حدود النار.. هل تفجّر بليدا حربًا جديدة بين لبنان وإسرائيل؟

حدود النار.. هل تفجّر بليدا حربًا جديدة بين لبنان وإسرائيل؟

حدود النار.. هل تفجّر بليدا حربًا جديدة بين لبنان وإسرائيل؟
حرب لبنان

يقف الجنوب اللبناني مجددًا عند حدود الأشتعال، مشهدٌ تكرّر في تاريخ البلاد، لكنه اليوم أكثر خطورة مع دخول الجيش اللبناني على خط المواجهة المباشرة، بأمرٍ من الرئيس جوزاف عون، بعد مقتل موظف برصاص قوة إسرائيلية توغلت داخل بلدة حدودية، وبينما يعقد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر اجتماعات متلاحقة لبحث تصاعد قدرات حزب الله، يتكثف الحراك الدبلوماسي في بيروت على وقع تحذيرات من حربٍ لا أحد يريدها، لكن الجميع يستعد لها.

في المقابل، تتنازع الساحة اللبنانية قراءتان متناقضتان، إحداهما ترى في الأحداث مجرد تصعيد محدود يندرج ضمن لعبة التوازنات، وأخرى تعتبرها مقدمة لحربٍ جديدة قد تتدحرج خارج السيطرة، ومع اشتداد الغارات الإسرائيلية وازدياد الطلعات الجوية فوق العاصمة، يتعمق السؤال الذي يثقل صدور اللبنانيين، هل يقترب شبح الحرب مجددًا من بيروت؟

اعتداء صارخ على مؤسسات الدولة


لم يكن تصريح الرئيس اللبناني جوزاف عون، يوم الخميس، مجرد موقف سياسي، بل رسالة ميدانية بامتياز، حين أمر الجيش بـ«التصدي لأي توغل إسرائيلي»، بدا أنه يعلن تحولًا في قواعد الاشتباك التي ظلّت مضبوطة منذ توقيع الهدنة بوساطة أمريكية وفرنسية قبل نحو عام.

الحادثة التي فجّرت هذا الموقف كانت مقتل الموظف إبراهيم سلامة في بلدة بليدا الجنوبية، بعدما دخلت قوة إسرائيلية إلى مبنى البلدية وأطلقت النار عليه، الحكومة اللبنانية وصفت ما حدث بأنه «اعتداء صارخ على مؤسسات الدولة»، فيما نعى رئيس الوزراء نواف سلام الضحية، مؤكدًا أن الاتصالات جارية مع الأمم المتحدة لضمان وقف الانتهاكات.

ورغم أن التوغلات المحدودة ليست جديدة في الجنوب، فإن ما حدث في بليدا يحمل رمزية مضاعفة، أولًا لأنه جرى في عمق بلدة مأهولة، وثانيًا لأن الضحية لم يكن مقاتلًا بل موظفًا مدنيًا، ما جعل الحدث يبدو وكأنه تجاوزٌ متعمّد للخطوط الحمراء، الجيش اللبناني تحرك بسرعة، وأرسل تعزيزات إلى المنطقة بالتنسيق مع قوات "اليونيفيل"، التي حضرت إلى الموقع وفتحت تحقيقًا أوليًا في الملابسات.

تصعيد إسرائيلي


بالتوازي، كانت إسرائيل تدرس في تل أبيب «زيادة وتيرة الضربات» داخل الأراضي اللبنانية، هيئة البث الإسرائيلية نقلت أن المجلس الوزاري المصغر يجتمع بشكل متواصل مع كبار قادة المؤسسة العسكرية لبحث «تصاعد نشاطات حزب الله شمال الليطاني». 

مصادر استخبارية غربية تحدّثت بدورها لـ"بي بي سي"، عن محاولات الحزب لإعادة بناء ترسانته الصاروخية وتجنيد مقاتلين جدد، رغم الخطة الحكومية اللبنانية الرامية إلى نزع سلاحه.

وتشير التقديرات إلى أن معظم هذه التحركات تجري بعيدًا عن مناطق حظر السلاح المنصوص عليها في اتفاق الهدنة، ما يثير حفيظة إسرائيل ويدفعها لتوسيع رقعة عملياتها الاستباقية.

وفي خلفية المشهد، تتحرك الدبلوماسية الإقليمية على عجل، فقد وصلت إلى بيروت الموفدة الأمريكية مورغان أورتاغوس بعد زيارتها تل أبيب، حيث اجتمعت بمسؤولين لبنانيين وبعثة الأمم المتحدة في الناقورة، كما زارها مدير المخابرات المصرية حسن رشاد، تلاه الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، في مساعٍ محمومة لاحتواء التوتر، ومع كل زيارة، ترتفع حرارة التصريحات في الإعلام الإسرائيلي واللبناني والعربي على السواء، لتتكرر لعبة التهويل التي تسبق كل جولة مفاوضات.

حالة من الإرباك


الخبيرة في العلاقات الدولية ليلى نقولا، وصفت هذه الأجواء بأنها حرب معلومات موازية، معتبرة أن بث الأخبار المقلقة والسيناريوهات المفزعة عبر وسائل الإعلام يهدف إلى خلق حالة من الإرباك والهلع في الداخل اللبناني.

أما الباحث قاسم غريب، فانتقد ما سماه التسويق المنظّم لفكرة الحرب الوشيكة» من دون أدلة ملموسة، محذرًا من أن بعض وسائل الإعلام المحلية «تحوّلت إلى مكبر صدى للدعاية الإسرائيلية.

لكن في الجهة المقابلة، هناك من يرى أن التقليل من احتمالات المواجهة لا يقل خطورة عن التهويل نفسه، الصحفي حسين نور الدين حذّر من أن إسرائيل تتحدث بلغة النار يوميًا، وأن الحراك الدبلوماسي المتصاعد قد يكون مؤشرًا إلى مرحلة أكثر سخونة.

 ويرى أن استبعاد سيناريو الحرب نوع من إنكار الواقع، معتبرًا أن التحضيرات الجارية على الحدود لا يمكن تفسيرها إلا كتهيئة لجولة جديدة.

وبين هذين المنظورين، يبقى المشهد ضبابيًا، الأمم المتحدة وثّقت مقتل 111 مدنيًا منذ اتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر الماضي، بينما تواصل إسرائيل شنّ غاراتها التي أودت بحياة 23 شخصًا خلال الأسبوع الأخير فقط، وفق وزارة الصحة اللبنانية، في المقابل، يتمسك الجيش اللبناني بحدود ضبط النفس، لكنه يؤكد أنه لن يسمح بأي انتهاك جديد.

المعطيات الميدانية تشير إلى أن إسرائيل ما زالت تحتفظ بخمس نقاط عسكرية داخل الأراضي اللبنانية، وهو ما تعتبره بيروت احتلالًا غير مبرر، ومع تصاعد الغارات والطائرات المسيّرة فوق العاصمة، تتزايد الضغوط على الحكومة اللبنانية لفرض موقف أكثر صرامة، إلا أن هذا التشدد يواجه عقبات داخلية، أبرزها الانقسام السياسي حول دور حزب الله، والتحدي الاقتصادي الذي يضعف قدرة الدولة على مواجهة أزمة عسكرية كبرى.