كارثة أفغانستان المزدوجة.. موت تحت الركام وآمال معلقة على دعم دولي غائب
كارثة أفغانستان المزدوجة.. موت تحت الركام وآمال معلقة على دعم دولي غائب

استيقظت أفغانستان على وقع أحد أسوأ الزلازل في تاريخها الحديث، لتجد نفسها غارقة في مأساة إنسانية جديدة تضيف جرحًا آخر إلى جسد مثخن بالأزمات، الزلزال الذي بلغت قوته ست درجات على مقياس ريختر لم يكن مجرد هزة أرضية عابرة، بل تحوّل إلى كابوس حقيقي أودى بحياة وشرد آلاف، في وقت يواجه فيه رجال الإنقاذ مهمة شبه مستحيلة بسبب التضاريس الوعرة والأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية، وبينما تتساقط أخبار الضحايا تباعًا، تقف البلاد أمام امتحان قاسٍ، كيف يمكن لدولة تعاني من عزلة سياسية ونقص حاد في التمويل الدولي أن تواجه كارثة بهذا الحجم، وبين نداءات الاستغاثة من وزارة الصحة الأفغانية وصوت المجتمع الدولي المتردد، تترسخ صورة بلد محاصر بين الطبيعة القاسية والجغرافيا السياسية المعقدة، حيث تبدو الأرواح العالقة تحت الركام في سباق مع الزمن، والإنقاذ مرهون بقدرة العالم على تجاوز خلافاته لمد يد العون.
دمار واسع
ضرب زلزال مدمر، بلغت شدته ست درجات، شرق أفغانستان ليل الأحد، مسفرًا عن مصرع 1411 شخصًا، وأكثر من 3100 جريح، بحسب حصيلة محدثة أعلنتها حكومة طالبان الثلاثاء.
وقال المتحدث باسم الحكومة ذبيح الله مجاهد - في بيان-: إن 1411 شخصا قتلوا وأصيب 3124 آخرون في ولاية كونار وحدها، مشيرًا أن أكثر من خمسة آلاف منزل دمر في المنطقة المتضررة، وسط مخاوف متزايدة من ارتفاع الأعداد مع تقدم فرق الإنقاذ نحو القرى المعزولة في ولايتي كونار وننكرهار، مركز الهزة الأرضية كان على عمق عشرة كيلومترات، وهو ما جعل تأثيرها مضاعفًا على المباني الطينية الهشة المنتشرة في المناطق الجبلية.
الدمار كان واسعًا، حيث أعلنت السلطات أن ثلاث قرى في كونار دُمرت بالكامل، فيما تعرضت قرى أخرى لأضرار جسيمة، المشهد ازداد سوءًا مع هطول أمطار غزيرة تسببت في انهيارات أرضية، ما جعل الطرق غير سالكة أمام سيارات الإسعاف والفرق الميدانية.
وقالت كيت كاري، المسؤولة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا): إن خطر الصخور المتساقطة والانهيارات الأرضية يعيق التحرك، مؤكدة أن الوقت أصبح عاملاً قاتلاً، إذ تزداد احتمالية فقدان المزيد من الأرواح تحت الأنقاض.
جهود شعبية وعسكرية
من جهتها، أعلنت وزارة الدفاع الأفغانية، أن الجيش نفذ أكثر من 40 رحلة جوية لإجلاء المصابين ونقل جثامين الضحايا، فيما ظهر السكان وهم يشاركون الجنود في حمل الجرحى بأيديهم إلى سيارات الإسعاف في ظل غياب البنية التحتية الطبية الكافية.
ومع محدودية الموارد، لجأت السلطات إلى التخلص سريعًا من جثث الحيوانات النافقة تجنبًا لتلوث المياه وانتشار الأوبئة، لكن التحدي لا يقف عند حدود الإنقاذ والإغاثة العاجلة؛ فالأزمة الإنسانية في أفغانستان تتعمق مع كل كارثة طبيعية جديدة.
فمنذ سيطرة طالبان على الحكم في أغسطس 2021، تراجعت المساعدات الدولية بشكل حاد، التمويل الذي كان يبلغ 3.8 مليار دولار عام 2022 تقلص هذا العام إلى نحو 767 مليونًا فقط، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية حتى الاحتياجات الأساسية لملايين السكان.
ويقول مراقبون: إن المجتمع الدولي يعاقب الشعب الأفغاني بشكل غير مباشر نتيجة عدم اعترافه بحكومة طالبان، ما يجعل تدفق المساعدات مشروطًا بالاعتبارات السياسية أكثر من البعد الإنساني.
نداء إلى العالم
المتحدث باسم وزارة الصحة في كابل، شرفات زمان، وجّه نداءً عاجلاً للمجتمع الدولي لتقديم مساعدات طبية وغذائية عاجلة، مؤكدًا أن آلاف العائلات باتت بلا مأوى، وأن المستشفيات تعجز عن استيعاب المصابين.
أما ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم حكومة طالبان، فاعترف بحجم الكارثة قائلًا: إن "الوضع يفوق قدراتنا"، في إشارة واضحة إلى أن أفغانستان لا يمكنها مواجهة هذه المأساة وحدها.
على الصعيد الدولي، أبدت الصين استعدادها لتقديم مساعدات إغاثية "وفق احتياجات أفغانستان وفي حدود قدراتها"، فيما اكتفت الولايات المتحدة بتقديم التعازي عبر مكتب شؤون جنوب ووسط آسيا في وزارة الخارجية، من دون إعلان واضح عن نية إرسال دعم ميداني.
أما الأمم المتحدة، فقد أكدت أن بعثتها في كابل تعمل على حشد الموارد لتأمين المساعدات العاجلة، بينما دعا الأمين العام أنطونيو غوتيريش العالم إلى "الوقوف بجانب الأفغان في محنتهم".
هذه الكارثة ليست الأولى من نوعها، فخلال الأعوام الثلاثة الماضية، ضربت أفغانستان ثلاثة زلازل مدمرة، إضافة إلى فيضانات متكررة، ما جعلها واحدة من أكثر الدول هشاشة أمام الكوارث الطبيعية.
المشكلة أن هذه الكوارث تأتي في سياق انهيار اقتصادي خانق، حيث يعيش أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، فيما تعاني البلاد من نقص مزمن في الخدمات الصحية والغذائية.
الزلزال الأخير يكشف بوضوح الفجوة بين الحاجة الإنسانية الملحة والواقع السياسي المعقد، فبينما يحتاج الناجون إلى مأوى عاجل ورعاية صحية، تتأخر الاستجابة الدولية بفعل حسابات مرتبطة بالاعتراف بحكومة طالبان والعقوبات المفروضة عليها.
هذا التباطؤ قد يعني أن مئات الأرواح الأخرى ستُفقد قبل وصول أي دعم فعلي.