الفيضان يقرع أبواب الخرطوم.. السودان يرفع راية الإنذار الأحمر

الفيضان يقرع أبواب الخرطوم.. السودان يرفع راية الإنذار الأحمر

الفيضان يقرع أبواب الخرطوم.. السودان يرفع راية الإنذار الأحمر
فيضان الخرطوم

في مشهد يختلط فيه القلق بالحذر، أعلنت وزارة الري السودانية حالة "الإنذار الأحمر" على طول الشريط النيلي، محذّرة من فيضانات مرتقبة قد تهدد حياة آلاف السكان وتجرف منازلهم وأراضيهم الزراعية.

 يأتي التحذير في وقت يسجل فيه النيل الأزرق تدفقات غير مسبوقة منذ سنوات، ما جعل السلطات تدخل في سباق مع الزمن لاحتواء الأزمة وتخفيف آثارها، فبينما تراقب الخرطوم وشندي وعطبرة وبقية المدن النيلية ارتفاع منسوب المياه ساعة بعد ساعة، تبدو القرى الواقعة على ضفاف النهر في حالة استنفار قصوى، حيث يسعى الأهالي إلى إنقاذ مواشيهم ومحاصيلهم قبل أن تبتلعها المياه.

 ويزيد من المخاوف تحذيرات الخبراء من أن استمرار تصريف سد النهضة الإثيوبي فوق المعدلات الطبيعية قد يفاقم الموقف ويجعل احتمالات الكارثة أكثر خطورة؛ مما يضع السودان أمام اختبار صعب بين إدارة الأزمة وحماية أرواح مواطنيه وبنيته التحتية المهددة.

دلالات خطيرة


تشهد البلاد هذه الأيام واحدة من أخطر المراحل في تاريخها المائي الحديث، حيث أعلنت وزارة الري والموارد المائية حالة "الإنذار الأحمر" التي تعد أعلى مستويات التحذير من الفيضانات. 

ويشير خبراء المياه, أن هذا الإعلان ليس مجرد خطوة إجرائية، بل رسالة واضحة بأن البلاد تقف على أعتاب أزمة قد تتجاوز أضرارها نطاق الخسائر المادية لتتحول إلى كارثة إنسانية.

فإيرادات النيل الأزرق تجاوزت 730 مليون متر مكعب يوميًا، ما يعني ارتفاعًا يقارب 300 مليون متر مكعب عن المعدل الطبيعي، وهو ما يرفع منسوب النيل ويزيد الضغوط على السدود والجسور الواقية من الفيضانات.

وتحمل هذه الأرقام دلالات خطيرة، إذ أن تصريف سد الروصيرص وصل إلى 670 مليون متر مكعب يوميًا، وسد سنار إلى 600 مليون متر مكعب، بينما قارب تصريف سد مروي 700 مليون متر مكعب يوميًا، هذه الكميات الهائلة لا تمثل فقط تهديدًا مباشرًا للبنية التحتية، بل تنذر بانهيارات محتملة في مناطق حيوية إذا لم تتمكن السلطات من السيطرة على تدفق المياه أو تعزيز وسائل الحماية على نحو عاجل.

نزوح الأهالي


الولايات الأكثر عرضة للخطر – الخرطوم، نهر النيل، النيل الأبيض، النيل الأزرق وسنار – تعيش حالة استنفار قصوى، فرق الطوارئ انتشرت في القرى والمدن، بينما تعمل فرق الدفاع المدني على تدعيم الجسور الترابية، وتحذّر السكان من البقاء في المناطق المنخفضة.

مشاهد نزوح الأهالي مع مواشيهم نحو الهضاب تكرس صورة مأساوية لأزمة متكررة تتفاقم عامًا بعد آخر مع التغير المناخي وضعف البنية التحتية.

ويرى خبراء المياه، أن الوضع الحالي يعكس قصوراً في إدارة الموارد المائية على المدى البعيد، حيث لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من الاستثمار الكافي في مشروعات الحماية من الفيضانات أو تحديث السدود وشبكات الإنذار المبكر.

ويذهب بعض المحللين إلى أن استمرار تصريف سد النهضة الإثيوبي فوق المعدلات الطبيعية قد يكون جزءاً من الأزمة، إذ لا تتوافر معلومات كافية عن خطط إدارة المياه في السد، مما يضع السودان في موقف هش يعتمد على توقعات غير مؤكدة.

خطة طوارئ


في هذا السياق، يقول الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة: إن إعلان الإنذار الأحمر خطوة ضرورية لكنها غير كافية، فالمطلوب اليوم هو خطة طوارئ شاملة تشمل الإجلاء المنظم للسكان في المناطق الخطرة، وتوفير مراكز إيواء مؤهلة، وضمان تدفق الإمدادات الغذائية والطبية، فضلاً عن تفعيل التعاون الإقليمي مع إثيوبيا ومصر لتنسيق إدارة المياه وتقليل المخاطر". 

ويضيف نور الدين في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن الأزمة الحالية فرصة لإعادة النظر في السياسات المائية للسودان، وتعزيز الاستثمارات في البنية التحتية التي يمكن أن تقلل من خسائر الفيضانات في المستقبل.

ومع استمرار تدفق المياه، تبدو الصورة في الشارع السوداني أكثر قتامة، الأسواق شهدت ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية نتيجة تعطل حركة النقل البري، بينما حذرت منظمات إنسانية من احتمال تفشي الأمراض إذا غمرت المياه شبكات الصرف الصحي والمنازل، التحدي الآن ليس فقط في منع الفيضانات من الوصول إلى المناطق المأهولة، بل أيضًا في إدارة ما بعد الكارثة من خلال خطط التعافي وإعادة الإعمار.

كوارث متكررة


في السياق ذاته، قال الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة: إن الوضع الحالي يعكس خللاً واضحًا في إدارة سد النهضة، إذ كان من المفترض أن يسهم تشغيل التوربينات في تخفيف الضغط على بحيرة التخزين من خلال إنتاج الكهرباء بشكل مستمر، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

وأضاف -في تصريحات لـ"العرب مباشر"-، أن نتيجة لهذا التوقف، اضطرت إثيوبيا إلى تصريف كميات هائلة من المياه عبر المفيض العلوي، وهو ما أدى إلى تدفق غير مسبوق نحو الأراضي السودانية. 

ويرى شراقي أن هذه الكميات الكبيرة فاقمت الضغط على سد الروصيرص، الذي كان ممتلئًا أصلاً، مما ضاعف المخاطر على المجتمعات الواقعة على ضفاف النيل. 

وتابع، أن ما يحدث حاليًا لا يمكن اعتباره فيضانًا طبيعيًا موسميًا، بل هو نتيجة مباشرة لسياسات إدارة المياه في إثيوبيا وعدم التنسيق مع دول المصب، محذرًا من أن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى كوارث متكررة في المستقبل، داعيًا إلى وضع آلية دائمة لتبادل المعلومات بين أديس أبابا والخرطوم والقاهرة لضمان تنظيم تدفقات المياه وتقليل الأضرار على السكان والزراعة والبنية التحتية.

كما شدّد على أهمية أن تضغط المنظمات الدولية للتوصل إلى اتفاق ملزم بشأن تشغيل السد وجدول تصريف المياه بما يحقق التوازن بين التنمية الإثيوبية وأمن دولتي المصب المائي.