمعلومة الموثوقة، لأن الشائعة، إذا تُركت دون تصحيح، قد تتحول إلى حقيقة في أذهان الناس وتغير مسار الأحداث.